حوار مع رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثامن للتنمية الصناعية في الدول العربية ــ المقال رقم /55/

صحيفة المؤتمر – صدرت في دمشق عن المؤتمر الثامن للتنمية الصناعية في الدول العربية .    

العدد :2 –   تاريخ 25/6/1998

صحيفة الثورة – دمشق  -سورية

العدد : 10612 تاريخ 24/6/1998

مجلة الشهر – باريس – فرنسا

العدد : 61 تاريخ /شهر 7/  1998

صحيفة الاقتصاد والإعمار   – بيروت – لبنان

العدد : 55 تاريخ  آب / 1998

أدلى الدكتور محمد توفيق سماق رئيس اللجنة التحضيرية بحديث صحفي للصحافة المحلية نقتطف بعضاً منه فيما يخص القضايا الساخنة على الساحة العربية :

العولمة ليست ظاهرة إمبريالية

  • مؤتمر التنمية الصناعية الذي تحتضنه دمشق حالياً جاء تحت شعار ( الصناعة العربية في ظل المتغيرات الدولية ) وكما هو معروف يعني هذا الشعار  – التكتلات الاقتصادية الدولية  الجديدة ، ويعني ( الغات )، ويعني العولمة …. الخ فهل تعتقد ان العرب بواقعهم الصناعي    الراهن ، بمقدورهم مواجهة هذه المتغيرات ؟!.

أولاً دعنا نتوقف عند مصطلح ( المواجهة ) أو ( التحدي ) الذي يستخدم كثيراً من جانب البعض ، فأنا لا أميل إلى استخدام مثل هذه المصطلحات ، ولسبب وحيد هو أن علينا أن  لا نعتبر جديد العصر (تحدياً) وإنما (استحقاقاً) ، فإذا اعتبرنا أن جديد العصر هو بمثابة تحدٍ ، فكأننا بهذه الحالة نضع أنفسنا في مواجهة التطور الإنساني أو البشري، وكما هو معروف فالعصور دائماً عملية تجدد وتجديد وعلينا تهيئة أنفسنا للتعامل مع متغيرات ومستجدات العصر لهذا فأنا لا أعتبر تلك القضايا تحديات ، وإنما هي استحقاقات فعلية ، يجب التعامل معها لا أن نواجهها . ثانياً قضية التعامل مع هذه المتغيرات ، قابلة بتقديري لأن تدرس تحت عنوان ( العولمة ) التي تعني ببساطة عالم بلا حدود النتيجة الأساسية لظهور مثل هذا المصطلح  مع اتساع انتشاره، هو تراجع دور الدولة القطرية ، وجعل العالم أكثر انفتاحاً لذلك نقول : إن هذه المتغيرات والمصنفة تحت كلمة (عولمة) هي ظاهرة عالمية ، وليس  – كما يقال – بأنها ظاهرة إمبريالية ، فعبر التاريخ كانت هناك عولمة ، وهذا على الأقل – رأيي الشخصي-.

العولمة كظاهرة والعولمة كتوظيف

  • ولكن ألا تعتقد أن (العولمة) هي شكل من أشكال الاستعمار : الاقتصادي الحديث ؟!

أنا لا أؤيد هذه المقولة ، وهناك أمران لا بد من تفصيلهما ، فهناك العولمة كظاهرة ، وهناك العولمة كتوظيف .  فالعولمة كظاهرة موجودة منذ خلق الإنسان ، وحتى الأديان السماوية ، كان الجانب التبشيري منها له جانب (عولمة) ففي القرآن الكريم هناك آية تقول : ” وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين ” وأيضاً قال السيد المسيح ” أنا لم آت لأدين العالم ، بل أتيت  لأخلص العالم ” . وإذا انتقلنا إلى العصور الحديثة ،كانت هناك دعوة كارل ماركس في القرن التاسع عشر ” يا عمال العالم اتحدوا ” أليست هذه العبارة عولمة  ؟! ألم يخاطب عمال العالم ككل . طبعاً ما يجري حالياً أمر آخر ، فالعولمة اليوم أصبح لها طابع شمولي ، فهي       لا تقتصر على مجال واحد من النشاطات الإنسانية ، لهذا كله – برأيي – العولمة هي النهج الهادف إلى إضفاء طابع عالمي على النشاط الإنساني ككل : ففي السابق كنا نتحدث عن عولمة قطاع من القطاعات ، فكارل ماركس تحدث عن ( الصراع الطبقي) وأستاذ علم الاجتماع الكندي ( مارشال ماك لوهان) صاحب مصطلح ( القرية العالمية ) تحدث حول (عولمة الإعلام) وأما (بريجنسكي) تحدث مطولاً حول (عولمة السياسة) . إذاً العولمة  كظاهرة ، وجدت منذ أن وجد الإنسان ، فالعالم كله عنده نزوع لأن يكون أكثر   سعادة ، بصرف النظر عن انتمائه الجغرافي أو حتى العقائدي فالقوى الكبرى في العالم تحاول اليوم توظيف هذه الظاهرة لمصلحتها . هذا أمر صحيح ، لكن هناك فرقاً جوهرياً بين أن تكون الظاهرة إمبريالية ، أو أن تحاول القوى القادرة والفاعلة في العالم توظيفها لمصلحتها. سأعطي على هذا الكلام مثالاً : في عصر من العصور كانت (بريطانيا ) وبلا منازع سيدة البحار والمحيطات في العالم ، مع ذلك لم تتحول البحار والمحيطات إلى ملكية بريطانية، فحالياً لا تملك بريطانيا من البحار والمحيطات ، إلا مثل ما تملكه أية دولة صغيرة مثل (مدغشقر )، أي المياه الإقليمية فقط . حالياً أمريكا هي سيدة الفضاء ، لكن هذا لا يعني أن الفضاء أصبح أمريكياً، فالعولمة ظاهرة عالمية تحاول القوى القادرة والفاعلة في العالم أن توظفها  لمصلحتها– هذا صحيح – لكن هذا لا يعني أن العولمة أصبحت ظاهرة إمبريالية تملكها القوى الإمبريالية الكبرى القادرة و الفاعلة في عالم اليوم .

  • والسؤال الجوهري هنا .. كيف نتعامل مع هذه الظاهرة؟.

  باعتقادي هناك ثلاثة خيارات أمام بلدان الجنوب والتي منها البلدان العربية . الأول: خيار المواجهة – والثاني : خيار الانعزال والثالث : خيار التكيف . فالمواجهة وفقاً لموازين القوى السائدة بين الشمال والجنوب ، هو خيار غير عملي ، وهو خيار معركة محسومة من حيث النتائج ، قبل أن تبدأ تلك المعركة.

أيضاً خيار العزلة والانعزال له أخطاره . ومن أبرز هذه المخاطر ، هو أن يخرج الداعون إليه من أطراف العصر كي يستقروا على رصيفه ، فدول الجنوب حالياً وبمعظمها ليست في مركز العصر وليست في قلبه – وهذا رأيي الشخصي – فمن ينعزل ، قد يجد نفسه في لحظة من اللحظات على رصيف العصر . لهذا يبقى الخيار الأكثر واقعية هو خيار التكيف ، وتوضيحاً لهذا الرأي ، فإن التكيف لا يعني الاستسلام ، فالاستسلام هو التسليم بواقع معين ، بينما التكيف هو التعامل مع هذا الواقع ، على أمل العمل من أجل تغيير موازين القوى السائدة في هذا  الواقع ، فالمطلوب من دول الجنوب ، التكيف مع ظاهرة العولمة ، إنما ضرورة محاولة تغيير موازيين القوى السائدة في عالم اليوم .

منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى

  • مؤتمر التنمية الصناعية الحالي سيعيد طرح مسألة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ، بحيث يسعى إلى تقريب المدة الزمنية كي تكون في عام 2005 بدلاً من عام 2007 كما هو مقرر لها . فيا ترى لماذا لا تكون المدة الزمنية أكثر قرباً؟!.

سبق وتحدثت في هذا الموضوع في وسائل الإعلام ، وقلت يفترض أن يبدأ العمل بمنطقة التجارة الحرة العربية  الكبرى على الأقل في عام 2005 لأنه بهذا التاريخ سيكون اتفاق مراكش قد وضع موضع التنفيذ فإذا تم الإقلاع بمنطقة التجارة العربية عام 2007 هذا سيعني بأننا متأخرون عامين عن موعد إطلاق اتفاق تحرير التجارة العالمية . وهذا الكلام سيعني على سبيل المثال ، أن التجارة بين ( الأردن والأوروغواي) ستكون محررة قبل أن تتحرر بين              ( الأردن والسعودية ) .  فتخيل هذا التناقض أو هذه المفارقة ، لذلك فنحن نقول على الأقل يجب أن تكون عام 2005 ، وبالضرورة جميعنا كعرب نتمنى أن يكون تطبيق منطقة التجارة غداً أو اليوم ، لكن المشكلة أن هذا المؤتمر أو أي مؤتمر من هذا النوع لا يصنع قراراً ، لأن دور المؤتمر الأساسي هو توسيع دائرة الخيارات أمام صناع القرار . نحن من جهتنا لا نتخذ  قرارات ، وإنما نقدم خيارات سواء أكانت إيجابية أم سلبية ، لكن في هذا المؤتمر بالذات ، هنالك دراسة ستتناول هذا الموضوع بشكل مفصل ، وهي تحت عنوان ( الشراكة بين الدول العربية والدول المتقدمة صناعياً) وبهذا العنوان نحن سنتحدث عن الشراكة مع الآخرين وعن الشراكة العربية العربية أيضاً، وقد أعطينا هذا الموضوع أهمية خاصة ، وأوضحنا المخاطر التي ستنجم عن الانتظار حتى عام 2007  . طبعاً هذا الكلام أقوله في حال طبقت في موعدها ، ولم تكن هناك عقبات وعوائق تمنع من تطبيقها ،لأننا نحن العرب دائماً متأخرون .  في كل الأحوال سيعطي المؤتمر اهتماماً خاصاً لهذا الموضوع ، وهناك رغبة قائمة عند الجميع  كي نوصي أصحاب القرار تقريب موعد العمل باتفاق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى .

 

 

صحيفة المؤتمر