إنــــي أعتــــرض ــ المقال رقم /103/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   12910 تاريخ  1/2006/ 17

 

صدر قبل فترة قريبة القانون الجديد لتنظيم الجامعات في سورية , ومما تضمنه القانون  إعطاء جملة من المزايا و الامتيازات لحملة شهادة الدكتوراه المعينين على ملاك الجامعات السورية منها :

تفرغ يصل إلى 200% من الراتب المقطوع الحالي , على أن تمول بنسبة 100% من الخزينة العامة للدولة و الـ 100% الثانية من موارد الجامعات حسب توفرها . هذا يعني على سبيل المثال أن يتقاضى حامل شهادة الدكتوراه الذي يبلغ راتبه المقطوع حالياً /15000/ خمسة عشر ألف ليرة سورية تعويض تفرغ يصل إلى نحو /30000/ ثلاثون ألف ليرة سورية بحيث يبلغ راتبه مع تعويض تفرغه الجامعي نحو /45000/ خمسة و أربعون ألف ليرة سورية أي حوالي ثلاثة أضعاف ما يتقاضاه زميله الحامل لنفس المؤهل العلمي ( الدكتوراه ) من العاملين في مؤسسات الدولة الأخرى . ودون مقدمات أسجل اعتراضي  على أمرين ذي صلة بهذا القانون :

  • اعترض أولاً على المسوغات و المبررات التي سيقت لتمرير القانون سابقاً و تسويقه حالياً . و للتوضيح أقول بأن ما سأورده من اعتراضات سبق وبينتها في إحدى اجتماعات مجلس التعليم العالي – وأنا عضو فيه – عند عرض مشروع القانون للمناقشة في المجلس , و باعتبار أن معظم أعضاء المجلس هم من العاملين في الجامعات لم يؤخذ بتلك الاعتراضات حتى أنها لم تسجل في محضر اجتماع المجلس الذي عمم على الأعضاء لاحقاً .
  • و اعترض ثانياً على المنطق الذي صاغ و أخرج هذا القانون , وفي الوقت نفسه أنكر وتجاهل حقوق حملة شهادة الدكتوراه من العاملين في مؤسسات الدولة الأخرى . مما قاد إلى تصنيف عمل حملة شهادة الدكتوراه في سورية في صنفين وتقسيمه إلى عنصرين : عنصر الجامعات الذي يُخص بالمزايا و الامتيازات        و عنصر المؤسسات الذي قوبل بالتجاهل و الإنكار ؟ ! .

هناك جملة من المسوغات التي سيقت لتمرير القانون لا أجدها جديرة إلا بالاعتراض , منها :

  • إن دكاترة الجامعات يستحقون راتباً يوفر لهم حياة لائقة وكريمة وهذا لا خلاف عليه فهو مطلب حق , علماً بان رواتبهم في الجامعات حتى قبل صدور القانون الجديد هي أعلى بكثير من رواتب زملائهم في مؤسسات الدولة الأخرى , لكن و بصرف النظر عن التباين السابق نسأل ماذا عن زملائهم دكاترة المؤسسات الأخرى الذين تخرجوا من نفس الجامعات و يحملون نفس المؤهل العلمي  و يشاركون بعضاً من زملائهم في الجامعات سني التخرج وشهاداتهم غير مطعون بها فهي معدلة وفق القوانين و الأنظمة المعمول بها في سورية كذلك فان عملهم المهني لا يقل أهمية وصعوبة عن نظيره الجامعي ( دكتور طبيب في مشفى يعالج العشرات من المرضى يومياً مجاناً – دكتور مهندس يصمم و ينفذ مشاريع تنموية حيوية ) , ألا يستحق هؤلاء أيضا راتباً يوفر لهم حياة لائقة و كريمة ؟ أليس الحق في الكرامة حقاً عاماً يتساوى فيه الجميع أياً كان عملهم أو مؤهلهم العلمي ؟

لا خلاف بأن هنالك مشكلة كبيرة في الرواتب و الأجور في سورية فحوالي 68%  من مجموع العاملين  بأجر في القطاعين العام و الخاص  يتقاضون راتباً شهرياً يبلغ 7000 ل س فما دون ,  و إذا اقترضنا أن وسطي الإعالة لدينا هي خمسة أشخاص فهذا يعني أن الدخل الشهري للفرد من هؤلاء العاملين و أسرهم يقل عن 30دولار شهرياً أي اقل من دولار واحد باليوم وهذا يعني أنهم جميعاً يعيشون تحت خط الفقر , إذاً المشكلة عامة مما يقتضي أن يكون الحل عاماً . إذا كان لابد من التخصيص على أساس المؤهل العلمي فليكن لجميع من يحمل هذا المؤهل و ليس لجزء فقط كما حصل بنتيجة القانون الجديد , مما قاد بالتداعي إلى تقسيم أهم مكونات رأسمالنا البشري إلى قسمين: أولاد الست دكاترة الجامعات و أولاد الجارية يتامى المؤسسات  .

  • ومن المسوغات التي تساق بأن دكاترة المؤسسات لديهم امتيازات لا تتوفر لدكاترة الجامعات مثل السيارة و المهمات الداخلية و الخارجية …… و للتوضيح نقول بان تخصيص السيارات في مؤسسات الدولة يتم وفق الموقع الوظيفي و ليس وفق المؤهل العلمي وهذا الأمر ينطبق على الجامعة وغيرها , فكما أن مدير الشركة أو المؤسسة مخصص بسيارة سياحية كذلك الحال بالنسبة لعميد الكلية أو رئيس الجامعة و ليس هنالك في سورية من خصص بسيارة لمؤهله العلمي  إلا في الجامعة خلال فترات سابقة . أما من حيث المهمات فهذه تحددها حاجة العمل في الجامعة وخارج الجامعة , هنالك موفدون من الجامعات و من خارج الجامعات وربما كانت نسبة الموفدين من الجامعات تفوق الذين يوفدون من خارج الجامعات ( بحث علمي – مؤتمرات – ندوات ……….) .
  • ومن تلك المسوغات أيضاً أن هذه التعويضات ضرورية لتنشيط البحث العلمي . وهنا نوضح بأنه سبق وصدر قانون التفرغ الجامعي منذ سنوات وأعطى دكاترة الجامعات تعويضات لاتقل عن 100% من الراتب بالإضافة إلى مكافآت مالية أخرى لقاء الأبحاث التي يمكن أن يقوموا بها . الزملاء في الجامعات يعرفون كما يعرف الكثيرون غيرهم انه بالرغم من ذلك كله لم يكن هنالك تفرغ للعمل الجامعي و لم يؤد هذا لتنشيط البحث العلمي . ما أعرفه ويعرفه غيري و أنا لست بعيداً عن الجامعة  – بالرغم من أنني لست من ملاكها – فقد عملت محاضراً في عدد من كلياتها و شاركت في نقاش عدد من الرسائل الجامعية و أشرفت  على مشاريع تخرج , أن البحث العلمي في جامعاتنا قد اخُتزل إلى تأسيس وحدات عمل مهني تتنافس فيما بينها – وأحياناً تتناحر – للحصول على عقد للإشراف على مشروع لا علاقة له بالبحث العلمي .  طبعاً لا أقصد من ذلك الاتهام أو المساس بمشروعية جهود زملائنا في الجامعات , لكن أردت التوضيح فقط بأن الامتيازات   و المزايا السابقة لم تولد أبحاثاً علمية بل أعمالاً تجارية تحكمها قوانين السوق و علاقاته و ليس لدي ما يدعو للاعتقاد بأن المزايا و الامتيازات التي نص عليها القانون الجديد ستغير الوضع , فالبحث العلمي مناخ وليس نصوص وهو شروط قبل أن يكون أجور .

بالإضافة إلى كل ما سبق قد يكون من الضروري التذكير بأن الجامعات ليست جزراً معزولة , فمهما أعطينا للجامعات لن يشعر المجتمع بمردود جهودها إلا بتطوير مؤسساته الأخرى ومدخل ذلك هو احترام العاملين في تلك المؤسسات و الاعتراف بحقوقهم .

فلنعمل على إنصاف حملة المؤهلات العلمية العليا في المؤسسات الأخرى بإعطائهم حقوقاً موازية لزملائهم في الجامعات . ذلك ضروري لمحاصرة مشاعر الإحباط و كسر حالة السلبية التي أنتجها القانون الجديد لديهم , مما يعتبر أساساً لابد منه و شرطاً لاغنى عنه لتطوير مؤسساتنا وتحسين أدائها .

لتكن رسالتنا لهم : الكل مطلوب ولكل دوره المرغوب ……… إذا كان العبء واجب الجميع فالمنفعة حق للجميع ؟!

 

 

 

                                                              الدكتور محمد توفيق سماق