الشرق الأوسط الجديد حدوده الجغرافية .. أهدافه السياسية ــ المقال رقم /107/

صحيفة الثورة – دمشق – سورية

العدد: 13080 تاريخ 8/8/2006

 

في شهر تموز من هذا العام “7/2006” نشرت  مجله القوه العسكرية الأمريكية  مقالاً  بعنوان “حدود الدم ” يتحدث فيه كاتب المقال “رالف بيتر ربما كان الاسم مستعارا” عن  رؤية لشرق أوسط جديد على أساس خرائط معدة سابقاً . سواء أكانت هذه الخرائط معدة من قبل جهة رسمية ومن ثم تم تسريبها لوسائل الإعلام أو من مراكز أبحاث أمريكية أو غيرها إلا أن ما تلاها من تصريحات لوزيرة الخارجية الأمريكية من اعتبار المآسي الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على لبنان آلام مخاض لولادة شرق أوسط جديد يعطي لتلك الرؤى والتصورات مزيدا من الأهمية إن لم نقل المصداقية كون المشروع قد تم تبنيه والحديث عنه من قبل المستويات الأعلى في الإدارة الأمريكية .

تقوم الرؤية الجديدة للشرق الأوسط على إعادة تقسيمه جغرافيا وفق أسس قومية ومذهبية، والمبررات لذلك كما يراها كاتب المقال الاتي:

إن حدود الشرق الأوسط الحالية كانت سببا لنزاعات مذهبية وعرقية  ضمن الدولة الواحدة، أو بين دول المنطقة  حيث نتج عن ذلك ممارسات لا أخلاقية  ضد الأقليات القومية  والدينية وحالة  من عدم الاستقرار في المنطقة ككل.

لذلك يقترح فصل المذاهب أو القوميات التي لا يمكنها التعايش مع بعضها وتأسيس دولة خاصة لكل منها ” مثلا:  دولة للشيعة في العراق وأخرى للأكراد :                   وبما أن تصحيح الحدود يتطلب في العادة توافقا في الإرادات بين الشعوب المعنية، وهذا قد يكون مستحيلا في الوقت  الراهن لذلك لا بد من إجراء التصحيح بوسائل أخرى حتى لو اقتضى الأمر سفك الدماء لتحقيق تلك الغاية.

أي أن المقال يبشر بأن حدود الشرق الأوسط  الجديد ستخط بدماء شعوبه ” أي دمائنا” وهذا ما دفع كاتبه لاختيار العنوان الغريب لمقاله ” حدود الدم”.

الحدود الجديدة للشرق الأوسط ستؤدي حسب المشروع المقترح إلى  فقدان بعض الدول الحالية لجزء من أراضيها وتوسع دول أخرى بضم أراض جديدة إليها على حساب الدول الخاسرة، حيث يبدو المشهد بشكل تقريبي على النحو التالي:

1 – العراق: يقسم إلى ثلاث دول ” شيعية وسنية وكردية “:

أ- الدولة الكردية : تضم كردستان العراق بما في ذلك كركوك وجزء من الموصل وأجزاء من ” تركيا وإيران وسورية وارمينيا وأذربيجان”.

ب-  الدولة الشيعية العربية : تشمل جنوب العراق والجزء الشرقي من السعودية والأجزاء الجنوبية الغربية من إيران ” منطقة الأهواز” أي تشكل شبه حزام يحيط بالخليج العربي من الشرق والغرب.

ج-  الدولة السنية:  إما  أن تؤسس على ما تبقى مت أراضي العراق ،أو يضم هذا الجزء إلى سورية.

2 – سورية:  تفقد جزءا من أراضيها الشمالية لإقامة الدولة الكردية ،وقد يضاف إليها جزء من الأراضي العراقية.

3 – إيران:  تفقد أجزاء منها لصالح الدولة الشيعية العربية ، كما أشرنا سابقا وأجزاء لصالح  الدولة الكردية وأجزاء أخرى لصالح أذربيجان الموحدة. كما سينفصل عنها أجزاء من جنوبها الشرقي لإقامة دولة جديدة للبيلوتش وما تبقى من أراضيها تقام عليه دولة شيعية فارسية.

4 –  أفغانستان: تفقد أجزاء من جنوبها الغربي لإقامة دولة البيلوتش الجديدة

5 – دولة البيلوتش الجديدة أو ” بيلوشستان” تؤسس على جزء من جنوب شرق إيران وجزء من جنوب غرب أفغانستان ،والبيلوتش هم سكان تلك المنطقة وتسمى ” بيلوشستان” ومعظم البيلوتش هم من المسلمين السنة.

6- السعودية: تقسم إلى دولتين إحداها دولة دينية ” أو كما يسميها المقال الدولة الإسلامية المقدسة” وتضم الأماكن المقدسة مثل مكة والمدينة على غرار الفاتيكان وأخرى دولة سياسية تؤسس على ما تبقى من أراضي المملكة الحالية.

7 – اليمن:  يضم إليها أجزاء من جنوب السعودية.

8 – الأردن:  يتحول إلى الأردن الكبير،حيث يضم له جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وأجزاء من شمال السعودية ويصبح وطنا نهائيا لفلسطينيي الداخل والشتات.

9 – حدود الدول الأخرى في آسيا العربية تبقى دون تعديل ، فلا يتناولها المقال وربما اعتبرها مصمم المشروع خارج الشرق الأوسط الجديد من الناحية الجغرافية.

أما أهداف هذا المشروع فقابلة للقراءة من التصريحات والخرائط المنشورة ، وأبرزها: تفتيت المنطقة العربية وإضعافها مما يسهل على الولايات المتحدة الأمريكية إحكام السيطرة عليها بأسواقها ونفطها “60% من الاحتياطي النفطي المؤكد في العالم  و 31% من احتياطي الغاز الطبيعي” ويعزز من هيمنة إسرائيل على دول مجاورة صغيرة وضعيفة قد يلجأ البعض منها إلى الدولة العبرية طلبا للحماية.

إدماج إسرائيل في المنطقة حيث تتحول من دولة منبوذة قائمة على أسس دينية إلى واحدة من دول عديدة على الأسس نفسها، مما يجعل تواصلها مع محيطها أمرا ممكنا، لا بل سلسا بحكم طبيعة الأشياء.

استنزاف قوى تيارات الإسلام السياسي، أو كما يسميها أصحابها بتيارات الصحوة الإسلامية، في صراعات مذهبية داخل المنطقة وبين دولها بدل توجيهها للولايات المتحدة الأمريكية على أراضيها أو للمصالح الأمريكية على أراضي الدول الأخرى.

للوهلة الأولى يبدو المشروع السابق وكأنه واحدة من أساطير الشرق أو حكايات ألف ليلة وليلة ،إلا أن ما عودتنا عليه الإدارة الأمريكية من مغامرات وهي المشهود لها بالحماقة وما هو معروف عن أصوليي البيت الأبيض من المحافظين الجدد وهم المشهود لهم بالتعصب والتطرف يجعلنا ننظر إلى ذلك المشروع بجدية واهتمام.

إذا عملت الإدارة الأمريكية على إعادة صياغة حدود الشرق الأوسط وفق هذا المشروع أو ما شابهه لنا أن نتوقع بأن المنطقة مقبلة على صراع دموي عنيف مشهده الافتتاحي هو العدوان الإسرائيلي على لبنان،أما مشاهده الأخرى فستتالى لإلغاء أو إضعاف قوى المقاومة وقوى الممانعة في المنطقة، قوى المقاومة كحزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين أما القوى الممانعة فأبرزها حاليا في سورية وإيران.

لكن يبقى السؤال الجوهري من سيكتب المشهد الختامي في صراع كهذا؟

سيكتبه بلا شك المنتصرون وهم بخبرة التجارب الشعوب التي تقرر النصر وتملك القدرة على دفع ثمنه،راضية بكلفه وتكاليفه.

 

الدكتور محمد توفيق سماق