سياسة الجوار الأوروبية والوصــاية الأبويــة المقال ــ رقم /110/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   13182 تاريخ  12/2006/ 10

 

قبل حوالي عام ونصف أعلنت المفوضية الأوروبية عن وثيقة لتعزيز علاقات الاتحاد الأوروبي مع دول جنوب وشرق المتوسط ودول أوروبا الشرقية غير الأعضاء في الاتحاد ، عنونت المفوضية هذه الوثيقة ” بسياسة الجوار الأوروبية ” . وقبل أيام عادت المفوضية وتحدثت عن جملة من الإجراءات لتعزيز سياسة الجوار بهدف زيادة مستوى اندماج اقتصاديات دول الجوار في اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي ، كما أعلنت عن ذلك عضو المفوضية الأوروبية مسؤولة سياسة الجوار بينيتا فيريرو فالدينر . تتركز تلك الوثيقة وملحقاتها حول المطالبة بإصلاحات اقتصادية وسياسية في دول الجوار الأوروبي مع الوعد بمساعدات مالية تدعم المطالبة بالإصلاح ، أهمها :

  • برنامج مساعدات اقتصادية بقيمة 12 مليار يورو على مدى السنوات الخمس القادمة .
  • إحداث صندوق للاستثمار في بلدان الجوار برأسمال يبلغ 700 مليون يورو .
  • إنشاء آلية إضافية بقيمة 300 مليون يورو لدعم ما سمته الوثيقة جهود “الحكم الرشيد” ؟.

حتى تستطيع دول الجوار الاستفادة من تلك المساعدات عليها تلبية جملة من المتطلبات الاقتصادية والسياسية ، منها :

اقتصادياً: التبادل الحر للسلع – إزالة القيود غير الجمركية – الانسجام مع التشريعات الأوروبية في مجال السلامة الصحية –التنافسية – حقوق الملكية –  قواعد المنشأ – التعاقدات العامة  – السياسات الضريبية … وغير ذلك.

سياسياً: التقدم في تطبيق برامج الإصلاح السياسي – تعزيز الجهود للوصول إلى” الحكم الرشيد ”  …وغيرها .

قد نجد الكثير من المبررات لزيادة مستوى التنسيق والتعاون بين دول الجوار ودول الاتحاد فدول الاتحاد هي الشريك التجاري الرئيسي  للكثير من دول الجوار فهنالك اتفاقيات شراكة عديدة تربط بين الطرفين ، مع التوضيح بأن مآخذ عديدة تسجل على الطرف الأوروبي في تعاونه مع جيرانه . فعلى سبيل المثال طالب الاتحاد جميع الدول التي وقع معها اتفاقيات شراكة (وهي في الجوهر اتفاقيات مناطق تجارة حرة ) بتحرير فوري أو متدرج لتبادل السلع الصناعية وفي الوقت نفسه كان ولا زال يمارس سياسة حمائية متشددة في المجال الزراعي . وعندما كنا نطالبه أثناء عملية التفاوض بتحرير متزامن للتبادل السلعي في المجالين الصناعي والزراعي كانت حجج مفاوضيه الدائمة والمتكررة بأن السياسة الزراعية في الاتحاد الأوروبي قضية حساسة رسمت وفق اعتبارات عديدة سياسية ، اقتصادية واجتماعية لا مجال للبحث في تعديلها أو تغييرها ؟!

ولا زالت سياسة الاتحاد الحمائية في المجال الزراعي من أهم العوائق أمام تقدم جولة الدوحة للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف الجارية في إطار منظمة التجارة العالمية ، التي بدأت عام 2001 وكان مقرراً لها أن تنتهي في عام 2004 .بصياغة أخرى يمكن القول أن تحرير التجارة بالنسبة للاتحاد أشبه بأوتوستراد وحيد الاتجاه يسمح بانسياب السلع الصناعية بحرية أما السلع الزراعية فدونها الطرق الفرعية بمطباتها وقيودها ، أي نعم لتحرير تبادل السلع الصناعية فالاتحاد هو الطرف الأكثر تطوراً وبالتالي الأكثر ربحاً أما تحرير تبادل السلع الزراعية فهو غير ممكن لأن قطاع الزراعة في دول الاتحاد قد يكون الخاسر من ذلك ؟.

وبالنسبة لسياسة الجوار المطروحة حالياً فأحد أهدافها الأساسية خلق تكتل يواجه تجارة الصين باتجاه المتوسط وأوروبا .أوروبا قلقة من نمو الصادرات الصينية ، وقد كنت شاهداً على نبرة القلق تلك في اجتماع رودوس (اليونان ) لوزراء الصناعة في الدول الأوروبية والمتوسطية الذي انعقد خلال الفترة (22/9/2006 – 21) ، حيث عبر عنه بأشكال مختلفة كل من تحدث من الطرف الأوروبي في الاجتماع داعياً لتعزيز التعاون مع دول المتوسط للوقوف في وجه الخطر التجاري الصيني المتنامي. هنا أيضاً مطلوب من دول الجوار أن تنضوي تحت لواء أوروبا لمواجهة تجارة الصين ، بالرغم من أن النمو الاقتصادي الصيني قد يكون فرصة ( أكثر مما هو خطر ) لتوسيع خيارات دول الجوار في علاقاتها التجارية تحررها من حصار الخيار الوحيد أو الخيارات المحدودة .

لكن بعيداً عن تلك الازدواجية نعود إلى البدء أي إلى وثيقة سياسة الجوار لنسجل الآتي :

  • التسمية محببة لما تحمله كلمة الجوار من حميمية وألفة مما يوحي بأن سياسة أوروبا بالنسبة لجيرانها ستكون داعمة ومتعاونة بما يتناسب وحميمية الجوار ؟
  • بالمقابل نسأل من أين لأوروبا هذا الحق بأن تحكم على الأنظمة السياسية في دول الجوار بأنها صالحة أو طالحة وما هي مشروعية تصنيف حكومات دول الجوار وتقسيمها إلى حكومات رشيدة وأخرى غير رشيدة ؟

ألا يذكرنا ذلك التصنيف بالأصوليات وهي تتحدث بلغة رسل الحق الإلهي فتقسم الدول إلى قسمين أو (فسطاطين ) حسب وصف البعض من أهل التطرف: فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، كما تصنف البشر في صنفين أهل الجنة وأهل النار ؟!

ثم ألا توحي تلك المصطلحات وما شابهها بنبرة وصاية أبوية أضحت في العلاقات الدولية مثيرة للاستغراب … وربما مثيرة لما هو أكثر ؟!

حرصاً على نجاح سياسة الجوار وتطور علاقات الشراكة بين أوروبا وجيرانها أتمنى على المعنيين في المفوضية الأوروبية مراجعة الوثيقة بما يخلص لغتها من نبرة الوعظ وشبهة الوصاية ؟! .

 

                                                                      الدكتور محمد توفيق سماق