توسيع الاتحاد الأوروبي … المقدمات والنتائج هل تكون وحدة الآخرين ملهماً لنا لمزيد من التكتل أو الاتحاد ــ المقال رقم /85/

صحيفة الاقتصادية – دمشق – سورية  

العدد : 85 – تاريخ23/2/2003

اتخذ المجلس الأوروبي ( أو ما يسمى إعلامياً بقمة الاتحاد الأوروبي ) المنعقد في 12/2002 / 13ــ 12 في مدينة كوبنهاغن ( الدانمارك ) قراراً يقضي بقبول انضمام عشر دول أوروبية للاتحاد اعتبار 1/5/2004 ، وهذه الدول هي : استونيا – بولونيا –  تشيكيا – سلوفاكيا – سلوفينيا – قبرص – لاتفيا – ليتوانيا – مالطا – هنغاريا .كما قررت القمة أيضاً النظر والتدقيق في توفر المعايير السياسية المطلوبة للانضمام للاتحاد الأوروبي لدى تركيا ، وذلك في قمة الاتحاد المقرر عقدها في 12/2004 ، وفي حال استطاعت تركيا حتى ذلك الوقت إقناع دول الاتحاد بتوفر تلك المعايير لديها يمكنها البدء بمفاوضات الانضمام إلى الاتحاد بدءاً  من عام 2005. كذلك قررت القمة تأجيل البث في انضمام رومانيا وبلغاريا إلى وقت آخر ، لكونها لا تستجيبان لمعايير الانضمام إلى الاتحاد خاصة ما يتعلق بمكافحة الفساد حسب رأي المفوضية الأوروبية . عملية توسيع الاتحاد هذه تعتبر الأكبر في تاريخه منذ اتفاقية روما لعام 1957المنشئة للسوق الأوربية المشتركة ، وقد وصف لوي ميشيل وزير خارجية بلجيكا الحالي العملية  بـ ” إعادة  توحيد أوروبا ” . ربما قصد الوزير البلجيكي إعادة توحيد أوروبا بعد تقسيمها بنتائج الحرب العالمية الثانية بين غرب وشرق ، وربما قصد أبعد من ذلك أي تفتت أوروبا وتمزقها بالحروب والصراعات بين الدول المتنازعة والأسر الحاكمة إثر تقسيم الإمبراطورية الفرنكية ( أو ما نسميه نحن بإمبراطورية الفرنجة ) إلى مملكة غريبة وأخرى شرقية حسب معاهدة فردان في  عام 843 . أياً كان القصد فلا شك أن عملية التوسع الحالية تعتبر شكلاً ناجحاً من أشكال إعادة التوحيد ،   فما المقدمات التي أوصلت أوروبا إلى النجاح وما النتائج المحتملة له ؟

1- المقدمات

هدف مصممو مشروع الاتحاد الأوروبي ومؤسسوه إلى خلق تكتل اقتصادي وسياسي يوفر الأمن والاستقرار والازدهار لشعوب القارة الأوروبية . منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وحتى الآن عملت أوروبا بجد وثبات لتحقيق هذا الهدف ، حيث مرت جهودها بعدد من أطوار التكوين والتشكيل أبرزها:

  • تأسيس المنظمة الأوروبية للفحم والفولاذ ، التي تم التوقيع على اتفاقية إنشائها في باريس 18/4/1951 ، ودخلت حيذ التنفيذ في بداية عام 1952 . وقد وقع على اتفاقية التأسيس 6 دول هي : بلجيكا ، فرنسا ، ايطاليا ، اللوكسمبورغ ، هولندا ، وألمانيا الغربية ( سابقاً )
  • إنشاء السوق الأوروبية المشتركة ، التي تم التوقيع على اتفاقية إنشائها من الدول الست الآنفة الذكر في روما (ايطاليا) بتاريخ 25/3/1957 ، ودخلت حيز التنفيذ مع بداية عام 1958 .
  • تأسيس المنظمة الأوروبية للطاقة النووية ، التي تم التوقيع –في روما – على اتفاقية إنشائها من الدول الست المذكورة ، في الوقت الذي وقعت فيه اتفاقية إنشاء السوق الأوروبية المشتركة .
  • تأسيس المجموعة الأوروبية عن طريق دمج الاتفاقات السابقة في اتفاقية واحدة في عام 1967 ، نتج عنها ما صار يعرف باتفاقية تأسيس المجموعة الأوروبية ، والمنظمة الوليدة عنها المجموعة الأوروبية .
  • توقيع الوثيقة الأوروبية ، إذ اتفقت دول المجموعة الأوروبية في اجتماع عقدته في ( 3/12/1986ــ 2 ) على توقيع ما سمي بالوثيقة الموحدة التي استهدفت تسريع خلق السوق الأوروبية الواحدة الكبيرة ، أو ما صار يعرف لاحقاً بـ “أوروبا بلا حدود ” .
  • اتفاقية إنشاء الاتحاد الأوروبي التي تم توقيعها في مدينة ماستريخت الهولندية في اجتماع لقادة المجموعة الأوروبية عقد خلال الفترة (10/12/1991 ـ 9 )، ثم تم توقيعها في صورتها النهائية من وزراء الخارجية والمال لدول المجموعة في المكان نفسه بتاريخ 7/2/1990 دخلت المعاهدة حيز التنفيذ اعتباراً من 1/11/1993 ، وتحول اسم “المجموعة الأوروبية ” إلى  ” الاتحاد الأوروبي ” اعتباراً من ذلك التاريخ .
  • توقيع اتفاقية شراكة بين دول السوق الأوروبية المشتركة وتركيا في 1/12/1964 ،وبعد تحول السوق إلى المجموعة الأوروبية تم توقيع اتفاق آخر إضافي بين المجموعة وتركيا في 1/3/1973 ، وفي 31/12/1995 وقعت تركيا مع الاتحاد الأوروبي اتفاقية إنشاء اتحاد جمركي بين الطرفين . وفي 1/4/1971 وقعت المجموعة الأوروبية اتفاق شراكة مع مالطا تم تطويره باتفاق إضافي آخر في 1/1/1978 .ومع قبرص شهدت العلاقة مساراً مشابهاً حيث وقع اتفاق شراكة بين قبرص والمجموعة الأوروبية في 1/6/1973 تم تطويره باتفاقين إضافيين ، وقع الأول في 1/6/1978 ووقع الثاني في 1/1/1988 .
  • بعد انتهاء الحرب الباردة توجه الاتحاد لفتح أبوابه نحو أوروبا الشرقية التي كانت في العصر السوفييتي جزءاً من منظومة الدول الاشتراكية . ففي قمة الاتحاد التي عقدت في كوبنهاغن (6/1993 ) أقرت وثيقة تضمنت مجموعة من المعايير الواجب توفرها بالدول الأوروبية الراغبة بالانضمام إلى الاتحاد ، حيث عرفت الوثيقة فيما بعد بـ ” معايير كوبنهاغن ” . من أبرز ما تضمنته تلك المعايير : وجود واستقرار نظام ديمقراطي -المحافظة على حقوق الإنسان – حماية حقوق الأقليات – الأخذ باقتصاد السوق – إطلاق قوى السوق – تشجيع المنافسة العادلة –الوفاء بالالتزامات المترتبة على العضوية في الاتحاد خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والنقدية . وبهدف تهيئة الدول الراغبة بالانضمام وقع الاتحاد اتفاقيات شراكة معها وفق التسلسل الزمني الآتي : بولونيا وهنغاريا (في 1/2/1994 ) – بلغاريا وتشيكيا ورومانيا   ( 1/2/1995 ) – استونيا ولاتفيا وليتوانيا ( 1/2/1998 ) – سلوفينيا (1/2/1999 ) . من جملة ما تضمنته اتفاقات الشراكة تلك : فتح حوار سياسي دوري بين الاتحاد وتلك الدول – إقامة مناطق تجارة حرة بين الطرفين – تعميق التعاون بينها في المجالين الاقتصادي والثقافي – التحرير التدريجي لقطاعات الزراعة في الدول طالبة الانضمام .

وبالمقابل تقديم مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي للدول الراغبة في الانضمام على أن يتم صرفها في أوجه محددة ، منها تحسين أداء الأجهزة الإدارية والمؤسسات القانونية – تمويل بعض الأنشطة الاستثمارية – دعم قطاعات الزراعة والمواصلات والبيئة .

خصص الاتحاد لتمويل برامج المساعدة تلك مبلغ 11 مليار يورو خلال الفترة (1990-1999 ) ، و12,8 مليار يورو خلال الفترة  (2000-2006 ). أي أن الاتحاد أعتمد بالإضافة إلى توظيف العوامل المشتركة ( جغرافية وسياسية وثقافية ) بين دوله والدول المرشحة للانضمام سياسة الإغراء بالمساعدات المالية لتوجيه التطور في تلك الدول وضمها بالمحصلة إلى عضويته في قمة كوبنهاغن الأخيرة .

2- النتائج :

يقترن حدث توسيع الاتحاد بالعديد من النتائج والاستنتاجات ، منها :

  • بانضمام الدول الجديدة ستزداد مساحة الاتحاد من 3,2 ملايين كم2   ( إجمالي مساحة الـ15 دولة الأعضاء حالياُ ) إلى نحو 3,9 ملايين كم2 (تبلغ مساحة الدول العشر الجديدة 738316 كم2 ) ، كما سيزداد عدد سكانه من حوالي 375 مليون نسمة حالياً إلى نحو 500 مليون نسمة ( تشكل نحو 8,3% من سكان العالم ) . يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد الـ 15 حوالي 8278 مليار دولار أمريكي وللدول العشر الجديدة نحو 331 ملياراً ، وبذلك يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للدول الخمس والعشرين نحو 8609 مليارات دولار أمريكي ( تشكل نحو 29,5% ) من الدخل العالمي ، وبذلك يصبح الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر اتحاد في العالم   ( بعد الولايات المتحدة الأمريكية 8709 مليارات دولار ) من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي ( بيانات عام 1999 ) .
  • يلاحظ التفاوت الكبير في مستويات التطور الاقتصادي بين الدول الجديدة والدول القديمة المكونة حالياً للاتحاد . فإجمالي الناتج المحلي للدول العشر الجديدة    ( نحو 331 مليار دولار أمريكي ) أقل من الناتج المحلي الإجمالي لهولندا ( مساحتها 41865 كم2 وعدد سكانه نحو 15,5 مليون نسمة ) البالغ 385 مليار دولار في عام 1999 . لكن أوروبا لم تقف عند هذه الفوارق بين ( الوفرة والفقر ) وكأنها تعلن للعالم أن الأولوية لديها للهوية على الطبقة ، أغنياء كنا أم فقراء علينا أن ننتمي جميعاً إلى بيتنا الأوروبي المشترك . وبغية تقليص الفجوة بين سكان البيت الأوروبي التزمت دول الاتحاد الحالي بتقديم مساعدة مالية إلى الدول الجديدة الأفقر تبلغ نحو 40,72 مليار يورو تنفق على مدى السنوات القادمة حتى عام 2007 ، علماً أن قضية المساعدات المالية شكلت موضوعاً جوهرياً للخلاف كادت أن تودي بعملية توسيع الاتحاد حالياً . إذ إن بعض الدول الجديدة – خاصة بولونيا – كانت تطالب بزيادة حجم هذه المساعدات لكن جرى التوافق بالنهاية على المبلغ المشار إليه سابقاً الذي سيخصص لدعم عدد من القطاعات والمجالات ، منها قطاع الزراعة – قطاعات البنية التحتية – تحسين مستوى أمان منشآت الطاقة الذرية – إنشاء منظومة أمنية فعالة على الحدود الخارجية للدول الجديدة . كان موقف المستشار الألماني غيرهارد شرودر حاسماً في هذا المجال عندما قال في قمة كوبنهاغن : علينا ألا نضيع الفرصة التاريخية المتاحة ( أي توسيع الاتحاد ) لأسباب مالية . فهل يقتدي أغنياؤنا العرب أفراداً ودولاً بموقف شرودر ليدركوا بأن للقرابة حقوقاً وعلى الغني التزامات ؟ أم أن حقوق القربى والتزامات الغني اختصاص ألماني فقط ؟
  • بإعلان قمة كوبنهاغن استعداد الاتحاد لبدء مفاوضات مع تركيا لضمها إلى عضويته إذا استطاعت حتى عام 2004 أن تفي بمعايير كوبنهاغن تكون مسألة انتماء تركيا الأوروبي قد حسمت بعد إلحاح تركي على أوروبا للاعتراف بانتمائها للقارة الأوروبية استمر منذ أوائل العشرينيات من القرن الماضي ن أي منذ زمن مصطفى أتاتورك . تبلغ مساحة تركيا 779452 كم2 (منها 97% في آسيا و3% فقط في جنوب شرق أوروبا) وها هي اليوم تحصل من قمة كوبنهاغن على ما أرادته منذ عقود وهو استبدال بجنسيتها الجغرافية الآسيوية جنسية سياسية أوروبية؟ كانت تركيا تحاجج معترضة بأن الاتحاد الأوروبي ناد مسيحي وأن السبب الجوهري لرفضه عضويتها يكمن في هويتها الإسلامية ، فكان جواب القمة بأن الدين ليس من معايير الانتماء للاتحاد بل السياسة والاقتصاد. لذلك طلب من تركيا إعادة ترتيب أوضاعها السياسية والاقتصادية لمنحها عضويته ومما طلب من تركيا : تعزيز نظامها الديموقراطي – تراجع دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية – احترام حقوق الأقليات – إلغاء التعذيب في السجون – تطوير أدائها الاقتصادي . وبالمقابل الوعد بالإضافة إلى عضوية الاتحاد بالاستمرار بتقديم المساعدات المالية السخية علماً  أن تركيا تعتبر حالياً من الدول الرئيسية المتلقية للمساعدات الأوروبية . حيث حصلت على 8,2 مليارات يورو في عام 2001 تلتها اسبانيا التي حصلت على 7 مليارات يورو في العام نفسه ، أي أن تركيا كما يقول بعض الأوروبيين دولة مكلفة لهم . إذا سارت الأمور كما هو متوقع فمن الممكن أن تبدأ تركيا مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى عضويته خلال عام 2005 ، ومن المرجح – حسب بعض المصادر الأوروبية – أن تستغرق تلك المفاوضات نحو (7-8 سنوات ) أي أن تركيا ستحصل على هويتها الأوروبية ممهورة بخاتم الاتحاد الأوروبي ( عام 2012 أو 2013 ) .

إذا حدث ذلك فستصبح سورية دولة جوار وتماس جغرافي مع أوروبا وسيكون العامل الأوروبي جزءاً من مكونات علاقاتنا مع تركيا مما يستدعي – وفق ما أرى – التأمل في الوضع الجديد والإعداد لضروراته.

  • ما يستحق التوقف في قرارات القمة أيضاً هو تأجيل البت في انضمام رومانيا وبلغاريا إلى وقت آخر ، لعدد من الأسباب من أهمها انتشار الفساد لديها وعدم كفاية جهودها لمكافحته. فاعتماد مكافحة ظاهرة الفساد وانتشارها معياراً في العلاقات الدولية يستدعي التفكير جدياً في الظاهرة ومواجهتها أسباباً وأشكالا ليس فقط اتقاء لشرورها المدمرة داخل الدولة المعنية بل أيضاً دفعاً لآثارها الخطرة على علاقة تلك الدولة بالعالم الخارجي ، خاصة عالم الغرب الصانع للقرار العالمي والقادر على تنفيذه .
  • وبالنسبة للعلاقات ( السورية- الأوروبية ) ، ربما كان توسيع الاتحاد حافزاً للطرفين ( السوري والأوروبي ) لتنشيط عملية التفاوض بينهما حول اتفاق الشراكة المنتظر ، وذلك بالبحث عن حلول للقضايا العالقة مما يساعد على توقيع اتفاق متوازن قبل عام 2004 . فبعد ذلك التاريخ سيكون التفاوض بين سورية و25 دولة لكل منها ضروراتها ومتطلباتها؛ مما يجعل الاتفاق أكثر تعقيداً وأكثر صعوبة .

أخيراً ونحن نتحدث عن إعادة توحيد أوروبا يلح على الذهن التساؤل الذي طالما كررناه نحن العرب في مناسبات أخرى عديدة وهو :

هل تكون وحدة الآخرين ملهماً لنا لمزيد من التكتل أو الاتحاد ؟ لنأمل ذلك استجابة لدواعي الجغرافيا وحقائق التاريخ وضرورات الحاضر …

فنماذج الآخرين إن لم تكن ملهمة لنا قد تكون محرجة للكثيرين منا !

 

 

الدكتور محمد توفيق سماق