أوباما و العرب بعد عام على خطاب القاهرة ــ المقال رقم /139/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   14241 تاريخ  6/2010/ 8

قبل نحو عام وتحديداً في 4/6/2009 وقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطيباً في جامعة القاهرة موجهاً كلامه للعرب و المسلمين , وقد كتبت حينئذ أن أبرز ما استوقفني لغة الوعظ ونبرة التبشير اللتان اجتمعتا في ذلك الخطاب من بدايته وحتى نهايته . أوباما أكد يومئذ على رغبة أمريكا في عالم خال من السلاح النووي وعبر عن رغبتها في الشراكة مع المجتمعات الإسلامية لتعزيز صحة الأطفال و الأمهات …..عالم تعود فيه القوات الأمريكية إلى ديارها …. عالم ينعم فيه الفلسطينيون        و الإسرائيليون بدولة لكل منهم ….. عالم يقبل الآخر …. عالم يستلهم فيه البشر مقولة الإنجيل ” طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعون ” ويستلهمون كذلك النداء الإلهي الخالد في القرآن الكريم    ” ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ” …يومذاك تفاءل الكثير من المهتمين                  و المحللين حتى أن بعضهم اعتبر الخطاب رسالة مصالحة تعبر عن رغبة الولايات المتحدة بالصلح مع نفسها و التصالح مع العرب و المسلمين . اليوم وبعد أكثر من عام يمكننا بشواهد الواقع أن نقول دون تعسف أو تجن بأن تلك الرسالة لم تكن أكثر من موعظة أخلاقية صيغت ببلاغة خطابية .

فالعالم الخال من  الأسلحة النووية تم اختصاره في ملف إيران النووي و كأن العالم خال من السلاح النووي لولا السلاح النووي الإيراني الذي يهدد أمن العالم              و استقراره , علماً أنه بشهادة وكالة المخابرات   المركزية  الأمريكية ليس لدى إيران حتى الآن برنامجاً نووياً للأغراض العسكرية . كما أن الدولة الفلسطينية اختزلت في قضية الوقف المؤقت لبناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية , مع ملاحظة كلمة المؤقت و ليس  النهائي ؟!   و الشراكة مع المجتمعات الإسلامية لتعزيز صحة الأطفال و الأمهات تُرجمت في استمرار حصار غزة ومنع مجلس الأمن من اتخاذ قرار قوي وواضح لمعاقبة إسرائيل ومحاكمة المسؤولين فيها على جريمتهم الأخيرة بالاعتداء على أسطول الحرية الذي ذهب ضحيته العشرات من عدة جنسيات بين قتلى وجرحى من دعاة السلام الذين أرادوا إيصال مساعدات غذائية لأطفال غزة و أمهاتها ؟ ! ……………  .

الرئيس الأمريكي الذي وقف قبل عام في جامعة القاهرة كان أوباما الواعظ الذي لم يستطع التحول إلى أوباما الرئيس . لذلك أسباباً عديدة , منها :

إن القرار في الولايات المتحدة تصنعه مؤسسات عديدة إحداها مؤسسة الرئاسة التي لاتختصر مؤسسات صنع القرار الأخرى و لاتلغيها , مهما كانت نزعات الرئيس     أو نواياه . هنالك الكونغرس كذلك المؤسستين العسكرية و الأمنية بالإضافة إلى مجموعات الضغط و شبكات المصالح و شركات النفط و المجمع الصناعي العسكري …… وغيرها . فالرئيس الأمريكي وبصرف النظر عن شخصيته عادلاً أم ظالماً خيّراً   أو شريراً هو شريك في القرار وليس صانع قرار , هذا من حيث المبدأ فكيف يكون الوضع والرئيس الحالي هو باراك حسين أوباما المثقل بتبعات تاريخه الشخصي وأعباء أصوله الأفريقية ؟ مما يزيد من تعقيد وضعه وهشاشة موقفه . أكثر من ذلك يمكن القول بحكم طبيعة السلطة في الغرب أن الحكومات و الإدارات فيه ليست بالنهاية أكثر من طلائع سياسية لقوى النفوذ وشبكات المصالح , تلك القوى  و الشبكات هي التي تصنع الإدارات و تنصب الحكومات و ليس العكس . لكن وبصرف النظر عن أوباما وطبيعته الشخصية كذلك ظروفه الموضوعية نسال : لماذا نطلب من أوباما أن يكون عربياً أكثر من العرب ؟

أليس بعض العرب هم الذين يحاولون إقناعنا بأن إيران هي الخطر على الأمن القومي العربي ثم ألم يشارك بعض العرب في حصار غزة  كما أن بعضاً آخر يرى في مقاومة الاحتلال نزعة عبثية خارجة عن سياق العصر , وهذا البعض أعطى مؤخراً بقرار من مجلس جامعة الدول العربية الغطاء السياسي لاستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و إسرائيل دون وقف بناء المستوطنات …….. .

أغلب الظن أن أوباما كان يرغب بعد خطاب القاهرة أن يعطيه العرب دافعاً أو مبرراً لانتهاج سياسة متوازنة في الشرق الأوسط , على الأقل حتى لايفقد مصداقيته الشخصية وحتى يعطي للتوجهات الجديدة لإدارته مشروعيتها .  كان ذلك ممكناً قبل عام و لازال ممكناً حتى الآن إذا امتلك العرب الإرادة للربط بين استمرار مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة آمنة غير مهددة وبين انتهاج سياسة متوازنة في الشرق الأوسط .

لنتخيل مثلاً سيناريو يقول فيه العرب إذا استمرت السياسة الأمريكية في المنطقة غير متوازنة فنحن على استعداد للقبول بتسعير صفقات النفط بعملات أخرى غير الدولار      الأمريكي , أو أن نحول جزءاً من الاحتياطي المتوفر لدينا بالقطع الأجنبي من الدولار إلى عملات أخرى …….. , تلك الإجراءات وغيرها مما شابهها  على بساطتها ستؤدي إلى اهتزاز العملة الأمريكية ومعها النظاميين النقدي و الاقتصادي للولايات المتحدة . أكثر من ذلك فإن سيناريو من هذا النوع سيعطي الدافع ويوفر الأسباب للإدارة الأمريكية الحالية     أو أية إدارة مقبلة للتغيير و التوازن في التعامل مع قضايا المنطقة .

جملة القول إن أوباما لم يستطع الوفاء بما بشر به في جامعة القاهرة كما أن العرب لم يوفروا له الأسباب ليتحول الوعظ إلى أفعال و يتحول معها رأس الإدارة الأمريكية من أوباما الواعظ إلى أوباما الرئيس .

 

                                                                 الدكتور محمد توفيق سماق