إدارة أوباما و إسرائيل ــ المقال رقم /131/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   13931 تاريخ  5/2009/ 28

 

مع وصول باراك أوباما إلى موقع الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية أثار المهتمون بقضايا منطقة الشرق الأوسط من مراقبين و محللين جملة أسئلة حول علاقة الإدارة الجديدة بإسرائيل منها سؤالين , هما :

هل ترغب إدارة الرئيس أوباما بالضغط على إسرائيل ؟ و إذا رغبت هل تستطيع ؟

أبرز نجوم إدارة الرئيس أوباما مشهود لهم بالتعاطف مع إسرائيل . فوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون منذ أن كانت عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية نيويورك وهي تحاول خطب ود إسرائيل و مجموعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية . كما أن وزير الدفاع روبرت غيتس كان أيضاً وزيراً للدفاع في إدارة الرئيس السابق بوش الإبن وتعاطف تلك الإدارة مع إسرائيل غني عن التعريف و لاتنقصه الأدلة , و مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس أوباما الجنرال جيمس جونز إنتاج المؤسسة العسكرية التي ضمنت تفوق إسرائيل العسكري على العرب خلال عقود عديدة ماضية .

أما الرئيس أوباما نفسه فالانطباع العام عن صفاته الشخصية أنها تتسم بالانفتاح    و الموضوعية حيث خاض معركته الانتخابية تحت عنوان التغيير بهدف استعادة مصداقية أمريكا في العالم ومنه منطقة الشرق الأوسط في محاولة لإصلاح ما أفسده بوش و إدارته , فقد يكون الوحيد أو من بين قلائل في إدارته الراغبين في الضغط على إسرائيل لدفعها باتجاه السلام  و إرغامها على القبول باستحقاقاته و دفع كلفه .

لكن وبصرف النظر عن رغبات الرئيس أغلب الظن أن قدرة أوباما على ممارسة ضغوط فعلية على إسرائيل محدودة بفعل جملة من العوامل , منها :

1 – إن صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية محكومة بمصالح الولايات المتحدة و ليس برغبات مسؤولي إداراتها أياً كان هؤلاء المسؤولون وأياً كانت               تلك الرغبات .

2 – المؤسسات المعبرة عن مصالح الولايات المتحدة هي نفسها في إدارة الرئيس بوش و إدارة الرئيس أوباما . فمن أبرز تلك المؤسسات ,  المؤسسة العسكرية       و المؤسسة الأمنية و المجمع الصناعي العسكري  وشركات النفط , تلك المؤسسات لا تغير مواقفها بتغير الإدارات و إنما بتغير المصالح . أكثر من ذلك يمكن القول بحكم طبيعة السلطة في الغرب أن الحكومات و الإدارات فيه ليست بالنهاية أكثر من طلائع سياسية لقوى النفوذ و شبكات المصالح , و تلك القوى و الشبكات هي التي تصنع الإدارات  و تنصب الحكومات و ليس العكس .

3 – النظرة الأيديولوجية المهيمنة على الثقافة السياسية في الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أن إسرائيل امتداد حضاري للغرب و نمط حياته , و أن العرب حتى الموالين منهم ليسوا أكثر من أصدقاء ضرورة في أحسن الأحوال . بمنطق الأشياء علينا إذاً ألا نتوقع إقدام الولايات المتحدة على ممارسة ضغط يهز تحالفها الراسخ      و الدائم مع إسرائيل من أجل صداقات عربية  صنعتها مقتضيات حالة أو ضرورات لحظة سيما وأن مصالح أمريكا في المنطقة آمنة غير مهددة حتى الآن .

يضاف إلى كل ماسبق حالة التفكك و الضعف العربي المقترنين بمحاولات بعض الأنظمة العربية إعادة صياغة العقل السياسي العربي وفق أسس غريبة وبدع جديدة غير مسبوقة .  فالمواطن العربي مطلوب منه أن يقتنع بأن إيران وليست إسرائيل هي الخطر على الأمن القومي العربي كما أن مقاومة الاحتلال نزعة عبثية خارجة عن سياق العصر ؟! مما يفقد أية محاولة لإدارة الرئيس أوباما _ حتى لو توفرت الرغبة _ لممارسة ضغط على إسرائيل مبرراتها أو مشروعيتها .

جملة القول إن ممارسة ضغط أمريكي على إسرائيل لاتتعلق بنزعة إدارة أو رغبة رئيس إنما تتعلق بحقائق الواقع وتتعلق أيضاً بقدرتنا نحن العرب على إقناع الإدارات الأمريكية بأن أمن مصالحهم و أمانها في المنطقة يقتضي الضغط على إسرائيل للاستجابة لاستحقاقات السلام و دفعها للقبول بكلفه و تكاليفه .

 

                                                                   الدكتور محمد توفيق سماق