الأزمة العربية على أبواب القرن الحادي والعشرين «بالأرقام » ـــ المقال / 37/

صحيفة البعث – دمشق  – سورية

العدد :9988 – تاريخ: 28/3/1996

نشر كذلك في :

صحيفة البيان ـــ الامارات العربية

العدد : 5791ـــ تاريخ : 3/5/1996

 

لا أظن أننا نأتي بجديد عندما نقول بأن العالم العربي يعيش أزمة مختلفة الأشكال متعددة الأسباب . فمن معدلات النمو الانفجارية للسكان … وحتى الأعباء المتنامية للمديونية العربية للعالم الخارجي تمتد مساحة الأزمة،ومن خارج الجسد العربي وفي داخله يمكن تحديد أسباب وافدة أو رصد أسباب مستوطنة . ذلك ما يقوله الجميع تقريباً اليوم وبالمقابل فالبحث عن حل للازمة أو مخرج منها يفترض أن يكون هم الجميع القادرين  من أصحاب الرأي والقرار العرب . أزمات  الأمم و أمراض الأفراد تبدأ معالجتها بتشخيص أسبابها أولاً عن طريق توصيف مظاهرها . وهذه الدراسة مساهمة في توصيف مظاهر الأزمة العربية ، مع التوضيح بأن بعض مظاهر الأزمات الاجتماعية يمكن أن يتحول مع الزمن إلى أسباب والعكس صحيح فالعلاقة هنا بين السبب و المظهر ذات طابع جدلي . تأسيساً على ما سبق سنستعرض في الآتي بعض مظاهر وأسباب الازمة العربية وتوخياً للدقة سيقتصر هذا العرض على ما هو قابل للتوصيف بالرقم فقط :

  • النمو السكاني : تشير بعض التقديرات إلى أن معدل النمو السكاني في الوطن العربي سيلغ حوالي 2,3 % خلال الفترة ( 1990-2025 ) . وبذلك من المتوقع أن يبلغ عدد سكان الوطن العربي نهاية القرن الحالي   (عام 2000 ) نحو 295 مليون نسمة عام ونحو 380 مليون عام 2010 ( تقرير التنمية البشرية في الوطن العربي أعده مركز دراسات الوحدة العربية ) . يشير نفس التقرير  إلى أن هذا المعدل لن يتجاوز 1,7 % بالنسبة لوسطي الدول النامية و0,33 % في مجمل الدول الصناعية ( المعدل العالمي 1,7 % حالياً ) . فمثلاً من المتوقع أن يرتفع عدد سكان مصر ( وفق بعض التقديرات الأولية الأخرى ) من نحو 60 مليون نسمة ( أوائل التسعينيات ) إلى نحو 111 مليون نسمة عام 2030 أي بزيادة تبلغ حوالي 55 مليون نسمة خلال الأربعين عاماً القادمة بينما من المتوقع أن يزداد عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية– روسيا– اليابان– بريطانيا ألمانيا– ايطاليا– فرنسا مجتمعة حوالي 115مليون نسمة خلال نفس الفترة . هذا النمو الانفجاري في عدد سكان الوطن العربي سيساهم مستقبلاً بلا شك في تفاقم المشاكل المتراكمة ( اقتصادية –اجتماعية وسياسية ) والتي لا نشكو من قلتها حالياً.
  • الدخل وتوزيعه : تشير البيانات المتوافرة إلى أن مساهمة الاقتصاديات العربية في الاقتصاد العالمي لا زالت متواضعة ومحدودة ، كما أن تفاوتاً كبيراً في توزيع الدخل يسود المنطقة العربية على المستويين القومي والقطري . فوفق بيانات الجامعة العربية ( أوائل التسعينيات ) لا يتجاوز الإنتاج الزراعي العربي 1,5 % من الإنتاج الزراعي العالمي و الإنتاج الصناعي العربي 0,5 % من الإنتاج الصناعي العالمي . كما أن الناتج المحلي لجميع الدول العربية بما في ذلك النفط بلغ في عام 1994 حوالي 500 مليار دولار يشكل نحو 2% من الدخل العالمي لنفس العام( التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1995 ) .  دخل الدول العربية مجتمعة يقل اذاً بـ16 مليار دولار عن حجم مبيعات الشركات الخمس الصناعية الأولى في العالم عام 1992 والمقدر بنحو 516 مليار دولار ( جنرال موتورز 133- اكسون 104 –فورد 101 – شل 99 – تويوتا 79 مليار دولار – وفق بيانات المجموعة الألمانية للإحصاءات الدولية لعام 1994 – فيشر ) . ومقارنة ببعض الدول الأوروبية تقول الأرقام بأن دخل الوطن العربي في عام 1994 يزيد قليلاً عن قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدولة متوسطة الغنى كإسبانيا (479 مليار دولار عام 1993 ) ويعادل نحو 50 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي لدولة كإيطاليا (991 مليار دولار عام 1993 ) وهي من الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم ( البيانات السابقة مأخوذة من تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم لعام 1995 ). بالإضافة إلى ما سبق يوضح التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1995 بأن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول  العربية  بلغ  خلال العامين  1993-1994 نحو 2,4 % وهو مساو ٍ تقريباً لمعدل النمو السكاني المتوقع خلال الفترة 1990 -2025المشار إليه آنفاً والمقدر بـ 2,3% سنوياً . وهذا يعني بأنه إن لم تستطيع الدول العربية مستقبلاً زيادة معدلات النمو السائدة في اقتصادياتها فمن غير المتوقع أن يطرأ أي تحسن يذكر على مستوى حياة الغالبية العظمى من المواطنين العرب حتى نهاية الربع الأول من القرن القادم .  و إذا أخذنا بالاعتبار التطور الكبير المحقق والمتوقع لاقتصاديات الدول الصناعية بفعل كفاءة إدارة مواردها من ناحية وانجازات العلم والتكنولوجيا من ناحية أخرى أمكننا أن ندرك القفزات المتوقعة في مستويات الرفاه الاجتماعي على الصعيد العالمي من ناحية والتهميش المتوقع للوطن العربي والتردي النسبي   ( بالنسبة للعالم ) لمستوى حياة مواطنيه من ناحية أخرى . ربما كان ذلك من بين الأسباب التي جعلت خبراء البنك الدولي يؤكدون على ضرورة الوصول إلى معدل نمو اقتصادي لا يقل عن 5 % سنوياً خلال الفترة القادمة إذا أرادت دول الشرق الأوسط ومن بينها الدول العربية تحقيق تحسن ملحوظ  في مستوى حياة سكانها في القرن القادم ( تقرير التنمية من المنظور السكاني : الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- تقرير مقدم من  البنك  الدولي للمؤتمر العالمي  للسكان والتنمية المنعقد في القاهرة عام 1994 ) . وعلى المستوى القومي تشير بيانات الجامعة العربية إلى وجود تفاوت كبير يسود مستويات الدخل بين الدول العربية فحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1992 شكل سكان الدول الأغنى الست ( دول مجلس التعاون الخليجي ) نحو10 % من سكان الوطن العربي ( 23,4 مليون  نسمة ) بلغ نصيبهم نحو 43 % من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية في عام 1991 والمقدر بنحو 420 مليار دولار أمريكي ووفق نفس المصدر  شكل  سكان  الدول الأفقر   ( السودان- الصومال- جيبوتي- موريتانيا ) نحو 15,6% من سكان الوطن العربي (نحو 37,8 مليون نسمة) بينما بلغ نصيبهم نحو    3,1 % فقط  من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية في العام نفسه . وعلى المستوى  القطري ( أي داخل  المجتمعات  العربية  في كل دولة ) فالوضع ليس أفضل على أية حال حيث تشير بعض التقديرات إلى أن نسبة الـ 5 % الأغنى من سكان معظم الدول العربية تحظى بنحو 40 % من الدخل في هذه الدول . أغلب الظن أن مظاهر الانكسار و التفكك العربي وحالات الصراع الداخلي التي تعيشها العديد من الدول العربية ماهي إلا تعبيرات مختلفة لكن بلغة عنيفة عن مناخ الإحباط السياسي والقهر الاقتصادي السائد حالياً في المنطقة العربية .
  • الفقر : حدد البنك الدولي مستويين للفقر هما مستوى الفقراء ومستوى شديدي الفقر أو البؤساء . الفقراء حسب تعريف البنك الدولي هم من يتقاضون أقل من 370 دولاراً في العام أما شديدو الفقر فهم  من يحصلون على 275 دولاراً فما دون في العام . يتضمن تقرير التنمية البشرية لعام 1994 الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بيانات عن الفقراء في الوطن العربي بالنسبة لست دول هي      ( تونس- الأردن- الجزائر- مصر- المغرب- الصومال ).  تشير هذه البيانات إلى أنه من إجمالي سكان هذه الدول في عام 1992 البالغ نحو 136 مليون نسمة يعيش حوالي 36 مليون (26,5%) في حالة فقر أو بؤس. وغني عن القول بأن مستوى حياة الناس في معظم الدول العربية الأخرى ليس أفضل بكثير من مستوى حياة مواطني الدول المشار إليها آنفاً .
  • البطالة: يشير تقرير للبنك الدولي بعنوان « هل يترفه العمال العرب في القرن 21 أم يبقون على حالهم » إلى أن المنطقة العربية قد سجلت في عام 1993 أعلى معدلات البطالة في العالم . فمن إجمالي قوة العمل العربية المقدرة في عام 1991 بـ67 مليون عامل هنالك  15 % أي ما يزيد على 10 ملايين عامل وعاملة عاطلين عن  العمل ، بينما لم تزد هذه النسبة في دول أفريقيا جنوب الصحراء وهي أفقر مناطق العالم عن 6 % في عام 1993 حسب بيانات البنك الدولي .
  • الأمية بين الكبار (15 سنة فما فوق ): يشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1992 إلى أن نسبة الأمية بين الكبار من سكان الوطن العربي بلغت نحو 42 % في عام 1990 علماً بأن هذه النسبة تزيد كثيراً بين الإناث عنها بين الذكور ( 57 % في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ) ، كما أنها أعلى بكثير من وسطي نسبة الأمية السائدة في الدول النامية والمقدرة في عام 1993بـ 33 % ( تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم 1995) .
  • التنمية البشرية : وهي من المؤشرات التي أدخلت حديثاً من قبل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بهدف القياس الكمي لمستوى التطور الاقتصادي و الاجتماعي في بلد ما وهذا الدليل هو تركيبة مؤلفة  من ثلاثة مكونات أساسية هي طول العمر والمستوى التعليمي  و مستوى المعيشة . يتراوح المؤشر بين الصفر كجد أدنى والواحد كحد أعلى حيث تقسم الدول وفق هذا المؤشر إلى مجموعات :
  • دول ذات تنمية بشرية عالية مؤشر تنميتها البشرية 0,8 – 1 .
  • دول ذات تنمية بشرية متوسطة مؤشر تنميتها البشرية 0,5—0,8 .
  • دول ذات تنمية بشرية منخفضة مؤشر تنميتها البشرية يقل عن 0,5 .

حسب بيانات تقرير التنمية البشرية لعام 1994 فإن جميع الدول العربية باستثناء الكويت (تقع في المرتبة 51 بين دول العالم ) سجلت مؤشراً للتنمية البشرية في المستويين المتوسط والمنخفض. حيث يتراوح المؤشر في هذه الدول بين 0,21 في الصومال ( تحتل المرتبة 165 بين دول العالم ) وحتى 0,79 في قطر (تحتل المرتبة 56 بين دول العالم ) علماً بأن مؤشر التنمية البشرية في إسرائيل يصل إلى 0,9 وتحتل من حيث مستوى التنمية البشرية فيها المرتبة 19 بين دول العالم .

  • الاكتفاء الذاتي من الغذاء: يشير تقرير معد من قبل مركز دراسات الوحدة العربية (عام 1995 ) إلى أن الوطن العربي يستورد حالياً بنحو 34 مليار دولار (20 % من اجمالي الواردات العربية عام 1994 مقابل 16,5 % عام 1985 ) لسد حاجاته من الغذاء علماً بأن هذا الرقم مرشح للزيادة إلى نحو 60 مليار دولار بعد الانتهاء من تطبيق اتفاقية الغات الأخيرة (اتفاق مراكش ) كما يذكر بنفس التقرير .
  • المياه: تعتبر المنطقة العربية من المناطق الفقيرة بالمياه نسبياً حيث تقدر بعض الدراسات كمية المياه المستغلة فعلياً بحوالي 170 مليار م3 سنوياً أي ما نسبته 48,5 % من مجموع الموارد المتاحة نظرياً وحوالي  7,6 % من وسطي الكميات السنوية للهطولات المطرية في المطقة العربية ، وإذا كان عدد سكان الوطن العربي أوائل التسعينيات يقدر  بـ 235 مليون نسمة فإن نصيب الفرد هو بحدود 724 م3 سنوياً   أي دون مستوى ما يسمى بخط العوز المائي المتعارف عليه عالمياً وهو 1000م3 للفرد سنوياً ، كما أن التقديرات تشير إلى أنه بحلول عام 2000 سيبلغ عدد سكان الوطن العربي حوالي 295 مليون نسمة    وعلى أساس معدل الحاجات ( مستوى خط العوز المائي ) فإن الحاجة المائية للوطن العربي ستبلغ مع نهاية القرن الحالي نحو 295 مليار متر مكعب أي عجز مائي إجمالي مقداره نحو 120 مليار م3 سنوياً   ( مجلة المستقبل العربي -8/1993 ) . هذه الوقائع وغيرها جعلت بعض الدول المجاورة للوطن العربي  (تركيا– إسرائيل- إثيوبيا ) تحاول استغلال حاجة الوطن العربي للمياه لممارسة أشكال مختلفة من الضغوط الاقتصادية وغير الاقتصادية التي وصلت احياناً إلى حد الصدام والابتزاز، وربما تجدر الإشارة هنا إلى أن أول مؤتمر قمة عربي عقد  في كانون الثاني من عام 1964 خصصت مناقشاته لوضع الصيغ و إيجاد السبل الكفيلة لمواجهة قيام اسرائيل ببناء مشروعات على نهر الأردن تضمن لها أكبر قدر من المياه على حساب العرب التي تقع    في أراضيهم منابع النهر .
  • المستوى العلمي والتكنولوجي : تشير تقديرات اليونيسكو إلى أن تفاوتاً كبيراً يسود في المستوى العلمي والتكنولوجي بين الدول العربية والعديد من دول العالم ( خاصة المتقدمة صناعياً ) . فعدد الباحثين العلميين في المنطقة العربية يقدر بنحو 318 باحثاً لكل مليون من السكان، بينما تبلغ هذه النسبة في بلد كإسرائيل مثلاً نحو 4,4 باحثين لكل ألف من السكان . وفي مجال البحوث العلمية يستثمر الوطن العربي حوالي 0,75% من ناتجه القومي بينما تبلغ هذه النسبة في العالم الصناعي حوالي 2,9% حالياً . هذه المؤشرات وغيرها توحي بالمستوى المتواضع للعلوم والتكنولوجيا السائد في منطقتنا وتزداد هذه الحالة خطورة اذا ما أخذ بعين الاعتبار أن العالم يعيش في المرحلة الثالثة من الثورة العلمية التكنولوجية ( تقرير لليونيسكو حول المستوى العلمي والتكنولوجي في الدول النامية أعد عام 1994 ) .
  • احتمال نضوب النفط : يشكل النفط العربي حوالي 60%  من الاحتياطي النفطي المؤكد في العالم حالياً والمقدر بنحو 146 مليار طن (مستوى أوائل التسعينيات ) . وفق معدلات الاستهلاك العالمية الحالية فإن الاحتياطي النفطي العالمي بما فيه الاحتياطي النفطي العربي يكفي لنحو 40 عاماً قادمة فقط ( المجموعة الالمانية للإحصاءات الدولية عام 1994 – فيشر ) .
  • المديونية الخارجية : يوضح التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1992 بأن المديونية الخارجية للدول العربية قد بلغت نحو 153 مليار دولار أمريكي في عام 1990 أي نحو 35% من الناتج المحلي الاجمالي للدول العربية لنفس العام ، كما أن خدمة هذه الديون (فوائد + أقساط ) تصل إلى نحو 17 مليار دولار سنوياً . تلك الأرقام تعني بأن كل مواطن عربي كان في عام 1990 مديناً للعالم الخارجي بنحو 682 دولاراً أمريكياً وهذا الرقم أكثر من دخل الفرد السنوي في العديد من الدول العربية ، علماً بأن المديونية الخارجية للدول العربية مرشحة للزيادة مستقبلاً بفضل الاعتماد المتزايد للعرب   على استيراد الغداء والسلاح والتكنولوجيا .

تلك بعض مظاهر الأزمة ، وليس كلها ، فهل هنالك من حل ؟  ربما ؟..!

ما يغري في افتراض إمكانية الحل –كما يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل – هو أن المريض مازال يتألم ، أي أنه لم يمت وقد يفيده  دواء ما .

 

الدكتور محمد توفيق سماق