المنتدى الاقتصادي العالمي و«ملتقى دافوس » الهدف والدور ؟ ـــ المقال رقم /47/

صحيفة –تشرين –دمشق-سورية

العدد:6733   – تاريخ 5/2/1997

نشر كذلك في :

صحيفة الثورة- دمشق- سورية

العدد:10219 – تاريخ13/2/1997

تحت عنوان « المجتمع الدولي المتصل » افتتحت مساء الخميس   في 1997/1/30 أعمال الدورة السنوية الـ 27 لملتقى دافوس العالمي بحضور نخبة من نحو 2000 مشارك من سياسيين ( من بينهم رؤساء دول و حكومات وعدد كبير من الوزراء ) ورؤساء مجالس إدارة شركات ورجال أعمال واقتصاديين وفنيين وإعلاميين …. وغيرهم . يقيم الملتقى ويشرف على تنظيمه المنتدى الاقتصادي العالمي (world economic forum  ) . المنتدى بدأ كفكرة نادى بها ودعا إليها أستاذ الاقتصاد السويسري البروفسور كلاوس شڨاب مضمونها يتلخص بالعمل على إنشاء تجمع أو منتدى من رجال الأعمال غير الحكوميين يهدف إلى تعزيز المبادرة الفردية في النشاط الإنساني عامة و الاقتصاد  على وجه الخصوص بصياغة أخرى يعتقد البرفسور شڨاب  بأن تطور المجتمع الإنساني و رفاهه يكمن في الجوهر في إطلاق حرية المبادرة للقطاع الخاص   و العمل على تعزيز دوره في الاقتصاد العالمي كونه القطاع الأكثر قدرة   على التحريض على الإبداع و المبادرة عند الإنسان بخلاف القطاع الحكومي المثقل بالقيود و الالتزامات في الغالب مما يجعله بالضرورة كابحاً للمبادرة طارداً للإبداع . استطاع البروفسور السويسري وضع فكرته موضع التطبيق للمرة الأولى في عام 1971 حيث عقد في قرية دافوس السويسرية الملتقى الأول لنحو 444 من رجال الأعمال غير الحكوميين الممثلين لعدد كبير من الشركات العالمية في حينه ومنذ ذلك الوقت نشأ ما يمكن أن نسميه جهازين عالمين يهتمان بتشجيع المبادرة الفردية على الصعيد العالمي أحدهما دائم والآخر سنوي ( أي دوري ) هما :

  • المنتدى الاقتصادي العالمي ومقره الدائم في مدينة جنيف بسويسرا يرأسه البروفسور كلاوس شڨاب نفسه صاحب المبادرة ويتولى العمل التنفيذي فيه مدير عام وجهاز متفرع مساعد له .
  • ملتقى دافوس وهو ملتقى سنوي ( يستمر في العادة اسبوعاً ) يختلف مستوى المدعوين إليه ( و نوعيتهم ) والمشاركين فيه من عام إلى آخر. سمي الملتقى باسم مكان انعقاده في قرية دافوس السويسرية ( تتبع كانتون غراو بوندن ) وهي عبارة عن منتجع جبلي يقع في شرق سويسرا يرتفع عن سطح البحر نحو 1260 م و يتميز بكثرة فنادقه و مياهه و غاباته و ثلوجه ويعتبر من مناطق التزلج والاستجمام الشتوية الشهيرة في سويسرا .

يتم تمويل المنتدى من اشتراكات أعضائه في الغالب ( شركات صناعية –مصارف- شركات تأمين .. وغيرها ) و الرسم السنوي الحالي للعضوية   في المنتدى بلغ نحو 13 ألف دولار أمريكي بالنسبة للشركات الصناعية و نحو 15 ألف دولار أمريكي للمؤسسات المالية ( يقدر عدد الشركات والمؤسسات المالية الأعضاء حالياً في المنتدى بما يزيد على 1500 شركة ومؤسسة )  . تستخدم الموارد المالية التي توفرها هذه الاشتراكات لتغطية تكاليف تنفيذ برامج المنتدى من ندوات و نشاطات إعلامية و اجتماعية إقليمية عديدة يقيمها المنتدى في مناطق مختلفة من العالم ( خصص لها نحو 11 مليون دولار أمريكي في موازنة المنتدى لهذا العام ) . يدعى أعضاء المنتدى لحضور هذه النشاطات ويبلغون بما يصدر عنها من دراسات وتوصيات . أما بالنسبة للملتقى السنوي فهنالك رسم اشتراك يختلف من دورة إلى أخرى حيث بلغ هذا العام نحو 6000 دولار بالنسبة للمؤسسات والشركات الأعضاء  في المنتدى و نحو 20000دولار للأفراد والجهات غير الأعضاء . بعد هذا العرض الموجز لهدف المنتدى وأجهزته وآلية عمله نعود لنسأل ماذا حقق المنتدى ؟ و ما هو دوره الآن ؟

نشأ المنتدى في أوائل السبعينيات في فترة اشتداد الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي السابق و الرأسمالي و في مرحلة ازدادت فيها حدة الحروب الإقليمية

وشدة الصراعات المجتمعية الداخلية ( من فيتنام حتى تشيلي ). اقتصاديو العالم الاشتراكي السابق لم يعيروا أهمية تذكر للفكرة و المنتدى و من اهتم بذلك منهم اعتبر الفكرة ليست أكثر من تأكيد على جوهر النظام الرأسمالي ، والملتقى محاولة للإسهام في حل بعض أزماته التي لن تلبث أن تصل إلى طريق مسدود. مع تطور آليات النظام الرأسمالي وأجهزته الذي اعتبر في ذلك الوقت بأنه دخل دائرة الأزمة على الصعيد العالمي ومع حركة الزمن ودخول منظومة الدول الاشتراكية دائرة الأزمة بدلاً من النظام الرأسمالي وتغير أحوال العالم أواخر الثمانينيات وانهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي السابق بدأت فكرة تعزيز المبادرة الفردية تكتسب مزيداً من الأنصار والمؤيدين على مستوى العالم باعتبارها رسالة المنتصرين في حرب باردة أحياناً وساخنة أحياناً أخرى دامت لعقود من الزمن . مع هذا المناخ العالمي الجديد بدأ المنتدى ونشاطاته يكتسب المزيد من الاهتمام والمؤيدين  ( راغبين أو كارهين ) على صعيد العالم و ليس أدل على ذلك من الحشد الكبير من صناع القرار السياسي والاقتصادي الذين اجتمعوا في ملتقى دافوس هذا العام ، من أبرز الأفكار التي طرحها البروفسور السويسري باسم المنتدى  ولاقت مع بدء الحديث عن السلام في المنطقة أوائل التسعينيات فكرة خصخصة السلام . ملخص الفكرة هي الدعوة إلى تشجيع القطاع الخاص في دول المنطقة لأن يسبق السياسة إلى إقامة مشاريع مشتركة وهذه بدورها ستخلق واقعاً جديداً محرضاً على صنع السلام. بصرف النظر عن طوباوية هذه الدعوى وعدم واقعيتها كونها تتناقض مع الجوهر الوطني للقطاع الخاص في الدول العربية فالتجربة التاريخية تؤكد على أن هذا القطاع كان وسيبقى قطاعاً وطنياً منحازاً لوطنه وقضاياه العادلة والمقاطعة الأردنية الأخيرة لمعرض الصناعات الاسرائيلية الذي أقيم مؤخراً في عمان دليل قريب على دقة الاستنتاج السابق. نقول بصرف النظر عن طوباوية مقولة خصخصة السلام إلا أن الفكرة لاقت بعض الرواج على الصعيد الرسمي لدى عدد من الدول العربية . فعلى أساسها نشأت فكرة المؤتمرات الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدءاً من مؤتمر الدار البيضاء وانتهاءً بمؤتمر القاهرة الأخير مروراً بمؤتمر عمان وخارج منطقة الشرق الأوسط يعتبر المنتدى حالياً طرفاً رئيسياً في تعزيز اتجاه « العولمة » أو « العالمية » فعنوان ملتقى دافوس الأخير « المجتمع الدولي المتصل » والمواضيع التي نوقشت في الملتقى سواء في الجلسات العامة الرئيسية أو في اللقاءات المصغرة ( أو ما يسمى ورشات عمل ) التي تأخذ عادة طابعاً غير رسمي حسب تقاليد الملتقى توحي بذلك ، فمحاور المؤتمر الرئيسية والفرعية كانت شبه شاملة لأحوال العالم على المستويين الدولي والإقليمي ومن أبرز هذه المحاور :

  • التنمية والسلام في الشرق الأوسط : شارك في الحوار عدد من رؤساء الدول والحكومات في المنطقة ومن أهم النتائج التي توصل إليها المشاركون ترجيح استمرار حالة اللاحرب و اللاسلم في الشرق الأوسط خلال عام 1997 .
  • الدور العالمي لأوروبا و علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية : شارك في الحوار عدد من المسؤولين والمهتمين وفي مقدمتهم جاك سانتير رئيس المفوضية الأوروبية و مما قاله سانتير بأنه يتوقع أن تنافس العملة الأوروبية الموحدة الدولار الأمريكي كعملة عالمية لكن ستبقى علاقات أوروبا وأمريكافي تطور مستمر. فالاستثمارات الامريكية في أوروبا تبلغ نحو 39% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية الموظفة في القارة الأوروبية، كما أن الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة الأمريكية هي بحدود هذه النسبة وخلص إلى الاستنتاج نريد- أي الأوروبيين – شراكة مع الأمريكيين .
  • مكافحة الفقر : من أبرز المتحدثين في هذا الموضوع كان أمين عام الأمم المتحدة الجديد كوفي عنان حيث قال بأنه لايزال هنالك نحو 60% من سكان العالم يعيشون بأقل من دولارين يومياً و أن مستوى الحياة قد تراجع أواسط التسعينيات في نحو 100 دولة عما كان عليه أوائل الثمانينيات وطالب عنان بشراكة دولية مع الأمم المتحدة  لمكافحة الفقر.
  • تكنولوجيا الاتصالات ( شبكة الانترنيت – نظام فيديو المؤتمرات الجديد – أوتوسترادات المعلومات …. وغيرها ) . من أبرز المشاركين في الحوار حول هذه القضايا كان بيل غيتس الثري الأمريكي الشهير ورئيس مجلس إدارة شركة مايكروسوفت . كان موضوع الرقابة على تدفق المعلومات من المواضيع التي أثارت خلافاً حاداً فهنالك  من يعتقد بضرورة السماح لأكبر كم ممكن من المعلومات بالتدفق بأفضل نوعية و بأسرع الطرق وهنالك من يجد آثاراً سلبية لذلك فيدعو للاتفاق على شكل من أشكال الرقابة على تكنولوجيا المعلومات .
  • التجانس والخصوصية : في عالم تسقط الجدران والحواجز فيه تكنولوجيا المعلومات السريعة التطور هنالك من يستطيع امتلاك هذه التكنولوجيا ونشرها على نطاق واسع وهنالك من لا يستطيع نتيجة لذلك ظهر لدى بعض المشاركين في الملتقى خشية واضحة من طغيان ثقافة ونمط حياة الطرف الذي يستطيع يرافقه ذوبان الخصوصية الوطنية أو القومية للطرف الذي لا يستطيع وقد كان ذلك موضوعاً للخلاف في الملتقى .

بالإضافة إلى ما سبق تضمن جدول أعمال الملتقى عدداً كبيراً من العناوين التي كانت موضوعاً للحوار في جلسات الملتقى الرئيسية وورشات عمله ، مثل :

  • الأمن الآسيوي ( مشكلة كوريا وتايوان ) .
  • النمو الصيني .
  • المخدرات و الجريمة .
  • التلفزيون والانترنيت .
  • التكنولوجيا الرقمية … وغير ذلك .

تأسيساً على كل ما سبق يمكن القول بأن المنتدى الاقتصادي العالمي وملتقاه السنوي في دافوس بدأ فكرة وتحول إلى ملتقى لرجال الأعمال وتطور إلى منتدى عالمي يتلخص دوره بالمساهمة في صياغة عالم يعتبر الفرد فيه مولد التطور وغايته .

وبصرف النظر عن الرأي في ما يريد المنتدى الترويج له أو الوصول إلية إلا أن متابعة أطروحات المنتدى ونشاطاته ضرورة يستدعيها دوره المتنامي في صياغة لغة العصر لغة لابد من التعامل معها حتى ولو اعتبرت نشازاً غريباً ثقيلاً على السمع غير محبب للنفس .

 

الدكتور محمد توفيق سماق