الإصلاح : بين ضرورات الداخل ودعوات الخارج ــ المقال رقم /90/

ملحق صحيفة البعث الإداري – دمشق – سورية

العدد:   8  تاريخ  4/2004/ 19

ربما كانت مقولة الإصلاح من أكثر المقولات التي تكررت في الخطاب السياسي والإعلامي الموجه للمنطقتين العربية والإسلامية في الأشهر الأخيرة . فالدول العربية تتحدث كل منها بطريقتها وعلى طريقتها عن إصلاح صيغ العمل السياسي فيها وإصلاح نظم التعليم لديها وإصلاح اقتصاداتها توجهات وسياسات والأمانة العامة لجامعة الدول العربية تعد بإصلاح بيت العرب وتطالب دولها الأعضاء بالمبادرة إلى وضع أو إقرار المشاريع المتعلقة بذلك والتعهد بالالتزام بها. فوضعت مشاريع ووثائق عديدة ومتعددة للإصلاح كان آخرها وثيقة العهد التي تحدث عنها الإعلام باستفاضة بمناسبة قرب انعقاد القمة العربية التي أجلت عشية انعقادها المقرر في                     (   30/4/2004   ـ 29) . أما في الخارج فالدعوات أيضا كثيرة ومتنوعة كان الأخير والأشهر من بينها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الولايات المتحدة الأمريكية قبل فترة قريبة ولقي مضمونه تعاطفا واضحا من قبل الاتحاد الأوروبي ودوله، وكان للبعض منهم تحفظات تطال الشكل دون الجوهر. مشروع الشرق الأوسط الكبير هذا مازال ضبابيا إلى حد بعيد من الناحيتين الجغرافية والسياسية . فحدود المشروع من الناحية الجغرافية هلامية غير محددة المعالم ، البعض يقول أنه يشمل المجال الجغرافي الممتد من طنجة في المغرب إلى جاكارتا في إندونيسيا ، والبعض الآخر يكتفي بكراتشي في الباكستان شرقاً؟

ومن الناحية السياسية يتمحور المشروع حول مطالبة الدول المعنية بــ :

  • إجراء إصلاح ديمقراطي يقوم على التعددية السياسية وإمكانية تداول السلطة سلمياً.
  • احترام حقوق الإنسان كما أقرتها المواثيق والأعراف الدولية.
  • إصلاح أنظمة التعليم بما يساعد على نشر ثقافة التعايش بين المذاهب والمصالح ، أي بين الأنا والآخر.
  • ضمان حقوق المرأة في المجتمع بما في ذلك حقوقها كزوجة وشريكة في تكوين الأسرة وتطوير دورها في الحياة العامة.
  • اعتبار تلك الإصلاحات شرطاً ضرورياً لتحقيق الدول العربية والإسلامية مستويات أعلى من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وعندما تسأل دوائر القرار في الولايات المتحدة الأمريكية عن أسباب هذا الغرام المفاجئ بالمنطقتين  ( العربية و الإسلامية ) وشعوبهما؟ وعن مبررات البوح به الآن ؟ تكون الإجابة ليس في الأمر غرام مشاعر أو هيام عواطف بل إن منطق الإصلاح هذا أملته اعتبارات براغماتية (عملية)  ملخصها أن تدني مستويات الديمقراطية وحقوق الإنسان قد أعاقا جهود تلك الدول لتنمية اقتصاداتها، وبالتالي مجتمعاتها ، فانتشر الفقر وكثر الحرمان وتكاثر المحرومون مادياً ومعنوياً . هذا كله في مناخ تنحسر فيه ثقافة التعايش مما صنع مزيجا مشتعلاً دائماً ومتفجراً أحياناً دخانه كراهية للغرب ونمط حياته ولهيبه عنف ( أو كما يسمونه إرهاباً ) يهز توازن مجتمعاتهم واستقرارها ويهدد حضارتها؟

أما نحن فلنا منطق مختلف يرى أن حرمان الفلسطينيين من حقهم التاريخي في وطنهم وحرمان العراقيين من حقوقهم فوق أرضهم وحرمان شعوب المنطقة من إدارة ثرواتها وحرمان دولها من حرية الخيار والقرار ، ذلك كله هو الجواب على التساؤل التقليدي في الولايات المتحدة بعد أحداث  11 أيلول (سبتمبر)2001 لماذا يكرهوننا؟ وهو الحرمان الأكبر الذي أنتج ذلك المزيج المشتعل دائماً والمتفجر أحياناً.

لكن بعيداً عن دعوات الآخرين ولغة الجدل معهم ومنطق الخلاف بيننا وبينهم نعود إلى البدء لنسأل:  هل المنطقة بحاجة إلى إصلاح ؟ بيقين نقول : نعم ، الإصلاح ضرورة لنا قبل أن يكون استجابة لرغبات أو دعوات الآخرين ،فالشواهد على ذلك عديدة منها: بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول منظمة المؤتمر الإسلامي الــ 53 أوائل القرن الحالي نحو 1500 مليار دولار أمريكي ، أي ما يساوي تقريباً الناتج المحلي لفرنسا (58،6 مليون نسمة ) ويقل بنحو 500 مليار دولار عن الناتج المحلي لدولة مثل ألمانيا (82،8 مليون نسمة) في الفترة نفسها . علما أن عدد سكان تلك الدول يقارب المليار نسمة غالبيتهم 60% من الشباب دون سن 25 وتملك مصادر كبرى للمياه ، كما تملك 71% من احتياطي النفط و38% من احتياطي الغاز في العالم.

أما الوطن العربي الذي تبلغ مساحته 14،2مليون كم2 ( 10،2% من مساحة الأرض ) ويبلغ عدد سكانه 295 مليون نسمة ( 4،5 % من سكان العالم ) ويشكل احتياطي النفطي 61،1 من احتياطي العالم واحتياطه من الغاز 30% من الاحتياطي العالمي ( بيانات عام 2003) . فأوضاعه قابلة للعرض بإيجاز من خلال جملة من المؤشرات أبرزها:

  • تشير التقديرات إلى وجود ما بين الــ60 إلى 70 مليون أمي ( 20-40% من السكان ) ، علما أن هذه النسب تزيد عن ذلك بكثير في بعض الدول خاصة بين النساء.
  • بلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 15مليون في عام 2002 ( 14،6 % من إجمالي قوة العمل).
  • يقدر عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر ( أقل من 1 دولار يومياً) حوالي ( 25-30% ) من عدد السكان وفي بعض الدول أكثر من ذلك.
  • أواخر القرن الماضي ساهم الإنتاجي الزراعي العربي بنحو 1،5 % من الإنتاج الزراعي العالمي ، والإنتاج الصناعي بنحو 0،5% فقط من الإنتاج الصناعي العالمي.
  • بلغ حجم الصادرات السلعية العربية ( بما في ذلك النفط ) 241 مليار دولار أمريكي في  عام 2002،أي تزيد بــ 41 مليار دولار عن صادرات هولندا ( 41526كم2     و 15،8مليون نسمة ) وتزيد بــ 39 مليار دولار فقط عن صادرات هونغ كونغ (1084كم2 و 6،7 مليون نسمة ) في عام 1999.
  • قدر الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية وهي أكبر الدول العربية من حيث الناتج بـ 188مليار دولار أمريكي في عام 2002 ، بينما بلغ حجم مبيعات شركة إكسون  موبيل ( للنفط ) الأمريكية 210 مليار دولار في عام 1999.

بعد ذلك كله أليس من الحكمة تأكيد القول : إن الإصلاح ضرورة لنا قبل أن يكون رغبة للآخرين ؟. ثم أليست الحكمة كما يقول إمام المصلحين الرسول العربي الكريم:  ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.

 

 

الدكتور محمد توفيق سماق