الانفجار السكاني في العالم مؤشراته وآثاره ــــــ المقال رقم /26/

صحيفة البعث – دمشق ــــ سورية      

العدد :9528 –   تاريخ: 12/9/1994

نشر كذلك في :

صحيفة البيان  – الإمارات العربية

العدد : 5278  ــ تاريخ : 30/11/1994 .

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان العالم يزداد منذ بداية التسعينيات بمعدل وسطي يبلغ ثلاثة أشخاص كل ثانية أي حوالي 97 مليون نسمة كل عام ، كما أن هذا العدد قد تجاوز 5,5 مليار نسمة من مطلع عام 1994.

  • بعض الباحثين يصف نمو سكان العالم خلال القرن العشرين بالانفجاري بسبب معدلاته المرتفعة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية والشواهد على ذلك كثيرة منها :
  • في العام الأول للميلاد قدر عدد سكان الأرض بحوالي 300 مليون نسمة وارتفع هذا الرقم في عام 1750 م ” مع بدايات الثورة الصناعية الأولى ” إلى حوالي 800 مليون نسمة ” معدل نمو سنوي وسطي بلغ 0,06 % “.
  • في عام 1900 قدر عدد سكان العالم بحوالي 1650 مليون نسمة ” معدل نمو سنوي وسطي بلغ 0,48 % خلال الفترة 1750 – 1900 م “.
  • في عام 1990 قدر عدد سكان الأرض بحوالي 5292 مليون نسمة ” معدل نمو وسطي سنوي بلغ 1,3 % خلال الفترة 1900 – 1990 “.
  • إذا ما تمت المحافظة على معدلات النمو السكاني في التسعينيات فإن الدراسات التنبؤية تشير إلى أن عدد سكان العالم سيصل إلى حوالي 6200 مليون نسمة في عام 2000 ويرتفع هذا الرقم إلى حوالي 8500 مليون في عام 2025م.
  • بمقارنة المؤشرات السابقة مع بعضها يتضح أن المعدل الوسطي لنمو السكان في العالم خلال التسعة عقود الأولى من القرن العشرين 1,3 % يبلغ 14,4 ضعفا معدل النمو السكاني خلال التسعة عشر قرناً الماضية وبالأرقام المطلقة نجد أن عدد السكان قد ازداد خلال التسعة عشر قرناً الماضية بحوالي 1350 مليون نسمة بينما بلغت هذه الزيادة خلال التسعة عقود المنصرمة من القرن العشرين 3642 مليون نسمة.
  • لا شك بأن التطور الملحوظ لمستوى الحياة على الأرض بفعل القفزات الهائلة التي حققتها العلوم والتكنولوجيا كان العامل الرئيسي وراء هذا النمو الكبير أو الانفجاري كما يحلو للبعض تسميته.
  • وبالنسبة لتوزع سكان العالم على القارات فالإحصائيات تشير إلى أن عدد سكان القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ” الغالبية العظمى من دولها تصنف كدول نامية ” قد ازداد بالأرقام المطلقة من 1132 مليون نسمة عام 1900 إلى 4202 مليون نسمة عام 1990 كما ازدادت نسبتهم من عدد سكان العالم من 68,6% إلى 79,4 % خلال نفس الفترة.

أما بالنسبة لأوروبا وأمريكا الشمالية فعلى الرغم من زيادة عدد سكانهما بالأرقام المطلقة خلال التسعة عقود الأولى من القرن العشرين من 378 إلى 774 مليون نسمة إلا أن نسبتهم من عدد سكان الأرض قد انخفضت من 22,9 % إلى 14.6% خلال التسعين عاماً الماضية.

وبعد هذا العرض لبعض من أهم مؤشرات النمو السكاني في العالم يطرح نفسه بالتداعي السؤال التالي: ما هي الآثار المترتبة للمعدلات المرتفعة لنمو سكان العالم على كوكبنا الأرضي؟

في الإجابة على ذلك تتعدد الاجتهادات وتتباين الآراء وفق المذاهب والمصالح لدرجة التناقض أحياناً، بعض المفكرين والمهتمين يرون في الزيادة السكانية المرتفعة مصدراً للتفاؤل وليس للتشاؤم فزيادة عدد السكان بالنسبة لهؤلاء هو في جوهره تعظيم لأهم مورد من الموارد المتاحة للتنمية ألا وهو رأس المال البشري وهو مورد قابل للاستثمار وبمردود عال إذا ما أحسن توظيفه  . أما بالنسبة للمشكلات التنموية التي يواجهها العالم وخاصة تلك التي تواجهها دول العالم النامي فهي ليست نتيجة معدلات النمو السكاني المرتفعة بل يمكن إرجاعها بشكل أساسي إلى تدني كفاءة توظيف الموارد المتاحة للتنمية وسوء توزيع الدخل على المستويين العالمي والمحلي ، بالإضافة إلى ذلك فإن بعض المهتمين في الدول النامية يرون في الدعوات المتكررة لخفض معدلات النمو السكاني ترويجاً لثقافة غريبة عن ثقافتهم ومحاولة لفرض نمط من الحياة يتناقض ونمط الحياة السائد في بلدانهم والمنسجم مع تراثهم وتاريخهم.

تأسيساً على ذلك يجد هؤلاء في أن الحل المقبول بالنسبة لمشاكل التنمية في العالم يكمن في جوهره بتصحيح عدد من الاختلافات التي يعاني منها العالم ” دولياً وقطرياً ” ومنها:

  • البحث عن نظام اقتصادي دولي جديد أكثر عدالة وأقل استغلالاً.
  • مطالبة دول الشمال المتقدمة صناعياً بتحمل مسؤولياتها في مساعدة دول الجنوب لمواجهة مشاكل التنمية فيها وحلها، فبعض هذه المشاكل وفق هذا الرأي تعود جذورها إلى زمن الاستعمار المباشر قديماً وإلى هيمنة الشمال على الجنوب حديثاً.
  • تطوير البنى السياسية والاقتصادية القائمة في العديد من دول الجنوب على أسس أكثر ديمقراطية وعدالة، مع تطوير مرافق لآليات العمل وفق صيغ تجعلها أكثر كفاءة وبما يحقق مستويات أفضل من الوفرة في الإنتاج والعدالة في التوزيع.

الرأي الآخر يعتبر أن المقولات السابقة وما شابهها وعلى الرغم من مضمونها الإنساني ولغتها المثيرة للمشاعر هي غير واقعية وغير قابلة للتطبيق من الناحية العملية، لذلك يعتبر أصحاب هذا الرأي أن الانفجار السكاني الذي يشهده العالم حالياً واحداً من أهم المصادر القائمة والمحتملة للعديد من المشكلات التي يواجهها الجنس البشري ومنها:

  • الفقر: حيث تشير الإحصائيات إلى أن ما يزيد عن ثلث سكان العالم النامي يعيشون تحت خط الفقر “أواسط الثمانينات” أي بمعدل دخل سنوي يقل عن 370 دولار للفرد الواحد.
  • نقص المياه: على الرغم من أن العالم لديه حتى الآن ما يكفي لحاجاته من مصادر المياه إلا أن المشكلة تكمن في أماكن توضعها ومع أن الإحصائيات تشير إلى تزايد مساحة الأراضي الزراعية المروية خلال الفترة 1950 – 1980 بمعدل ثلاثة أضعاف إلا أن حوالي نصف مساحة الكرة الأرضية لا زال يعاني من نقص المياه خاصة في عدد كبير من دول آسيا وأفريقيا ” الصين والهند ومصر وعدد من دول الشرق الأوسط الأخرى”.
  • الأراضي القابلة للزراعة والرعي: حيث تشير بعض التقديرات إلى أن هذه الأراضي مهددة بالتصحر والتملح والزحف العمراني وهناك عدد من الدراسات تؤكد على أن الأراضي القابلة للزراعة أو الرعي تتناقص على مستوى العالم بحوالي 165 كم2 يومياً أي  بحوالي 60225 كم2 سنوياً أي ما يعادل ضعف مساحة دولة كبلجيكا.
  • التلوث : بعض الدراسات العالمية توضح بأن مجموع سكان الأرض يطلقون يومياً نحو 60 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون أي نحو 20,1 بليون طن سنوياً إلى  الغلاف الجوي.
  • البطالة: وهي من المشاكل التي تواجه وعلى درجات متفاوتة العديد من دول العالم الحالي والتقديرات تشير إلى أنه مع استمرار معدل النمو السكاني على حاله في التسعينات فإن هذه المشكلة مرشحة للتفاقم حيث من المتوقع أن يدخل سوق العمل في الدول النامية فقط حوالي 600 مليون قوة عمل جديدة خلال الفترة 1993 – 2000.
  • اكتظاظ المدن: حيث توضح الإحصائيات بأن حوالي نصف سكان العالم يعيشون في المدن علماً بأن عدداً كبيراً من المدن المكتظة بالسكان في العالم موجودة في الدول النامية ” سان باولو 22,6مليون نسمة ، بومباي 21,3 مليوناً ، القاهرة 13 مليوناً ، بغداد 11 مليون ” أوائل التسعينات.

كما أن الدراسات التنبؤية توضح أنه مع نهاية القرن الحالي من المتوقع أن يكون حوالي 13 مدينة من أصل أكثر من 20 مدينة اكتظاظاً بالسكان في العالم موجودة في دول الجنوب . وهذه المدن ذات الكثافة السكانية العالية مع الموارد التنموية المحدودة المتاحة للجنوب يمكن أن تتحول أجزاء كبيرة منها إلى مراكز حقيقية للعنف والجريمة والاضطراب الاجتماعي والسياسي.

المشكلات السابقة وغيرها مرشحة وفق رأي البعض للتفاقم إن لم يوضع حد للصيغة الانفجارية لنمو سكان العالم لذلك فإن أصحاب هذا الرأي يبذلون الكثير من الجهود لحل المشكلة على طريقتهم أي بتخفيض معدلات النمو السكاني ويستخدمون لذلك كل الوسائل المتاحة من وسائل إعلام ، مؤتمرات دولية ، تشجيع الدول النامية على الأخذ بوجهة نظرهم عن طريق بعض المنح والمساعدات .. وغير ذلك من الوسائل  . وفي هذا الإطار يأتي مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية الذي عقد بمبادرة من الأمم المتحدة وبدعم ومساندة العديد من دول العالم خاصة دول الشمال الصناعي ، فالدول الصناعية بالإضافة إلى المشاكل السابقة لها أسبابها الخاصة والتي يمكن قراءتها في العديد من الوثائق المنشورة ذات الصلة بموضوع السكان مثلاً:

  • صندوق الأمم المتحدة يرى في أحد تقاريره المنشورة مطلع عام 1994 حول المسألة السكانية في العالم بأن استمرار النمو السكاني على النحو القائم حالياُ يشكل تهديداً للبيئة على المستويين المحلي والعالمي وأكثر من ذلك فإنه يشكل تهديداً لوجود الكوكب الأرضي نفسه.
  • أستاذ الفسلفة السويسري توماس كيسلرنغ يرى بأن الانفجار السكاني في العالم يهدد ليس فقط الدول ذات معدلات النمو السكاني المرتفعة بل النوع البشري ككل باعتباره أحد المصادر الهامة للتوتر والنزاعات لتقاسم ثروة العالم المحدودة والسيطرة عليها.
  • المعهد الأمريكي للدراسات العالمية ” مقره واشنطن ” يرى في أحد دراساته المنشورة عام 1993 بأن استمرار نمو سكان العالم على النحو القائم في التسعينات يعني تناقص نصيب الفرد من مصادر الثروة الهامة كالأرض والمياه والخشب وغيرها .

وبسبب الصراع على تقاسم هذه الثروة فإن العالم سيجد نفسه أمام قنبلة اجتماعية إذا ما انفجرت فإن انفجارها سيكون باتجاه الداخل (الجنوب الفقير) والخارج (الشمال الغني ) على السواء.

  • مجلة ديرشبيغل الألمانية تعطي في دراسة مطولة عن هذا الموضوع ” منشورة عام 1993″ وصفاً درامياً للسيناريو الذي على أوروبا ودول الجنوب أن تواجهه مستقبلاً نتيجة الانفجار السكاني في العالم حيث تقول : على أوروبا أن تنتظر في المستقبل جحافل البؤساء والمحرومين المهاجرين إليها من الجنوب في الزوارق عبر البحر المتوسط والممرات البرية وسط الجبال وعلى هؤلاء ( فقراء الجنوب ) منذ الآن أن يتوقعوا حجم الكره والخوف الذي سيواجهون به من سكان أوروبا سواء أكانوا إسباناً أو فرنسيين أو إيطاليين أو ألماناً.

خلاصة القول وبصرف النظر عن الموقف من المعدلات المرتفعة لنمو سكان العالم سواء اعتبر ذلك استثماراً أو مشكلة فإن العالم أمام قضية بالغة الأهمية يطرحها التناقض الحاد القائم حالياً بين المعدلات الانفجارية لنمو سكانه والمعدلات المتواضعة لنمو اقتصادياته خاصة في دول الجنوب فهل ينجح في حل هذا التناقض؟

 

 

 

 

الدكتور محمد توفيق سماق