تحية للخلف وتحية للسلف ــ المقال رقم /67/

صحيفة تشرين– دمشق – سورية

العدد :  7659  تاريخ  3/2000/ 25

قبل أيام – وبنتيجة التغيير الحكومي – تركت نخبة من أخوة ورفاق لنا مواقع المسؤولية الرسمية لنخبة أخرى تتحمل أعباءها وتمارس مهامها ، ذلك من طبائع الأشياء وسنن الحياة  فالأيام تتوالى والسنون تتغير والأجيال تتعاقب ، وهذا ما يجعل التغيير ثابت الحياة الوحيد فتحية لكلا الجمعين الخلف والسلف .

السلف تحمل أعباء المسؤولية ومارس مهامها لسنوات عديدة ، اجتهد وعمل : فأصاب وأخطأ ، بادر وقصر ، نحج وأخفق ، هذا أيضاً من طبائع الأشياء وسنن         الحياة ، فالاجتهاد كما تنقل كتب التاريخ عن الإمام الشافعي ( صواب يحتمل الخطأ أو خطأ يحتمل الصواب) . أما العمل فسيبقى مقترناً بالخطأ وحتى بالخطيئة – أحياناً- إذ لا كمال لبشر (فكل ابن آدم خطاء) ، تحية السلف حق علينا لأن في ذلك :

– تحقيقاً لقيم العدل و الإنصاف ، وكلاهما _  كما يقال ـ أساس الملك (أو الحكم).

-تأسيساً وترسيخاً لتقاليد حضارية في عملية تداول السلطة تقوم في جوهرها على اعتبار التداول ضرورة للتطور وليس رغبة في الإقصاء ، وشرطاً للارتقاء وليست نزعة للإلغاء.

-حافزاً للخلف للممارسة مهامه بضمير مطمئن لأن الغد سيحكم له أو عليه وفق تقاليد حضارية قائمة على العدل والإنصاف . قد يبدو الحديث عن الغد غريباً بهذه المناسبة ، لكن علينا جميعناً ألا ننسى بأن سلف اليوم كان خلف بالأمس / وتلك الأيام نداولها بين الناس /.

أما الخلف فحقه علينا  أيضاً أن نرحب به ونحييه فهو حامل المسؤولية ومعقد الأمل، وبالمقابل  حقنا عليه أن يصغي باهتمام لما نأمله ونعمل جميعاً لتحقيقه ، فتقابل الحقوق يضمن توازن العلاقة بين الطرفين : الوطن والمواطن.

فماذا نأمل ويجب أن نعمل كي يتحقق؟

المزاج العام لدينا يريد الإصلاح ويريد التحديث . نحن نريد الإصلاح لأن هنالك الكثير مما أفسدته الحياة فينا أو أفسدناه نحن في حياتنا . ونحن نريد التحديث لأن العصر يدعونا إليه ، وتجاهل دعوة العصر قد يحمل وعداً بالاغتراب عنه أو موعداً مع مجاهليه ؟ وهذا بطبيعة الحال ما لا نرغب به ولا نرضاه.

 

الإصلاح

أبرز قضايا الإصلاح – فيما أرى – يمكن تصنيفها تحت العناوين الآتية:

  • الإصلاح الاقتصادي : لقد عملنا في الماضي وأنجزنا وهذا ما حول اقتصادنا لماكينة كبيرة الحجم، عيبها أنها لا زالت بطيئة الحركة محدودة الفاعلية . فلنحاول تسريع حركة آلتنا الاقتصادية وتحسين أدائها . إن تحقيق ذلك يقتضي توفير قائمة من المستلزمات بعضها عاجل لا يحتمل مزيداً من الانتظار ، وبعضها آجل يحتاج إلى وقت وصبر وعمل ، من ذلك: التعامل السريع والجاد مع مشكلة الركود ، زيادة الأجور والرواتب ، إعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام ، الحد من الوصايات على النشاط الاقتصادي ، عقلنة الرقابة ، إصلاح الجهاز المصرفي ، تطوير مناخ الاستثمار ، حسم التردد فيما يتعلق بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

في الآونة الأخيرة كتب و قيل الكثير في هذا السياق ، مما يجعل من إعادة الحديث في التفصيلات تكراراً لن يضيف جديداً ذا أهمية.

  • الإصلاح القانوني : المقصود هنا ليس استعراض النصوص والتشريعات التي تحتاج إلى تعديل أو تطوير . فلا شك بأن هنالك الكثير من أصحاب الاختصاص والكفاءة ممن هم أكثر قدرة على القيام بهذا العمل ، لكن ما أرى أن يوضع في صلب الاهتمام في المرحلة القادمة إعادة فتح الحديث والحوار حول قضية سبق وتم تناولها في أكثر من مكان ومناسبة ، هي : كيف يمكن أن نعزز من سيادة القانون ؟

إذا قُدر لحديث القانون وحواره أن يعاد فتحه فأرى أن تتم صياغة السؤال السابق أيضاً  بشكل أكثر وضوحاً وتحديداً ، ليصبح : كيف يمكن أن نعزز من سيادة القانون ونقلص  من سلطة النفوذ؟

  • الإصلاح الاجتماعي : في جميع دول العالم يوجد – بحق أو بغير حق – أنماط مترفة  من الحياة ، ولدينا نحن شيء من هذا بفعل الزمن وتراكماته. ما يستوقف المرء في حالتنا ويدهشه – أحياناً – هو أن تقوم أجهزة الدولة ومؤسساتها بتغذية هذا الترف ( مثلاً : السيارات الفارهة وبأعداد غير مبررة )، مما يستدعي مراجعة متبصرة لهذه الظاهرة تعزيزاً لتراضي المجتمع وسلامه.

التحديث

أما عن التحديث فأعود لأقول بأن العصر يدعونا إليه . المدخل لذلك هو تحديث نظرتنا لمتغيرات العصر وحقائقه ، فهي ليست ناد أو جمعية ندخلها حينما نشاء ونخرج منها عندما نرغب بل واقع يتطلب تكييف أنفسنا وإعدادها للتعامل معه. إذا قدر للتحديث أن يكون مشروع اللحظة فمجالات حياتنا التي يمكن أن تشملها عملية التكيف عديدة ومتنوعة ، أما بالنسبة للأولويات فربما كان للإعلام الأولوية في هذا السياق باعتباره الوسيلة الوطنية الأهم لتقديمنا إلى العالم وتقديم العالم إلينا ، في عصر الثنائية القطبية ظهر نمطان في تكوين الرأي العام :

النمط السوفيتي وهو ما يمكن أن نسميه الإعلام بالإعلان ،  والنمط الغربي وهو ما يمكن أن نسميه الإعلام بالحوار.

الإعلان ترويج أو تلقين لمقولة ، أما الحوار فهو اتصال بين فكرتين أو تأثير متبادل بين رأيين : الرأي والرأي الآخر.

مع غياب الاتحاد السوفيتي غاب النمط الإعلامي السوفييتي إلا أن إعلام دول الجنوب ظل متأثراً بدرجات متفاوتة بذلك النمط . كثير من أعلام  الصحافة و الرأي يعتبر أن شرط تحديث إعلام الجنوب هو القبول بنسيان لغة الماضي  ( لغة الإعلان) ، ومحاولة إتقان لغة الحاضر ( لغة الحوار ) مع إتقان ما تستدعيه من استيعاب للرأي والرأي الآخر ، ذلك – على ما يبدو – تحدي التحديث الإعلامي : فهل نستجيب للتحدي وهل ننجح في ذلك ؟

 

 

الدكتور محمد توفيق سماق