القدرة النووية الإيرانية طبيعتها – مشروعيتها – تداعياتها ؟ ــ المقال رقم /105/

صحيفة الثورة – دمشق – سورية

العدد: 12997تاريخ 4/2006/ 30

 

قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في 14/4/2006 “إننا نتحدث إلى العالم كدولة نووية ” وقد ترافق ذلك مع الإعلان عن نجاح طهران في تخصيب اليورانيوم . فما هو تخصيب اليورانيوم ؟ و ما هي استخدامات اليورانيوم المخصب ؟

بشكل مبسط يمكن القول إن تخصيب اليورانيوم هو عملية معقدة علمياً و تكنولوجياً تهدف إلى رفع نسبة نوع من اليورانيوم هو اليورانيوم 235 ( البعض يسميه اليورانيوم النشط ) في ذرة اليورانيوم الطبيعي , حيث تبلغ هذه النسبة بالأصل نحو 0.7 % فقط . من خلال عملية التخصيب يتم رفع تلك النسبة إلى مستويات تتراوح بين 1% و30%  علماً أن بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية استطاعت تحقيق مستويات أعلى من ذلك بكثير . وفق النسبة المحققة يتم تقسيم اليورانيوم المخصب إلى قسمين يورانيوم متدني التخصيب و يورانيوم عالي التخصيب .

هنالك استخدامان عمليان لليورانيوم المخصب حيث يستخدم اليورانيوم المتدني التخصيب   و قوداً للمفاعلات النووية كما يستخدم اليورانيوم العالي التخصيب كمادة انشطارية للأسلحة النووية .

لم تعلن إيران عن نوعية اليورانيوم المخصب الذي استطاعت إنتاجه ولكن سواء كان متدني أو عالي التخصيب فهو لاشك إنجاز علمي و تكنولوجي يحسب لها و يفتح أمامها الطريق لاستخدامه لتوليد الطاقة النووية أو لأغراض عسكرية .

ما أعلنه المسؤولون الإيرانيون مراراً هو أن تخصيب اليورانيوم لديهم يتم لأغراض سلمية أي لتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق المفاعلات النووية  .  هذا يعني أن إيران ترغب في امتلاك المعرفة النووية و ليس القنبلة النووية , علماً أن هنالك دولاً عديدة أخرى في العالم تقوم بتخصيب اليورانيوم و تستخدمه كوقود نووي فقط دون أن تحاول تطوير أسلحة نووية ومن هذه الدول اليابان و ألمانيا .

بعد ذلك نسأل ماهي مشروعية النزوع النووي الإيراني ؟

  • مع انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 واجهت إيران تهديداً خارجياً ثلاثي الأطراف :
    • تهديد أمريكي مصدره ضيق الولايات المتحدة بسقوط حليفها الرئيسي في منطقة الخليج شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي وقلقها على مصالحها الأمنية و النفطية .
    • تهديد إسرائيلي مقروناً بقدرة نووية ليست بعيدة كثيراً من الناحية الجغرافية عن الأراضي الإيرانية , حيث اعتبرت إسرائيل لأسباب أيديولوجية و جيوسياسية انتصار الثورة الإيرانية خطراً على مشروعها ودورها كقوة إقليمية عظمى وحيدة في المنطقة .
    • تهديد ثالث مصدره الطرف الغربي للخليج العربي بلغ ذروته في الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ) التي أشعلها النظام السابق في العراق بدعاوى واهية كمنع تصدير الثورة و الحفاظ على الاستقرار الداخلي في دول منطقة الخليج ….. وغير ذلك .

ب – مع تحول الهند و باكستان إلى دولتين نوويتين ربما شعرت إيران أن من حقها ومن

واجبها امتلاك قدرات نووية خاصة تحفظ التوازن وتعزز دورها التقليدي في منطقة

آسيا , لان في ذلك استجابة لطموحات مدعومة بحقائق التاريخ و الجغرافية لشرائح

واسعة من الشعب الإيراني .

جـ – بالرغم من أن إيران تملك نحو 10% من الاحتياطي المؤكد للنفط الخام في العالم

و تنتج حالياً نحو 3.8 مليون برميل يومياً , إلا أنها قلقة من احتمالات نضوبه

مستقبلاً . هذا القلق مشروع و للعلم فهو ليس قلقاً إيرانياً فقط بل قلقاً عالمياً

فالاحتياطي المؤكد الخام في العالم يقدر حالياً بنحو 140 مليار طن ووفق معدلات

الاستهلاك الحالية البالغة نحو 3.6 مليار طن سنوياً يكفي هذا الاحتياطي لحوالي

39 سنة قادمة فقط . مع التزايد المتوقع للطلب العالمي على النفط بحكم الاحتياجات

المتنامية و المتسارعة للمجتمعات البشرية يمكن أن يتراجع عمر الاحتياطي النفطي في العالم عن المدة الزمنية المشار إليها آنفاً.كان ذلك من بين الأسباب التي دفعت العديد من دول العالم للبحث عن مصادر طاقة بديلة للنفط , أهمها ما يسمى بالطاقات المتجددة  ( طاقة الرياح – الطاقة الشمسية – المد و الجزر ……. ) بالإضافة للطاقة النووية . الطاقات المتجددة لازالت مرتفعة التكلفة اقتصادياً لذلك تعتبر الطاقة النووية بالرغم من مخاطرها البديل الأهم حالياً ففي فرنسا تساهم الطاقة النووية بنحو 75% وفي بلجيكا بنحو 58 % و في بلغاريا بنحو 47% و في اليابان و سويسرا بنحو 36% في توليد الطاقة الكهربائية , كما تساهم بحوالي 17%  في إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة على مستوى العالم ككل .

د- بالإضافة إلى ذلك تجدر الإشارة إلى أن المعرفة النووية لا تستخدم فقط لتوليد الطاقة الكهربائية أو صنع أسلحة الدمار الشامل بل في مجالات علمية و سلمية أخرى متعددة يقدرها البعض بما يزيد على 200 نشاط ( الزراعة – الطب – الهندسات بأنواعها … )  و بالتالي فتحقيق نجاحات هامة في تلك النشاطات يقتضي بالضرورة امتلاك معرفة نووية فعالة و متطورة .

تأسيساً على ما سبق يمكن القول أن إيران تجد نفسها مهددة بأمنها ومصدر طاقتها و طموحة لتحقيق إنجازات هامة في مجال الاستخدام السلمي للمعرفة النووية , مما قادها للإصرار الذي نشهده اليوم لامتلاكها قدرات نووية . قوبل النزوع النووي الإيراني برفض من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و دول الاتحاد الأوروبي , وصل إلى درجة التهديد الأمريكي باستخدام القوة العسكرية لمواجهته . التصريحات الغربية متباينة أحيانا لدرجة التناقض حول التعامل مع الملف النووي الإيراني فبينما أعلنت وزير ة خارجية الولايات المتحدة رايس قبل أيام بأن الخيار العسكري غير مستبعد صرح في نفس الفترة تقريباً وزير خارجية إسبانيا بأنه ليس هنالك مسؤول غربي يفكر حالياً باستخدام القوة العسكرية ضد إيران , هذا بالإضافة إلى العديد من التسريبات و المقالات الصحفية في وسائل الإعلام الغربية حول الموضوع . لكن أياً كانت النوايا الحقيقية لصناع القرار في الغرب خاصة في الولايات المتحدة فإن قراءة هادئة للمشهد السياسي الدولي و الإقليمي تجعل شكل ما من أشكال العمل العسكري ضد إيران أمراً وارداً  مع التوضيح :

  • بأن ذلك لايعني تكرار السيناريو العراقي مع إيران .
  • كما أن أي عمل عسكري ضد إيران ستكون له في الغالب نتائج مختلفة عن غزو العراق فالقيادة الإيرانية ليست معزولة داخلياً كما كان النظام العراقي السابق   و تملك قدرة لا يستهان بها على الرد من خلال إمكاناتها الذاتية أو بواسطة حلفائها في المنطقة و العالم .

هذه الحقائق و غيرها تجعل من الخيار العسكري ضد إيران أقرب إلى المغامرة أو المقامرة و مع ذلك يبقى احتمالاً قائماً فصناع القرار في الغرب ليسوا جميعاً من الحكماء , كما أن هنالك عوامل عديدة تدفع للأخذ بخيار القوة منها :

  • الأزمة الأمريكية في العراق مما قد يشجع الولايات المتحدة للهروب إلى الأمام عن طريق مغامرة عسكرية ضد إيران تتوقع نجاحها بحكم حقائق القوة السائدة بين الطرفين ( الأمريكي و الإيراني ) يعيد للقوة الأمريكية هيبتها التي فقدتها على الساحة العراقية .
  • التحريض الإسرائيلي المستمر .
  • قلق بعض دول الجوار من تنامي القوة الإيرانية .
  • الرفض الأوروبي لتنامي القدرة النووية الإيرانية .

ربما جادل البعض هنا بصعوبة الخيار العسكري  بسبب الموقف الروسي و الصيني الرافض له …… لكن بخبرة التجارب يمكن الاستنتاج بأن كلا الموقفين هام لخيار السلام لكنه غير حاسم في خيار الحرب .

 

 

                                                             الدكتور محمد توفيق سماق