أمريكا والفرصة التاريخية كيف تواجه أمريكا التحديات العالمية الراهنة ؟ ـــ مقال رقم /9/

صحيفة البيان – الإمارات العربية ” الملف السياسي” الحلقة (1)

لعدد :130 –   تاريخ: 12/11/1993

هذا المقال عبارة عن دراسة تتناول عرض وتقديم لكتاب ريتشارد نيكسون ( الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين ) SEIZE THE MOMENT  وترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية بعنوان  ” أمريكا والفرصة التاريخية”   نظراً لأهمية الكتاب والمؤلف قمنا بتقديم وعرض الأفكار والتوجهات الأساسية الواردة فيه ، حيث نشرت على مدار أربع حلقات في صحيفة البيان الإماراتية . هدف الدراسة كان عرض الأفكار والتوجهات الأساسية الواردة في الكتاب وليس تحليلها أو نقدها ” اتفاقا أو اختلافا” ، فربما يتاح ذلك في فرصة أخرى مستقبلاً .

تقديم

يتناول المؤلف في هذا الكتاب بالدراسة والتحليل دور أمريكا في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، بالنسبة لنيكسون فإن هذا الدور يتلخص في جملة واحدة : على أمريكا أن تقود العالم.

وقد أكد الكاتب وجهة نظره هذه في أكثر من موضوع وبصيغ متعددة لعل أوضحها دلالة قوله في خاتمة الكتاب : لسنا الأمريكيين مجرد ركاب في قطار التاريخ بل نحن قادته وأمامنا الفرصة المؤاتية لنصنع قرنا أمريكياً ثانياً أما لماذا ? وكيف ? أي لماذا على أمريكا أن تقود العالم وكيف تستطيع أمريكا قيادة العالم فهذا ما سنعرضه من وجهة نظر المؤلف من الناحية المنهجية قسم الكتاب إلى سبعة فصول هي: ” العالم في الواقع – الإمبراطورية الشريرة سابقاً – البيت الأطلسي المشترك – مثلث المحيط الهادي – عالم الإسلام – نصف الكرة الجنوبي – تجديد أمريكا ” وخاتمة بعنوان ” كيف تقود أمريكا العالم “? حيث يشرح نيكسون في الفصول السابقة الدور الذي ينبغي لأمريكا أن تلعبه   في كل منطقة من تلك المناطق ، ومما يلفت النظر في العرض الذي يقدمه الرئيس السابق عند تناوله للقضايا الهامة في كل منطقة جغرافية من العالم تأكيده الدائم على أن دور أمريكا في هذه المنطقة او تلك حيوي وهام ولا غنى عنه لأن شعوب هذه المناطق لن تستطيع التعامل بنجاح مع التحديات الكبرى التي تواجهها دون مساعدة أمريكا، وكأن المؤلف يريد أن يقنع شعوب الأرض وأممها بأنه على أمريكا أن تقود العالم ليس فقط من أجل أمريكا بل من أجل العالم أيضا !!

وقبل البدء بعرض الكتاب هنالك بعض التوضيحات التي قد تكون ضرورية تجنبا لسوء فهم محتمل ودفعاً لالتباس غير مقصود:

  • نظرا للدور الهام الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في عالم اليوم وأمام احتمال تنامي  هذا الدور وتنوع أشكاله مستقبلاً، نرى بأن النخب السياسية في العالم النامي ، والعرب جزء   منه ، معنية بمتابعة تطورات الفكر السياسي الامريكي وعرض الكتاب يأتي في هذا السياق.
  • مؤلف الكتاب شغل أرفع المناصب في بلاده كنائب للرئيس ورئيس لسنوات طويلة وفي فترة شهد فيها العالم بعضاً من اكثر معارك الحرب الباردة سخونة ” حرب فيتنام ، الحرب العربية الاسرائيلية عام 1973… وغير ذلك” ويعتبر حتى الآن واحداً من أبرز رجال النخبة السياسية الأمريكية مما يعطي لارائه وتوجهاته بعداً خاصاً يجعلها جديرة  بالمتابعة والاهتمام.
  • إن عرض وجهة نظر المؤلف لا يعني تبنيها أو الدفاع عنها ، وإن لم نشر إلى ذلك في سياق العرض ، فهذه الدراسة تهدف إلى عرض الأفكار والتوجهات الأساسية الواردة في الكتاب وليس نقدها ، فربما تتاح الفرصة مستقبلا لتناول الكتاب من زاويتي النقد والتحليل. أما بخصوص عرض الكتاب فسنقوم بذلك على حلقات ووفق المنهج الذي اعتمده المؤلف أي حسب ترتيب فصوله:

في الفصل الأول ” العالم في الواقع ” يقدم المؤلف عرضا تاريخيا موجزا لأحداث العالم الكبرى بعد انتهاء الحرب الباردة ثم قصة بروز هذه الحرب معتبرا ما يسميه بالتوسع السوفييتي السبب الرئيس في ظهورها: (وفي حين أنه كانت هنالك أسباب أخرى للنزاع في العالم أثناء الحرب الباردة لم يكن هنالك واحداً منها يضاهي التوسع السوفييتي في نطاقه وشدته ، وبدون أن يعلنوا الحرب على أحد كان السوفييت يشنون حملة غير مسبوقة من العدوان المباشر وغير المباشر وبالرغم من الدعوات التي كانوا يطلقونها من حين إلى آخر للتعايش السلمي و الانفراج الدولي في دعايتهم ودبلوماسيتهم فإن زعماء الكرملين كانوا ماضين قدما في سياسة التوسع الشيوعي ).

انتحار الشيوعية

وبعد ذلك يتوقف الكاتب عند أحداث عام 1989 باعتباره عام النصر بالنسبة لسكان أوروبا الشرقية الذين يبلغ عددهم 90 مليوناً إذ تحولوا من حكم الإرهاب إلى حكم القانون معتبرا ذلك بداية نهاية الحرب الباردة وبداية انحسار المد الشيوعي على مستوى العالم أجمع مما سهل وصول عدد من الحكومات الديمقراطية إلى السلطة في عدد من دول العالم خارج أوروبا ” كوريا الجنوبية ، بنما ، الفلبين .. ” هذا ما يسميه المؤلف ” تحرك العالم نحو الديمقراطية ” أما عام 1991 فيرى فيه الكاتب عاماً آخر من الانتصارات الكبرى .. فبعد خمسة أشهر مما يسميه النصر الذي حققه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الخليج برز حدث عالمي أخطر من تلك الحرب بكثير   ” لقد انتحرت الشيوعية السوفييتية “، معتبراً انقلاب أغسطس ” 1991″ في الاتحاد السوفييتي السابق السبب لمباشر لإنهيار الاتحاد أو كما يسميه نيكسون انتحار الشيوعية السوفييتية . ومن المفارقات التي يراها المؤلف في نشوء وانهيار الاتحاد السوفييتي هو أن الدولة الماركسية الأولى في التاريخ قد حققت نبؤة كارل ماكس فيما يتعلق بأحداث التاريخ الكبرى ، فماركس يعتقد أن جميع الأحداث التاريخية الكبرى تقع مرتين في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كملهاة . نيكسون يرى بأنه ” عندما استولى البلاشفة القدامى على السلطة إثر ثورة اكتوبر 1917 فتحوا بلك عصراً لمأساة لم يسبق لها نظير بالنسبة للشعوب الروسية وغير الروسية في الاتحاد السوفييتي وعندما حاول البلاشفة الجدد قلب جورباتشوف عام 1991 حققوا في النهاية نبؤة كارل ماكس إذ فشلت محاولتهم بعد ثلاثة أيام من العرض الساخر على المسرح ، أما وقد ” انتحرت الشيوعية ” وانتهت الحرب الباردة وبدأ الحديث عن نظام دولي جديد فإن نيكسون يرى بأن أمريكا على مفترق طرق ، في بحثه عن أفضل الطرق ، الآن ومستقبلاً . بالنسبة لأمريكا يتبع المؤلف منهجاً جدلياً يعتمد إلى درجة كبيرة على ديالكتيك نفي النفي ، أي حجج وآراء الذين يريدون نفي أو تقليل أهمية الدور القيادي لأمريكا في ظل النظام الدولي الجديد حيث يناقش في هذا السياق ثلاثاً من أهم المقولات التي شاعت ولا تزال ويسميها الأساطير الثلاث :

أسطورة نهاية التاريخ

يرى البعض أن هزيمة الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة ادى إلى نهاية التاريخ بمعناه الذي يقول أنه صراع مسلح بين الأديولوجيات المتعارضة ويضيف أصحاب هذا الرأي بأن المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية منها خاصة قد حلا محل تقدم الجيوش والصراع الفكري كقوى مركزية محركة للتاريخ وهكذا فإن على أمريكا أن تكتفي بالنصر الذي حققته على الشيوعية وتنسحب من الساحة العالمية إلى داخل حدودها.

إن المؤلف يرى في هذا الرأي مجرد أسطورة فالعالم لايزال مليئاً بأسباب الصراع فالشيوعية لا تزال سائدة في عدد من البلدان التي يزيد عدد سكانها على 1,3 بليون نسمة ” من بينها الصين الشعبية ” بالإضافة إلى عوامل الصراع الأخرى الكامنة أو الظاهرة كالإثنية أو القبلية أو القومية أو الدينية ، كما أن التاريخ يعطينا أكثر من شاهد على خطأ دعوات سابقة مشابهة في الماضي فمنذ حوالي مائتي سنة خلت تنبأ الفيلسوف الألماني إيمانوئيل كانت بحتمية قيام سلام دائم كنتيجة لانتشار الديمقراطية في العالم ” ولم تكن شيوعية لينين وفاشية موسوليني ونازية هتلر ” إلا أمثلة قليلة على المفاجآت التي كذبت تلك النبؤة ويخلص نيكسون إلى القول بأن واحداً من دروس التاريخ يعلمنا ” أنه ما من حضارة يمكن التسليم بحصانتها وعلينا أن نكون دائماً مستعدين لمواجهة مفاجآت محتملة “.

 أسطورة عدم نجاح القوة العسكرية

بعد الهزيمة السوفييتية في أفغانستان وتوالي الثورات البيضاء في أوروبا الشرقية وانهيار الاتحاد السوفييتي يرى البعض بأن القوة العسكرية لم تعد العنصر المركزي الذي يقوم عليه فن الحكم  ولا الأساس الوطيد الذي تقوم عليه السياسة الخارجية . بل ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك فاعتبروا أن أهمية القدرة الاقتصادية والجيو اقتصادية أصبحت تتفوق على القدرة العسكرية والجيو سياسية ويخلص هؤلاء إلى الاستنتاج ” بأن على أمريكا أن تحول سيوفها إلى شرائح إلكترونية ” وفي هذا السياق يرى المؤلف بأن الدول العظمى تتخلى عن أقوى علاقاتها الاقتصادية من اجل ضمان انتصارها إذا بدا لها أن موضوع الصراع يضر بمصالحها الحيوية وتاريخ الحربين العالميتين شاهد على ذلك ، حيث وجدنا امما كانت تقوم بينها علاقات اقتصادية دخلت حروبا فيما بينها.

ويخلص الكاتب إلى التقرير ” إن مسائل الأمن الوطني يبقى لها الأولوية العليا في سلم القيم المطلق ، إن القدرة الاقتصادية تساهم بصورة غير مباشرة في صيانة الأمن الوطني عن طريق خلق الموارد التي تكرس لهذا الغرض ومع أنها شرط أساسي فإنها تبقى واحداً من جملة المتغيرات الأساسية في معادلة القدرة الوطنية  ” .

أسطورة هبوط أمريكا

هنالك من يعتقد بأن أمريكا كدولة عظمى في حالة هبوط ، فعجز موازنتها التجاري والنمط الاستهلاكي المسيطر في اقتصادها ومشاكلها الداخلية الأخرى الكثيرة ما هي إلا إمارات ودلائل على أن أمريكا دولة عظمى بدأت مرحلة الانحطاط المحتوم ” نظرية بول كيندي حول صعود وانحطاط الدول العظمى ” ويرى المؤلف أن أولئك الذين يتحدثون عن هبوط أمريكا إنما يتحدثون عن أمانيهم وكأنها حقائق ، فأمريكا لا تزال الدولة المسيطرة في الاقتصاد العالمي فحصتها منه بلغت 25% ودخلها القومي لا يزال يساوي ضعف الدخل القومي الياباني وحوالي أربعة أضعاف الدخل القومي الألماني عام 1990 .

ثم يتساءل نيكسون إذا لم تقد أمريكا العالم فمن الذي يقوده ؟ إن الدول التي تملك الموارد اللازمة لتحمل أعباء القيادة سواء اليابان و ألمانيا أو روسيا أو الصين هي دول مثقلة بتاريخ استعماري وتطلعات إمبريالية تجاه الأمم الأخرى بينما نجد أمريكا بريئة من تاريخ مشابه. وفي النهاية يصل إلى التأكيد بأنه ” إذا ما أصاب التآكل مركزها (أمريكا ) كدولة عظمى وحيدة في العالم فإن ذلك لن يكون نتيجة لتطور حتمي بل نتيجة لقرارها واختيارها هي ” أما كيف تدير أمريكا سياساتها الخارجية كقائد للعالم ؟ فينطلق المؤلف من رؤياه لهذه القضية وفي إجابته على هذا السؤال المركزي من مقولة  شهيرة للملك البروسي فريدريك الكبير ” إن من يحاول الدفاع عن كل مكان لن يستطيع الدفاع    عن أي مكان”.

 سياسة انتقائية

تأسيساً على ذلك يوصي نيكسون صانعي القرار في أمريكا باتباع سياسة خارجية انتقائية تقوم على التمييز بين ثلاثة أنواع من المصالح :

  • مصالح حيوية : وهي التي يشكل فقدانها خطراً مباشراً على أمن أمريكا ، فاستقلال أوروبا الغربية ، اليابان ، كندا ، المكسيك ، دول الخليج ( الفارسي) كذلك منع حصول أعداء محتملين في العالم الثالث على أسلحة نووية هي مصالح حيوية بالنسبة لأمن الولايات المتحدة ” وليس أمامنا الأمريكيين ” من خيار سوى الرد بالقوة العسكرية لدفع المخاطر التي تهدد هذه المصالح “.

مصالح هامة

وهي التي يشكل فقدانها تهديداً مباشراً لواحدة من مصالحنا ” الأمريكيين ” الحيوية ، فمثلاً إن الحرب في كوريا لم تكن من أجل كوريا فحسب بل من أجل اليابان أيضاً ، فكوريا إذاً كانت مصلحة هامة بالنسبة لأمريكا ” وعلى الولايات المتحدة أحياناً أن تتعامل مع المصالح الهامة وكأنها مصالح حيوية كجزء من استراتيجية حكيمة تقوم على فكرة الدفاع المتقدم”.

مصالح هامشية

وهي تلك التي إن استولت عليها دولة معادية فإنها بذلك تهدد من بعيد مصلحة حيوية أو هامة لأمريكا ليس على الولايات المتحدة أن ترسل جيشها للحفاظ على مصلحة هامشية في مالي أو موريتانيا  لكن يمكن أن تفعل ذلك لحماية مصلحة حيوية في الخليج العربي .

ويخلص نيكسون إلى الاستنتاج بأنه على أمريكا تبني استراتيجية أمنية تقوم على أن ما تفعله لحماية مصلحة من مصالحها يجب أن يتناسب مع الأهمية الاستراتيجية لتلك المصلحة لذلك فإن قدراتنا والإرادة لاستخدامها ينبغي أن يكون بمستوى الخطر الذي يواجهنا. ” في الفصل الثاني ” الإمبراطورية الشريرة سابقاً ” والمقصود هنا الاتحاد السوفييتي سابقاً يسهب المؤلف في الحديث عن التطورات التي جرت فيه من حيث الأسباب والدواعي ويتوقف بين الحين والآخر عند أهم القادة السوفييت الذين أسهموا فيها محللاً خلفياتهم وآرائهم وشخصياتهم أحياناً كميخائيل جورباتشوف ” الرئيس السوفييتي السابق ” وبوريس يلتسن ” الرئيس الروسي الحالي ” وغيرهم ويتوقف أكثر من مرة عند انقلاب أغسطس 1991 واصفاً قادته بالستالينيين والمتشددين أما معارضيه بزعامة يلتسن فهم إصلاحيون وديمقراطيون معتبراً فشله انتحاراً للشيوعية وانتصاراً للديمقراطية ، كما يتناول الكاتب في هذا الفصل بالدراسة والتحليل مواقف الولايات المتحدة الأمريكية من أحداث الاتحاد السوفييتي السابق موجهاً المديح أحياناً والنقد أحياناً أخرى للمواقف التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش               من هذه التطورات .

الخوف من الإمبريالية الروسية

ونظراً لأن هذه الأحداث قد انتهت بانهيار الدولة فقد تحول الاتحاد السوفييتي السابق بأحداثه وتطوراته والآراء المتعلقة بها إلى مادة للتاريخ بأكثر مما هي موضوع للحاضر لذلك لن نتاولها بالعرض بل سنكتفي بالتركيز على توجيهات الكاتب وآرائه المتعلقة بوريثة الاتحاد جمهورية روسيا الاتحادية بالإضافة إلى بعض القضايا ذات الصلة بدور الولايات المتحدة في الجمهوريات السوفييتية السابقة بالنسبة لجمهورية روسيا يشدد الكاتب في التنبيه إلى ما يسميه تقليداً إمبريالياً روسياً. هنالك تقليداً إمبريالياً روسياً يرجع في التاريخ إلى مدى أربعمائة سنة ” يمكن أن يقود حسب  رأي المؤلف إلى نشوء مركز إمبريالي جديد لا يقوم على الشيوعية بل يقوم على القومية  الروسية ، وهنالك أربعة عوامل قد تدفع الأحداث في هذا الاتجاه:

  • إن الشيوعيين والقوميين الروس قد عانوا من انهيار الإتحاد مما يبرر التفكير باحتمال قيام تحالف بين الطرفين موجه ضد الزعماء الجدد في روسيا ويرى نيكسون بأن الاستراتيجية الطبيعية لتحالف كهذا ستقوم على وصف الديمقراطيين بقادة طعنوا روسيا في الظهر وبالتالي السعي لبعث روسيا الكبرى المزودة برسالة جديدة.
  • إن الشعب الروسي لديه رغبة تقليديه لتلقي الأوامر من فوق مما قد يجعله تحت ضغط الأزمات المختلفة التي تعصف بروسيا وخاصة أزمة اقتصادها الذي يفرق في الإنكماش يبحث عن حكم مركزي قوي وعندها سيجد في تحالف القوميين والشيوعيين ضالته المنشودة.
  • إن التوترات العرقية تنتشر في معظم مناطق الاتحاد مما يجعلها مصدراً متفجراً للصراعات التي تشهدها حالياً الجمهوريات السوفييتية السابقة ، ولو استمر الصراع – خاصة إذا استهدف الأقليات الروسية في هذه الجمهوريات – فإن ذلك قد يغذي بسهولة تصاعد التطرف ويقدم ذريعة للتدخل من قبل مركز امبريالي لديه الرغبة في تأكيد الذات.
  • إن الإصلاحيين الروس حركة تنقصهم الوحدة السياسية والمهارة الإدارية وهذا يقوض قدرتهم على تسلم الجهاز الإداري الكبير في الدولة ويجعلهم اكثر عرضة للهزيمة من قبل قوى التحالف ” الشيوعيين والقوميين ” الأكثر تنظيماً والأفضل قيادةً.

نصائح نيكسون

أما بالنسبة لعلاقة الولايات المتحدة مع هذه الجمهوريات فينصح نيكسون باعتماد التوجهات الآتية:

  • توسيع نطاق الاتصال مع الحكومات الديمقراطية فقط .
  • تشجيع ومساعدة هذه الجمهوريات على قطع صلاتها مع ماضيها الشيوعي.
  • توسيع برامج التبادل التربوي والثقافي معها.
  • تقديم الأيديولوجية لها ، وفي هذا المجال يسهب المؤلف في توضيح وجهة نظره حيث يقول:

” إن الإسهام الأكبر الذي تستطيع الولايات المتحدة أن تقدمه ليس مالياً بل ايديولوجياً ، وسوف تكون مأساة كبرى لو تحولت شعوب الاتحاد السوفييتي سابقاً المتحررة حديثاً عن الحرية لتعتنق الاشتراكية الديمقراطية . كانت الشيوعية السوفييتية شراً خالصاً والاشتراكية الديمقراطية خداع  دارج ، إن التجارب الاقتصادية الناجحة الوحيدة في العالم الثالث كانت تلك التي تمت في البلاد التي رفض زعماؤها الإصغاء إلى إغواء الاشتراكية التي تحضهم على التضحية بفرص التقدم على مذبح المساواة  . علينا أن نغتنم هذه الفرصة التاريخية – ونحن بصدد الاحتفال بهزيمة الشيوعية – لتطوير استراتيجية لضمان انتصار الحرية لدى شعوب الاتحاد السوفييتي السابق والرهان   عال جداً .

وهنا يظهر نيكسون نزعة شديدة المحافظة واضحة العداء ليس للشيوعية فقط وانما للاشتراكية أيضا حيث يتابع قائلاً:

” .. ولكن الشيوعية ليست سوى الشكل الأكثر تقدماً من أشكال الاشتراكية ،والعودة إلى الاشتراكية – من أي نوع كانت – وحتى من النوع الديمقراطي الذي يحظى بشعبية في أوساط المثقفين الغربيين ستكون مأساة بالنسبة لشعوب الاتحاد السوفييتي السابق .. وإن المعركة بين الذين يؤيدون الرأسمالية الديمقراطية التقدمية وأولئك الذين يؤيدون الاشتراكية الديمقراطية المعتدلة سبقت في التاريخ الحرب وسوف تستمر بعد  الحرب الباردة ، ولقد كسبنا نحن هذه المعركة في غرب أوروبا وشرق آسيا وعلى الغرب أن يكسبها الآن في الشرق.

ويوصي المؤلف في نهاية مطالعته الأيدلوجية هذه بأن تفعل أمريكا كل ما هو ضروري وممكن لكسب شعوب الاتحاد السوفييتي السابق إلى ما يسميه ( قضيتنا) أي قضية الرأسمالية  . وفي ختام الفصل يتعرض الكاتب بإيجاز إلى أثر انتهاء الحرب الباردة على العالم الذي يقف الآن  على عتبة عصر لم يسبق له مثيل من فرص السلام والتقدم . أما بالنسبة لشعوب الاتحاد السوفييتي فقد تحررت  مما يسميه ( عبودية ) استمرت خمساً وسبعين عاماً وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فقد انتهت المنافسة الكبرى الأيديولوجية والجيوسياسية مع الاتحاد السوفيتي . أما روسيا الاتحادية فيرى الكاتب أنها تستطيع تحت ” راية الديمقراطية ” وبالتعاون مع ” أمريكا الديمقراطية ” أن تقرر مصير العالم كله.

 

الدكتور محمد توفيق سماق

يتبع ….