ملف صحيفة البيان السياسي – الإمارات العربية
العدد :132 – تاريخ: 26/11/1993 |
في هذه الحلقة سنستعرض دور الولايات المتحدة في العالم النامي « الفصلين الخامس و السادس ». ويبدأ المؤلف الفصل الخامس « عالم الإسلام » بإعطاء صورة عن المسلمين بنظرة عامة للأمريكيين حيث يقول : يميل كثير من الأمريكيين إلى تصور المسلمين على أنهم نمط واحد من الناس غير المتمدنين ، غير النظيفين ، المتوحشين ، وغير العقلانيين … ليس هناك من شعب، حتى ولا الصين الشعبية، له صورة سلبية في ضمير الأمريكيين بالقدر الذي للعالم الإسلامي. ثم يشير إلى أن عالم الإسلام سيتحول إلى قوة جيوسياسية موحدة و متعصبة و أنه بسكانه متزايدي العدد و قوته المالية الكبيرة سيشكل تحدياً كبيراً و أن الغرب سيضطر إلى عقد تحالف جديد مع موسكو لمواجهة0 (عالم إسلامي خصم و عدواني ).
بعد عرض هذه الآراء ينتقل المؤلف للتوضيح بأنه لا يوافق على هذه الصورة السلبية الموجودة في أذهان عامة الأمريكيين عن المسلمين فالحضارة الإسلامية غنية بتراثها و عندما كانت أوروبا تتقهقر في العصور الوسطى كانت الحضارة الإسلامية تتمتع بعصرها الذهبي . لقد قدم العالم الإسلامي إسهاماً ضخماً في العلوم والطب والفلسفة. يتناول المؤلف بعد ذلك بالتحليل ما يسميه بالخصائص البارزة للعالم االإسلامي وأهمها :
- إن المسلمين ليسوا نمطا واحداً بل أنماطاً مختلفة من البشر فعددهم أكثر من ٨٥٠ مليوناً حوالي ( سدس ) سكان العالم . يعيشون في سبع وثلاثين دولة وينقسمون إلى حوالي ١٩٠ مجموعة عرقية وعشرات الطوائف المذهبية ويتكلمون مئات اللغات واللهجات .
- هنالك عنصران مشتركان فقط في العالم الإسلامي: الدين الإسلامي ومشاكل الاضطراب السياسي.
- إن التنوع الشديد في هذا العالم « العرقي، الثقافي، الاقتصادي … » والمنافسات القائمة بين دوله تجعل منه بؤرة توتر وصراع دائم وهكذا يعتقد نيكسون بأن الكثير من دول العالم الإسلامي مرشحة لأن تكون لبنان في المستقبل .
- بفعل المعدلات المرتفعة لنمو السكان فيه وتناقص بعض الموارد الأساسية ، كالمياه مثلاً ، يمكننا توقع نشوب نزاعات وحروب في هذه المنطقة للسيطرة على المتوفر من هذه الموارد .
- عوامل التوتر والنزاع تلك انعكست بشكل واضح في الانفاق الكبير على التسلح ، ففي عام ١٩٩٠ أنفقت الدول الإسلامية ما يساوي ٨٪ من ناتجها الإجمالي بينما أنفق العالم الغربي أقل من ٥٪ .
- الصراعات الأكثر احتمالاً لتفجير مواجهه نووية يشترك في كل منها طرف إسلامي، اسرائيل ضد الدول العربية والباكستان ضد الهند .
تيارات سياسية إسلامية
أما بالنسبة للتيارات السياسية السائدة حالياً في العالم الإسلامي فيميز المؤلف بين ثلاثة تيارات رئيسية:
- الأصولية : ويصفهم نيكسون بأنهم يتحركون بدافع من كراهية مطلقة للغرب وبتصميم على استعادة الحضارة الإسلامية عن طريق بعث الماضي .
- الراديكالية : وهي الأنظمة التي تقوم على حكم الحزب الواحد وفي الغالب تحت غطاء أيديولوجي قومي: إن الراديكاليين يعادون الغرب مثل الأصوليين وبستغلون معارضتهم للاستعمار من أجل حشد تأييد الشعب لهم وغالباً ما كانوا يقفون إلى جانب الاتحاد السوفيتي لتقويض الولايات المتحدة وحلفائها .
- الحداثة : وهو التيار الذي يسعى لدمج العالم الاسلامي في العالم المعاصر اقتصادياً وسياسياً، والتسامح هو الطابع المميز لهذا التيار .
ينصح المؤلف صانعي القرار في أمريكا باعتماد واتباع سياسة خارجية انتقائية في التعامل مع التيارات الثلاثة السابقة . فالتعامل مع الأصوليين والراديكاليين يجب ألا يتجاوز متطلبات الوضع الراهن ، لأن قيم ومصالح هذين التيارين تتناقض مع القيم والمصالح الامريكية . يجب علينا « الأمريكيين » أن نتعاون معهم « الراديكاليين والأصوليين » عندما تمكنهم قوتهم من أن يكون لهم صوت و دور في القضية ولا ينبغي أن ندخل معهم في شراكه واسعة…
وفي حين أنه لا يحب علينا مقاطعتهم تماماً فإنه يتوجب علينا في الوقت نفسه ألا نبني دعائم حكمهم . علينا أن نبني سياسة صارمة من التعاون القائم على مبدأ واحده بواحده وحالة بحالة .
ويعطي نيكسون مثالاً تطبيقياً على هذه السياسة المقترحة وهو السياسة التي اتبعتها إدارة الرئيس ريجان في الحرب العراقية الإيرانية ، حيث كانت السياسة الأمريكية تنحاز أحياناً إلى جانب طرف و أحياناً إلى جانب الطرف الآخر حسب تطور الموقف العسكري بين الجانبين. إن مصالحنا « الأمريكيين » كانت تقتضي ألا يبرز اي من الطرفين العراقي والإيراني كمنتصر نهائي .
وبالنسبة للبلدان الإسلامية التي يسود فيها تيار الحداثة فيرى المؤلف أن على الامريكيين وضع واتباع نهج خاص يقوم على الشراكة بهدف التأثير على التطور العام في المنطقة الإسلامية من خلال تقديم العون والمساعدة لها في مختلف المجالات الأمنية ، السياسية والاقتصادية وبما يمكنها من البروز كتجارب ناجحة بين الدول الاسلامية الأخرى تشجع الآخرين على الاقتداء بها. ويقول المؤلف « هناك أربعة بلدان إسلامية تبرز كشركاء منطقيين لنا في تطبيق هذا النهج»:
- تركيا : باعتبارها تقوم بدور الجسر الجغرافي والثقافي بين العالم الإسلامي والغرب .
- باكستان: وهي الشريك الاستراتيجي الكبير و الوحيد للولايات المتحدة في المنطقة ما بين تركيا واليابان بالإضافة إلى ذلك فلأمريكا تجربة تاريخية ناجحة من التعامل معها في التصدي للسوفييت في أفغانستان وغيرها .
- مصر : أكبر دولة عربية من حيث السكان وهي الدولة العربية الوحيدة التي وقعت معاهدة سلام مع اسرائيل بالإضافة إلى أنها تجري تحولات باتجاه النظام الحر .
- إندونيسيا : بما لها من ثقل سكاني هام يجعلها خامس دولة من حيث عدد السكان في العالم وهي الدولة الإسلامية التي خطت بثبات وبنجاح واضح باتجاه اقتصاد السوق .
يوضح الكاتب بأن هذه الشراكة لا تعني إهمال علاقات أمريكا مع دول إسلامية أخرى ، إلا أن الدول الأربعة السابقة له أهمية خاصة بفعل ثقلها السياسي مما يجعلها نقاط ارتكاز قادره على التأثير في ترجيح التطور العام في العالم الإسلامي نحو جهة أو أخرى.
وينبه المؤلف إلى أن أمريكا يجب أن تتعامل مع زعماء ما يسميه الدول العصرية « أي الدول التي تمثل تيار الحداثة » كشركاء متساويين . ذلك أن اقصر الطرق للقضاء عليهم يكون بإعطاء الانطباع بأنهم ليسوا أكثر من ناطقين بلسان الغرب
مصالح أمريكا المباشرة – النفط وإسرائيل :
ينتقل نيكسون بعد ذلك للحديث عما يسميه المصالح المباشرة لأمريكا في الشرق الأوسط ويحددها بالنفط واسرائيل حيث يرى بأن هاتين المصلحتين على الرغم من أهميتهما لأمريكا ليست دائماً على توافق تام . فأحياناً كان التزام الولايات المتحدة بأمن اسرائيل يعرقل حصولها على نفط الخليج « حظر النفط العربي عام ١٩٧٣ »
كما أن التزام أمريكا بأمن الخليج كان يعقد أحياناً علاقاتها مع اسرائيل « مثلاً بيع طائرات الأواكس الخاصة بأنظمة الإنذار المبكر إلى المملكة العربية السعودية عام ١٩٨٢ » .
ويخلص المؤلف بعد هذا العرض إلى الاستنتاج بأن الطريقة الوحيدة لحل هذه المشكلة هي المضي قدماً وبنشاط في عملية السلام العربي – الاسرائيلي ، وهنا يسهب المؤلف في استعراض عدد من جوانب هذه العملية أهمها :
- الالتزام الأمريكي بإسرائيل : يوضح نيكسون في البدء أنه ، وعلى خلاف الرأي الشائع ، يرى بأن اسرائيل ليست مصلحة استراتيجية لأمريكا و أن التعامل القائم بين أمريكا واسرائيل في مجال المخابرات والتدريبات العسكرية وغير ذلك أمر نافع لكنه غير حيوي ولا يفسر على الإطلاق الالتزام الأمريكي بأمن اسرائيل. ويتابع قائلاً : « إن التزامنا بإسرائيل نابع من ميراث الحرب العالمية الثانية ومن مصلحتنا الأخلاقية والأيديولوجية في تأمين البقاء للديمقراطيات التي تقاتل دفاعاً عن النفس ، لذلك فإنه لا يمكن لأي رئيس أو كونجرس أمريكي أن يسمح بالقضاء على دولة اسرائيل» .
- أساس عملية السلام يجب أن يكون الأرض مقابل السلام.
- الأسباب التي تدفع أمريكا للعمل على إنجاح عملية السلام يحددها نيكسون بثلاثة أسباب هي :
- الكلفة الباهظة للصراع العربي الاسرائيلي بالنسبة لأمريكا ، ففي عام ١٩٩١ تلقت مصر وإسرائيل وعدد سكانهما حوالي ٦٠ مليون نسمه ما يزيد على ٤٠٪ من مجموع المساعدات الخارجية الأمريكية التي تبلغ حوالي ١٢ مليار دولار في حين أن الباقي يتوزعه بعض سكان العالم النامي والذين يزيد عددهم على ٤ مليارات من البشر ، بالإضافة إلى أن هذه الأعباء المالية الكبيرة التي تتحملها الولايات المتحدة بسبب الصراع العربي الإسرائيلي يجعلها غير قادرة على تأمين الأموال اللازمة لمساعدة دول أوروبا الشرقية واقتصاديات أمريكا اللاتينية .
- إن هذا الصراع يسمم علاقات أمريكا مع العالم الاسلامي .
- إن هذا الصراع يهدد أكثر من أي صراع آخر قائم حالياً بجر الولايات المتحدة إلى حرب قد تستخدم فيها أسلحة نووية ، خاصة بعد أن تأكد امتلاك اسرائيل للسلاح النووي وامتلاك العرب للأسلحة الكيماوية و البيولوجية .
- مصلحة إسرائيل في السلام وهي عديدة من وجهة نظر المؤلف أهمها:
- إن عدم تخلي إسرائيل عن الأراضي المحتلة سيجعل منها دولة متعددة القوميات وسيحولها ذلك إلى دولة عسكرية تستخدم أساليب قمعية غير ديمقراطية للسيطرة على العرب الذين يعيشون فيها « مما يفسد روح الأمة اليهودية من جهة ويقوض القاعدة الأخلاقية التي يقوم عليها التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على دولة اسرائيل » .
- إن أوضاع الأطراف العربية المعنية مباشرة بعملية السلام ، غير الملائمة تجعل من الظرف الحالي أنسب الظروف لتحقيق أفضل اتفاق من وجهة نظر المصلحة الإسرائيلية .
- بمرور الزمن قد يسعى بعض الزعماء الجدد في الجمهوريات السوفييتية السابقة إلى إحياء السياسة السوفييتية التقليدية بكسب موطئ قدم في الشرق الأوسط عن طريق التقرب من العرب ومساعدتهم .
لذلك كله يصل نيكسون إلى الاستنتاج بأن على اسرائيل « أن تفاوض الآن وهي أقوى من أي واحد من أعدائها بدلاً من الانتظار إلى أن تضطر إلى قبول ذلك تحت وطأة القوة المتصاعدة لأعدائها . إن العنصر الجوهري في عمل رجل الدولة هو عقد الاتفاق في أحسن الظروف وبالنسبة لإسرائيل فإن الظرف الحالي هو أحسن الظروف .
- أركان الحل السياسي : ويحددها المؤلف بأربعة :
- اعتراف دبلوماسي كامل لإسرائيل من قبل جيرانها .
- حدود اسرائيلية آمنة بالإضافة إلى معاهدة دفاع متبادل بين اسرائيل أمريكا تنص على أن أي هجوم تقليدي على اسرائيل سنتعامل معه كأنه هجوم على الولايات المتحدة .
- أن يعاد الى الدول العربية أراضٍ تم الاستيلاء عليها عام ١٩٦٧ .
- حكم ذاتي للفلسطينيين كخطوة أولى مع انضمام إلى الأردن يتحقق خلال مرحلة انتقالية تمتد بضع سنوات. أما بالنسبة للقدس الشرقية فعلى الأقل يجب أن تقبل اسرائيل بما يشبه وضع الفاتيكان بالنسبة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية ، غير أن تقسيم المدينة كما كانت عام ١٩٦٧ اصبح موضعا غير قابل للتفاوض .
- كيف تمارس أمريكا وساطتها وفي هذا المجال يوصي المؤلف باعتماد عدد من القواعد أهمها:
- التركيز على الجوهر وليس على الإجراءات .
- السعي لتحقيق الاتفاق على مراحل .
- الاحتفاظ بالسرية التامة للمفاوضات مما يوفر الحرية لأطراف الصراع للتقدم بمشاريع حلول وسط دون التعرض لهجمات وانتقادات المعارضة في الداخل .
- إجراء المفاوضات على أعلى المستويات .
وفي نهاية هذا البحث المفصل حول عملية السلام العربي الاسرائيلي ينتهي المؤلف إلى التقرير : « بأن المعاهدات تستطيع أن تغير من سلوك الدول لكنها لا تستطيع تغيير مشاعر الشعوب .. إن السلام في الشرق الأوسط ليس مسألة أن يتعلم العرب والاسرائيليون محبة بعضهم بعض . لقد تبادلوا الكراهية عبر قرون وسوف يستمرون بفعل ذلك وعلى أبعد تقدير تعني عملية السلام أن يتعلموا العيش بسلام مع خلافاتهم » .
دول الجنوب غير الإسلامي
في الفصل السادس « نصف الكرة الجنوبي » ينتقل المؤلف إلى الحديث عن الدول النامية الأخرى غير الإسلامية في آسيا ، أفريقيا و أمريكا اللاتينية. يبدأ المولف دراسته عن دول الجنوب بتوضيح التحول الجوهري الذي طرأ على الفكر السياسي و التنموي لقيادات هذه الدول منذ الخمسينات و حتى الآن. ففي الخمسينات يقول المؤلف : كان الكثير من قادة هذه الدول يعتقد بأن الشيوعية طريق مختصر للرخاء . أما الآن و مع انهيار الاقتصاد الشيوعي فقد اختفى إغراء التخطيط المركزي الاشتراكي و استقرت في سلة فضلات التاريخ الشيوعية السوفييتية كنموذج للتنمية السياسية و الاقتصادية . إلا أن ذلك لا يعني بأن طريق التنمية في هذه الدول قد خلت من العقبات « فموظفي الحكومة المرتشين و سوء الإدارة الاقتصادية و خطأ توجيه استراتيجيات التنمية ، كل ذلك يعيق طاقات الشعوب الصبورة على العمل في هذه القارات» . ثم ينتقل نيكسون بعد ذلك للإجابة على سؤال يراه جوهرياً وهو : ما هي مسؤولية الغرب تجاه العالم النامي ؟ في سياق الإجابة على هذا السؤال يقول المؤلف : « إن الغرب على عكس ما يدعيه النفاق الماركسي ليس سبب المشاكل التي يشكوا منها العديد من دول الجنوب « فقر ، مجاعة ، سوء تغذية … » و مع ذلك فعلى الغرب ألا يتجاهل هذه المشاكل ففي رأيه أن هنالك أوجه ترابط بين مصالح عالم الأغنياء و مصالح عالم الفقراء ، أبرزها :
- إن الغرب سيستفيد من النمو الاقتصادي في دول الجنوب ، فمثلاً لو ارتفع متوسط دخل الفرد السنوي في هذه الدول خلال القرن المقبل إلى مستواه الحالي في أوروبا الغربية فإن الصادرات الأمريكية ستزداد بمقدار 3 تريليون من الدولارات . وبما أن كل مليار زياده في الصادرات الأمريكية يخلق 25000 فرصة عمل جديدة فإن الولايات المتحدة ستوفر خلال العقود المقبلة 75 مليون فرصة عمل جديدة للأجيال القادمة من الأمريكيين .
وينتهي المؤلف إلى التقرير بأن: « ازدهاراً اقتصادياً أكبر في العالم النامي معناه نقوداً في جيوب العمال الأمريكيين ».
- إن تجاهل الغرب لمشاكل الجنوب سيعني أن العديد من الدول النامية ستغرق في الفقر، ويقول : « صحيح أن الفقر لن ينتج عنه بعد الآن الشيوعية إلا أنه سينتج أنظمة راديكالية متطرفة وكما أثبتت حرب الخليج وغيرها من النزاعات الإقليمية فإن عدم الاستقرار في مكان ما من العالم قد تنعكس آثاره السلبية على أمريكا « انقطاع أو تهديد بعض الموارد الحيوية للأمن القومي الأمريكي كالنفط مثلاً » .
- مالم يشجع الغرب التقدم الاقتصادي في الجنوب فإن موجات المهاجرين الاقتصادية قد تغمر حدود الغرب المتقدم . فعدد سكان الدول النامية يبلغ الآن حوالي 4 مليارات والمقدر أن يزداد هذا العدد إلى 7.2 مليار عام 2025 مما يعني احتمال زيادة عدد العاطلين عن العمل من الملايين إلى المليارات في القرن المقبل ، وهذا يعني موجات بشرية كبيرة قد تهاجر باتجاه الغرب طلباً للعمل .
ويصل نيكسون في النهاية إلى الاستنتاج : «أننا لو أدرنا ظهورنا »الغرب » لمشاكلهم »الجنوب » اليوم فسنجدهم غداً على عتيات بيوتنا » .
أفضل الطرق لمساعدة الجنوب
تأسيساً على ذلك يؤكد المؤلف بأن المسألة بالنسبة للغرب ليست فيما إذا كان عليه أن يساعد الجنوب بل ما هي أفضل الطرق للمساعدة ؟ .
وهنا يرى نيكسون بأن أمريكا من خلال تجربتها التاريخية الناجحة في النمو ، هي أكثر الدول المتقدمة قدرة في الإجابة على هذا السؤال « فمنذ مائة عام فقط كانت أمريكا جزءاً من العالم المتخلف إذ كان متوسط دخل الفرد السنوي فيها لا يتجاوز 210 دولارات كما أن تجارب النمو الناجمة فيما يسميه بالنمور الآسيوية الأربعة « تايوان ، كوريا الجنوبية ، سنغافورة ، هونج كونج » يعطي دروساً مفيدة في هذا المجال .
- فسكان تايوان البالغ عددهم 21 مليوناً يصدرون في السنة الواحدة ما تزيد قيمته ب 14 مليار دولار عما يصدره 1.1 مليار من السكان في الصين الشعبية . أما متوسط دخل الفرد السنوي فيها فيبلغ 6335دولاراً أي أكثر من 19 ضعف على ما هو عليه في الصين الشعبية عام 1989 .
- أما كوريا الجنوبية فقد تحولت من قزم اقتصادي في الستينات إلى عملاق اقتصادي أوائل التسعينات، في عام 1989 بلغ متوسط دخل الفرد السنوي 4600 دولار أي أربع أضعاف تقريباً ما هو عليه في كوريا الشمالية.
- و بالنسبة لهونج كونج فمتوسط دخل الفرد السنوي بلغ 10350 دولاراً في عام 1989 , فإن مشاكلها الأساسية لم تكن في أعداد المهاجرين منها بل بعدد المهاجرين إليها .
- أما سنغافورة فقد استطاعت أن تنتقل إلى مجموعة الاقتصاديات الأسرع نمواً في العالم » خلال الربع قرن الأخير بلغ وسطي معدل النمو السنوي فيها 7% » .
بعد هذا الاستعراض يصل نيكسون إلى تقديم ما يشبه الوصفة لمعالجة مشاكل التنمية في دول الجنوب مؤلفة من خمسة أسس هي :
- اعتماد المنافسة كأساس للتنمية الناجحة .
- تشجيع التوظيف في رأس المال البشري .
- إبقاء العبء الاقتصادي للإدارة في مستوى منخفض .
- خلق الظروف المناسبة لجذب الرساميل الأجنبية .
- الاعتماد على سياسة تشجيع الصادرات باعتبارها محركاً للنمو الاقتصادي.
ثم يتناول المؤلف بالبحث بعضاً من القضايا الهامة المتعلقة بنمو الجنوب و تطوره موضحاً رأيه و وجهة نظره في كل منها و هذه القضايا هي :
- أسباب التخلف : و يجملها المؤلف تحت عنوانين عدم الاستقرار و سوء الإدارة الاقتصادية , في أمريكا اللاتينية تخوض الديموقراطيات الوليدة معركة قاسية ضد فساد الإدارة و كارتيلات المخدرات و في أفريقيا التي وقع فيها منذ عام 1957 وحتى الآن ستون انقلاباً و مات في الحروب الأهلية أكثر من عشرة ملايين من البشر أخرت القيادات الفاسدة و غير المؤهلة قارة ما زال عليها أن تكافح لتقف على قدميها و هي لازالت بعيدة كثيراً عن الدخول في ميدان السباق الاقتصادي العالمي . كذلك في آسيا واجه العديد من دولها في السنوات الأخيرة مشاكل اقتصادية و سياسية صعبة من حروب عسكرية و نزاعات عرقية و فساد « المنطقة العربية , الهند , الفلبين … » و ما لم تحل هذه المشاكل فإن أية مساعدة لن يكون لها أثر يذكر على تطوير هذه البلدان و تنميتها .
- هل تنجح الديموقراطية في العالم النامي ؟ يجيب الكاتب قائلاً : يعتقد الكثير في العالم أن الديمقراطية هي الرد على مشاكل الدول النامية ، اذ مادامت الحكومة الديمقراطية قد أثبتت انها أفضل أنواع الحكم في العالم المتقدم فينبغي للغرب أن يصدرها إلى الدول النامية ولتحقيق ذلك فعلى الغرب أن يستخدم نفوذه لإجبار الأنظمة غير الديمقراطية في هذه الدول على تنظيم انتخابات عامة حرة حتى تستطيع هذه البلدان التمتع بالاستقرار السياسي والنجاة من الفقر .وهنا يؤكد نيكسون اختلافه مع أصحاب هذا الرأي فالديمقراطية ليست نبتة يمكن زراعتها في آية تربة كانت ،فلكي تنجح الديمقراطية لابد من أن تكون الظروف مناسبة والتربة ملائمة وهذا يحتاج إلى جهد وزمن ، لذلك يجب ألا تحاول أمريكا نقل نظامها إلى العالم النامي لكنها تستطيع تقديم اسهامات ذات جدوى عن طريق تشجيع صعود الحكومات الديمقراطية عندما تكون الظروف متوفرة لنجاحها .
- الجدل حول مسؤولية الأغنياء في فقر الفقراء، يستعرض المؤلف في البدء وبإيجاز بعض المقولات التي نشأت في الغرب ولا زالت حول العلامة السببية بين غنى العالم المصنع وفقر الدول النامية .وبتعبير آخر فإن أصحاب هذا الرأي يرون أن الاستغلال الذي تمارسه الشركات متعددة الجنسيات وعلاقات التبادل التجاري غير المتكافئة تؤدي إلى زيادة غنى الدول الغنية وفقر الدول الفقيرة ، لذلك فإن مناصري هذا الرأي يوصون بالنقل الكثيف للموارد من الشمال الغني إلى الجنوب الفقير عن طريق فتح الاعتمادات وتقديم القروض بشروط يسيرة وفوائد منخفضة بالإضافة إلى المساعدات والهيبات باعتبارها الحل الوحيد لمشاكل النمو في دول الجنوب . إن هؤلاء حسب رأي المؤلف «يدعون إلى برنامج دولي يجعل من الغرب وكالة رفاهية للعالم » .وهذا ما يرفضه نيكسون بشدة قائلا : »اولئك الذين يزعمون بأن المعونة الأجنبية هي العنصر الأساسي في نمو دول الجنوب هم أناس سذج ، فلا العالم الغربي ولا نمور آسيا الأربعة احتاجوا إلى المعونات الأجنبية ليصنعوا اقتصادياتهم » .
الحل في نهج الاقتصاد الحر:
وبعد ذلك يستعرض نيكسون بشكل مفصل المساعدات التي قدمها الغرب للعديد من دول وشعوب العالم النامي في آسيا ، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية دون أن تحقق أية نتيجة إيجابية تذكر بسبب »سياسات هذه الدول نفسها » .وفي هذا السياق يتوقف عند أفريقيا مذكراً بأن الغرب بما فيه الولايات المتحدة قد قدم لدول أفريقيا جنوب الصحراء خلال الثمانينات حوالي 100 مليار دولار على شكل معونات واعتمادات وقد ضاع معظم هذا المبلغ دون جدوى لأن الحكومات الفاسدة والعديمة الأهلية رفضتا تطبيق سياسات تقدم للعمال والمزارعين الحوافز اللازمة للإنتاج .وفي النهاية يقرر المؤلف بأن العالم النامي ومنذ عقود ينزف من جروح سببها هو لنفسه ، وليس هنالك من طريق أمامه إلا باتباع نهج الاقتصاد الحر ، ويوصي الولايات المتحدة بأن تبني استراتيجيتها في مساعدة الدول النامية على هذا الأساس أي على أساس أن تتخلى حكومات الدول النامية نهائياً عن النموذج الاشتراكي لتستعيض عنه بالنموذج الرأسمالي الذي نجح في الغرب الصناعي المتقدم ودفع بالنمور الآسيوية الاربعة قدماً على طريق الازدهار الاقتصادي .والدول التي تبدي استعدادها ،في العالم النامي ، لانتهاج هذا الطريق يجب أن تحظى بدعم ومساعدة الولايات المتحدة خاصة في المجالات الأربع التالية :
- مساعدة برامج مراقبة النسل .
- تخفيض الحواجز التجارية أمام صادراتها .
(ج) تسهيل تسديد الديون. إذ أن على الغرب حسب رأي المؤلف أن يدرك بأن ممارسة ضغوط شديدة على الدول النامية لتسديد ديونها قد يؤدي إلى عدم استقرار سياسي في الدول المدينة يقود بدوره إلى إقصاء الديمقراطيين على السلطة وتسلمها من قبل المتطرفين الذين قد يلغون ديون الغرب بدلاً من تسديدها .
(د) تحسين فاعلية المساعدات الاقتصادية عن طريق مجموعة اجراءات أهمها :
– ربط المساعدات بشروط محددة تضمن عدم استخدامها بأشكال غير مسؤولة .
– تقديم المزيد من المساعدات على أساس ثنائي وليس عن طريق الوكالات الدولية والبنك الدولي حيث أن لهذه الوكالات أحيانا برامج خاصة لا تتوافق مع البرامج الأمريكية .
– تأسيس صناديق خاصة لمساعدة الدول النامية التي تتبنى إصلاحات السوق الحرة على نمط الصناديق التي أنشأت لمساعدة اوروبا الشرقية والتي تقدم القروض لرجال الأعمال وليس إلى بيروقراطيات الأنظمة الحاكمة . وفي نهاية الفصل يخاطب نيكسون الغرب بلهجة المجرب ونبرة الناصح قائلاً :«إن موت الشيوعية لا يعني نهاية الفقر كما أنه لا يعني انتصار الحرية .لقد تعاملنا خلال الحرب الباردة مع نصف المشكلة فقط .وبينما كان الشيوعيون يتحدثون عن مشاكل الشعب كنا نحن في معظم الاحيان نتحدث فقط عن الشيوعية إن هذا يجب أن يتغير الآن » .فعلى كل بلد أن يجد طريقه الخاص به إلى التنمية ، وليس من واجبنا أن نشير بأصابعنا إلى نقاط الفشل في مسيرته بل من واجبنا أن ندرس التجارب الناجحة في بلاد العالم المتخلف .
تقديم وعرض :الدكتور محمد توفيق سماق