حرية السوق وحرية الجوع ـــ المقال رقم /122/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   13634 تاريخ  6/2008/ 10

 

نشرت صحيفة النور ( صحيفة الحزب الشيوعي السوري ) بعددها رقم  346 تاريخ 18/6/2008 مقالاً  آخر لمحررها الاقتصادي  حول هذا المقال حمل نفس العنوان    ( حرية السوق و حرية الجوع ) . أشار فيه إلى بعض الأفكار و المقولات الواردة في المقال إضافة لآراء  بعضٍ من أبرز الشخصيات الاقتصادية و السياسية العالمية  ، منهم مارغريت تاتشر ( رئيسة وزراء بريطانيا خلال الفترة 1979 – 1990 )  . تقول تاتشر :                   ” مهمتنا بلوغ المجد في سياق اللامساواة ، لا نعبأ بالمتخلفين في سياق المنافسة . إن الناس غير متساوين وذوو الحظ العاثر يستحقون ما يصيبهم ”  .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال رقم /122/

شغل العالم في الآونة الأخيرة ما اصطلح على تسميته أزمة الغذاء، الناجمة عن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية مما دفع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة  ( فاو) للدعوة لمؤتمر عالمي افتتح في مقرها في روما بتاريخ 3/6/2008 بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ونحو 50 من قادة العالم ( رؤساء دول ورؤساء حكومات ) بالإضافة الى وفود أخرى تمثل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة . كان جدول أعمال هذا المهرجان العالمي يتمحور حول لفت انتباه العالم لخطورة أزمة الغذاء تلك مع تبادل الرأي في أسبابها  والبحث في أنجع السبل للتخفيف من آثارها أو احتوائها إن أمكن .

رئيس البنك الدولي روبرت زوليك الأمريكي الجنسية حذر ( مشكوراً ) من أن أزمة الغذاء ليست ظاهرة وقتية إنما قد تستمر حتى عام 2015 مشيراً الى أن هذه الأزمة ستدفع بمئة مليون شخص إضافي في البلدان الفقيرة الى خط الفقر . كذلك مدير صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس الفرنسي الجنسية تضامن في تصريحاته مع زميله رئيس البنك محذراً من أن موجة الغلاء العالمية يمكن أن تطيح بديمقراطيات قائمة وتدمر اقتصاديات كثير من الدول الفقيرة ، فالشكر موصول أيضاً لمدير الصندوق لنزعته الإنسانية المفاجئة وموقفه التضامني المباغت مع فقراء العالم ودولهم ؟ !

الأسباب المعلنة لأزمة الغذاء هذه عديدة كما يقول الكثير من المسؤولين الدوليين ، منها : ارتفاع أسعار النفط _ انخفاض سعر الدولار _ الوقود الحيوي _ العوامل المناخية …. لاشك بأن لتلك الأسباب أثر في أزمة الغذاء العالمية ، إلا أنها لا تكفي لوحدها لتفسير الارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية والشواهد على ذلك عديدة منها :

ارتفع سعر برميل النفط في فترة السبعينيات من القرن الماضي من 3 دولار أمريكي قبل حرب تشرين عام 1973الى 36 دولار في عام 1980 ، ولم يؤدِ ذلك الى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية . كما أن سعر صرف الدولار الأمريكي تجاه العملات الأخرى في حالة دائمة من عدم الاستقرار . فمثلاً بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي حوالي 3 مارك ألماني أوائل سبعينيات القرن الماضي ثم بدأ بالانخفاض حتى وصل الى حوالي ماركين وأحياناً أقل أوائل الثمانينيات مما دفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع سعر الفائدة الى حوالي 7% ، ولم ينتج عن ذلك قفزة في أسعار المواد الغذائية . أما بالنسبة للوقود الحيوي فلا أظن بأن لذلك أثر كبير حتى الآن فالأمر بمجمله لا زال قيد التجربة والبحث فكميات الحبوب المستخدمة لإنتاجه قليلة نسبياً تقدر بمئات آلاف الأطنان ، بينما يقدر الإنتاج العالمي من الحبوب بالمليارات حيث بلغ 2.3 مليار طن عام 2004 . أما العوامل المناخية فهي دائمة التقلب وتؤثر بلا شك على كميات الإنتاج لكنها لم توصل في أي فترة زمنية سابقة الى أزمة مشابهة لما يعيشه عالم اليوم . أما العامل الآخر والأهم _ وفق ما أرى _ هو عامل قديم جديد يتلخص في انفلات الأسواق مع تراجع دور الدول في الحياة الاقتصادية . الاقتصاد الرأسمالي أو الليبرالي اقترن عبر تاريخه بالأزمات التي كثيراً ما وجدت حلولاً لها في الحروب أو تقييد حرية الأسواق . فأزمات رأسمالية القرن العشرين أنتجت حربين عالميتين كما أنتجت مطالبة الاقتصادي الانكليزي الشهير كينز الدولة بالتدخل لضبط عشوائية قوى السوق بعد أزمة 1929 ، و التي بدأت بانهيار سوق الأسهم في وولستريت في نيويورك .

فهل سيعيد التاريخ نفسه أم سيظهر من منظري الليبرالية كينز جديد يدعو الى عودة الدولة للتدخل لكبح عشوائية الأسواق ؟

بتجارب التاريخ وحقائق الوقائع يمكن القول بأن ذلك ضرورة لا بديل عنها ومطلباً آن أوانه إذا أردنا تجنب أزمة تلوح في الأفق ويحذر منها الخصوم التقليديون للدولة ودورها الاقتصادي ، أي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين ساهما بفساد نصائحهما المعروفة الى انحسار الدور الاقتصادي للدولة وإطلاق قوى السوق مما أوصل العالم الى أزمته الراهنة التي تهدد بمشهد اقتصادي قاتم ترسمه :

_ انهيارات اقتصادية في العديد من دول العالم خاصة الفقيرة منها .

_ جيوش من الفقراء والجوعى .

_ ثورات من الغضب والاضطرابات تعصف بالسلم الاجتماعي في العديد من دول العالم

حرية السوق تولد حرية الجوع لأن السوق لا قلب له ولا عواطف فالثروة فيه حق للأغنى والحرمان حق للأفقر . هذا هو حال البشرية منذ القدم فالإمام علي بن أبي طالب يحذر قائلاً :” ما متِّع غني إلا بما حرم منه فقير والله تعالى سائلٌ كليهما عن ذلك ” .

 

 

                                                       الدكتور  محمد توفيق سماق