ثلاثية الفقر والغنى والمواطنة ــ المقال رقم / 134/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   13997 تاريخ  8/2009/ 18

 

* ملاحظة :

ما هو مشور هنا هو النص الأصلي للمقال . قامت صحيفة الثورة عند نشر هذا المقال بتعديل بعض فقراته ، تجنباً لإثارة حساسية البعض مما ورد فيه  كما بررت إدارة الصحيفة ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال رقم /134/

تشير بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2008 إلى أن نسبة الفقراء تبلغ 40% من عدد السكان في الدول العربية الأقل نمواً  وهي السودان _اليمن _ موريتانيا_ فلسطين _الصومال _ جيبوتي _ جزر القمر ، وحسب التصنيفات الدولية يعتبر فقيراً من يبلغ دخله اليومي دولار أمريكي واحد فما دون . ويشير المصدر نفسه إلى أن نسبة الفقراء تتراوح بين 10و20% من عدد السكان في الأردن،سورية،مصر والمغرب وتبلغ حوالي 10 % في تونس ، الجزائر ولبنان . أما بالنسبة لدول الخليج العربي فليس هنالك بيانات متاحة يمكن إيرادها عن مستوى الفقر ونسبة الفقراء .

بالمقابل أوردت بعض المصادر الدولية كمجلة فوريس الأمريكية التي تهتم بشؤون الأثرياء في العالم إلى أنه مطلع عام 2009 كان هنالك 28 ملياردير عربي يملكون حوالي 102 مليار دولار أمريكي ، يتقدمهم الأمير السعودي الوليد بن طلال بثروة قدرت  بـ 21,3مليار دولار خسر منها بتأثير الأزمة المالية العالمية نحو 8 مليار دولار . ذلك يعني أن ثروة الوليد بن طلال كانت تعادل الناتج المحلي الإجمالي للبنان البالغ  21,9مليار دولار أمريكي عام 2005 كما تعادل 50% من الناتج المحلي الإجمالي لسورية عام 2007 .

إن ثروات الأغنياء العرب الـ28المشار إليهم سابقاً تقارب الناتج المحلي الإجمالي لمصر (78 مليون نسمة ) المقدر بحوالي 104 مليار دولار أمريكي عام 2008 ، كما أن ثرواتهم تستطيع سداد 68% من إجمالي الدين الخارجي الرسمي للوطن العربي بدوله الـ22 البالغ 150 مليار دولار أمريكي عام 2007 .

ربما يتبادر لذهن البعض السؤال التالي : هل هذه الأرقام الفلكية عن الثروات والبيانات المحزنة عن الفقراء موجودة في الوطن العربي فقط ؟

الجواب طبعاً لا فالتناقضات الطبقية موجودة منذ أن وجدت الملكية وهي موجودة حالياً بدرجات متفاوتة في جميع مناطق ودول العالم إلا أن مشهد الفقر والغنى العربي يثير لدى الدارس والمحلل جملة من الأسئلة ، منها :

ما هي مشروعية تلك الثروات ؟

ما هو مصير الفقراء العرب ؟

ما أثر ذلك المشهد على شعور المواطن العربي بالانتماء ؟

الوطن العربي من المناطق النامية في العالم فدوله لم تعرف ذلك التطور العلمي والتقدم التكنولوجي الذي أنتج ثورات العصر الصناعية المتعاقبة وتراكمها الرأسمالي الهائل بغناه وأغنيائه كما هو الحال في الدول المتقدمة صناعياً . فالجزء الأكبر من ثروات الوطن العربي مصدره باطن الأرض ( نفط _فوسفات….) وهذه بدورها مملوكة للدولة مما يضع تلك الثروات الأسطورية وما قاربها موضع الشبهات حيث يعتبرها البعض الابن الشرعي لزواج غير شرعي بين الفساد والسلطة ؟ ومما يفاقم من سواد المشهد هو أن الفقراء العرب متروكون لقدرهم ، بينما نجد في الدول الأوروبية فوارق طبقية لكن بالمقابل توفر الدولة للفقراء مادياً أو ما يسمون بالضعفاء اجتماعياً شبكات حماية اجتماعية (تعويض بطالة _تأمين صحي _ تأمين ضد العجز أو الشيخوخة …) أي أن المجتمعات الأوروبية تمكنت من الوصول إلى تسوية تاريخية بين الفقر والغنى أتاحت إنتاج صيغة من التعاقد المرن بين المترفين والمحرومين كفلت توازن المجتمع وضمنت استقراره وحرضت على تطوره وساعدت على ازدهاره .

الحال في الدول العربية بخلاف ذلك فالفقراء كما أشرنا تُركوا ليواجهوا أقدارهم منفردين خاصة مع سيادة نهج اقتصاد السوق وتراجع دور الدولة مما انعكس سلباً على علاقة المواطن بوطنه ، فالبعض بحث عن خلاصه الشخصي بالهجرة إلى أوروبا وأمريكا وآخرون اختاروا التعايش مع الحرمان وهم مشبعون بالحسرة مفعمون بالنقمة وبعضهم اختار سبيل العنف من خلال منظمات التطرف وتنظيماته مما حول المشهد العربي إلى لوحة سريالية حار العرب أنفسهم والعالم من حولهم في فك رموزها .

أختم بالقول إن الغنى غير المشروع والفقر غير المبرر هو من رسم تلك اللوحة فالإمام علي بن أبي طالب يقول :

” الفقر في الوطن غربة والمال في الغربة وطن “

 

                                                    الدكتور محمد توفيق سماق