قرار مجلس الأمن 1636 الخيارات والتداعيات ــ المقال رقم /102/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   12863 تاريخ  11/2005/ 20

 

بصرف النظر عن دوافع قرار مجلس الأمن الأخير رقم 1636 المتعلق بدعوة سورية للتعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال المرحوم رفيق الحريري التي تم الحديث عنها بإسهاب في وسائل الإعلام المختلفة ، إلا أن القرار أضحى أمراً واقعاً وضاغطاً مما يقتضي البحث في خيارات التعامل معه والتداعيات المحتملة لكل خيار . إن القرار قد صيغ بطريقة تحد من إمكانية المحاورة أو المناورة في تطبيقه وتجعل خياراتنا  محدودة ، أبرزها:

  • التعاون الكامل كما ورد في نص القرار ، وهنا نسأل ما هي الشروط المطلوبة حتى يعتبر التعاون كاملاً ؟

وفق المعلومات المتوافرة فإن الشهادة بالكمال وفق منطق المحقق الدولي ديتليف ميليس وفريقه مرهونة بالاعتراف بشكل ما بالمسؤولية الكلية أو الجزئية عن جريمة الاغتيال وهذا ما لايمكن لسورية القبول به ، لأن في ذلك :

  • اعتداء على الحقيقة التي يطالب الجميع بالكشف عنها ، فلا مصلحة لسورية بغياب المرحوم الحريري عن المشهد السياسي اللبناني فكيف بالمساعدة على تصفيته أو اغتياله. فالرئيس الحريري هو إنتاج العصر السوري في لبنان قبل أن يكون صناعة أي طرف آخر عربي أو دولي .
  • وفيه اعتداء على سيادة الدولة السورية وانتقاص من شرعية السلطة فيها ، فالمطلوب كما تتناقل وسائل الإعلام كخطوة أولى تسليم مجموعة من المسؤولين السوريين على الحدود اللبنانية السورية .السؤال هنا أية سيادة ستبقى لسورية وأية شرعية لسلطتها عندما تقدم على ذلك دون قرائن تؤيد الشبهة أو دليل يثبت الاتهام ؟

لست خبيراً في الشؤون القانونية لكن ما هو معروف وشائع حتى في حال وجود اتفاقيات بين الدول لتسليم المطلوبين يقتضي ذلك تقدم الدولة الطالبة لتسلم مواطنين من دولة أخرى بجملة من القرائن والأدلة بحق هؤلاء المطلوبين يتم فحصها والتحقق منها من قبل الدولة المعنية الأخرى وبعد ذلك يتخذ القرار بالقبول          أو الرفض .

أما هنا فالمطلوب مواطنين سوريين يسلمون على الحدود بلا قرائن  أو أدلة ، كأن المحاكمة قد جرت والحكم قد صدر والمطلوب التسليم لتنفيذ العقوبة وليس للاستماع أو الاستجواب ؟!

ألا يذكرنا ذلك بحالات الهزيمة في الحروب حيث تطالب الدولة المنتصرة الدولة المهزومة بتوقيع صك استسلامها بلا قيد أو شرط ؟ فهل تحول ديتليف ميليس إلى دولة منتصرة وسورية إلى دولة مهزومة ؟ وهل تحول الاغتيال إلى حرب والتحقيق إلى جيش بقيادة الجنرال ميليس  ؟

  • وفي ذلك أيضاً دخولاً في نفق لا ضوء فيه وطريق لا نهاية له . إن القبول بتسليم مواطنين سوريين دون قرائن أو أدلة ، إلا قرينة النزوة أو دليل الرغبة لدى المحقق الدولي سيعني ارتباط مصير المواطنين السوريين بنزوات هذا المحقق أو رغباته ويحول جميع السوريين إلى مطلوبين محتملين ؟

لا أعتقد بأن سورية والسوريين قادرون على القبول بوصاية كهذه إلا إذا استطاع أقوياء هذا العالم إرغامهم على ذلك بإحياء زمن الاستعمار واستحضار عصر الانتداب ؟!

ب –      أماالخيارالآخر فهو التعاون المقيد بمتطلبات السيادة الوطنية وضروراتها، مما   يقتضي التراضي والتفاهم بين سورية ولجنة التحقيق الدولية على مكان               التحقيق وآلياته ، والمؤسسات القضائية ذات الاختصاص … وأمورأخرى   عديدة ذات صلة . أغلب الظن أن ذلك لن يكون مقبولاً للجهات الدولية            الراغبة في توظيف القرار أداة لاستهداف سورية خاصة الولايات المتحدة  الأمريكية ، مما سيقود   لتداعيات عديدة منها :

– محاولة التدخل بالقوة لتحقيق أغراض سياسية في سورية والمنطقة ، وأجد في   ذلك احتمال وارد لكنه احتمال ضعيف . احتمال وارد لأن إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على تضمين القرار الإشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة  وفق النص التالي :

” وإذ يتصرف – مجلس الأمن – بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ” فيه إشارة لاحتمال استخدام القوة وان كان ذلك وفق منطوق القرار لا يمكن أن يتم بشكل تلقائي بل يحتاج إلى إجراءات أو قرارات دولية أخرى . لكن بالتحليل السياسي يمكن الاستنتاج بأن لجوء الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الخيار هو احتمال ضعيف بسبب وضعها الصعب في العراق من ناحية والنتائج المترتبة على استخدامها القوة ضد سورية من ناحية أخرى . إن استخدام القوة مع سورية حتى لو نجحت من الناحية العسكرية سيحول المنطقة القريبة ( على الأقل من بغداد إلى عمان مروراً بلبنان) إلى ساحة مواجهة حقيقية بين الولايات المتحدة والقوى المناهضة لسياساتها وتوجهاتها، فما جرى ويجري في العراق بعد سقوط النظام الحاكم ليس إلا نموذجاً قابلاً للتعميم على المنطقة ككل . مما يجعل من محاولة كهذه مرتفعة الثمن مادياً وبشرياً بالنسبة للرأي العام الأمريكي ويحولها إلى مغامرة باهظة التكاليف سياسياً بالنسبة للإدارة الأمريكية ، ومع هذا أجد من الضروري التذكير بأن ذلك يضعف لكن لا ينفي هذا الاحتمال بشكل كامل لأن الإدارة الأمريكية الحالية مشهود لها بسياسات يصعب تبريرها حتى من منظور المصالح الأمريكية نفسها .

يبقى الاحتمال الآخر لدى الإدارة الأمريكية هو السعي لفرض عقوبات اقتصادية أو سياسية على سورية من خلال مجلس الأمن وهذا احتمال قائم وربما كان الاحتمال الأرجح ، والسؤال المشروع هنا هل تستطيع سورية الصمود أمام العقوبات؟

الإجابة ترتبط إلى حد بعيد بالقدرة على تعزيز التماسك الداخلي عن طريق توفير مستوى عال من الوحدة الوطنية . إن الوصول إلى هذا المستوى يقتضي – وفق ما أرى – عملية إصلاح شاملة تهدف في جوهرها إلى توسيع دائرة الشراكة في الوطن عبئاً ومنفعة، فالوطن ملك الجميع والدفاع عنه مسؤولية الجميع أيضاً .من مستلزمات عملية الإصلاح تلك الآتي:

-تنشيط العملية الديمقراطية في سورية عن طريق الإسراع بإصدار قانون الأحزاب مع الأمل بأن يلحظ القانون الجديد تمويل الأحزاب القائمة أو الجديدة عن طريق الموازنة العامة للدولة ، وفق نسب يتم تحديدها تراعي على سبيل المثال ( حجم الحزب – قدرته التمثيلية …وما شابه ). قضية التمويل هامة كي تبقى الحياة السياسية في البلاد تحت سقف   الوطن ، وكي لا يتزرع البعض في المعارضة بالضرورات المادية لكسر المحظورات الوطنية بالتعامل مع الخارج . وللأمانة يمكن القول بأنه حتى الآن لا زال التعامل مع الخارج من قبل المعارضة السورية حالات قليلة ومعزولة محكوم عليها بالاستهجان والإدانة من قبل الشارع السوري . كما أجد من الضروري أن يوفر القانون الجديد حرية اختيار التحالفات الداخلية للأحزاب التي تحصل على ترخيص ، طالما أن ذلك سيتم تحت سقف الوطن ووفق ضوابط القانون . فليس ضرورياً أن تكون الأحزاب الجديدة جزءاً من الجبهة الوطنية وليس من الضروري أيضاً أن تدخل الجبهة بقوائم موحدة في الاستحقاقات الانتخابية المستقبلية ، فحرية الاختلاف أو الائتلاف يجب أن تكون مضمونه بنصوص القانون .ومما يساهم بشكل كبير في تنشيط العملية الديمقراطية هو تمكين الأحزاب الجديدة من امتلاك وسائل الإعلام أو استخدامها للتعريف بنفسها والتعبير عن  مشاريعها ، كذلك شفافية الاستحقاقات الانتخابية مستقبلاً لأنها تساهم في تعزيز مصداقية التوجه الديمقراطي للبلاد وتعطي للجميع سلطة ومعارضة فرصة للتعبير عن حجمهم الحقيقي في الشارع السوري وتتيح الإمكانية لمختلف القوى السياسية لممارسة دورها وتحمل مسؤوليتها الوطنية بما يتناسب وهذا الحجم بعيداً عن ذرائع التضخيم أو التهميش والإقصاء .

  • تسريع عملية الإصلاح الاقتصادي بما يساعد على تطوير أداء الاقتصاد الوطني وتحسين مستوى عدالة توزيع الدخل في البلاد . تم تناول هذا الموضوع بمجالاته وآلياته المختلفة بشكل مسهب في وسائل الإعلام على مدى سنوات عديدة سابقة ، لذلك سأكتفي بالإشارة إلى ضرورة اعتماد برنامج الإصلاح الاقتصادي المقدم إلى الحكومة منذ أواخر الشهر الخامس من عام 2003 أساساً للخطة الخمسية العاشرة .
  • الإلحاح على استمرار التواصل والحوار مع العالم الخارجي الصديق منه والخصم . الصديق لتقوية صداقتنا معه والخصم لكسبه أو تحييده أو التخفيف من خصومته وهذا أضعف الإيمان .

 

جملة القول أن القادم قد يكون صعباً لكنه ليس مستحيلاً وأن خيارنا وحيد هو الصمود .

صمودنا يقتضي صلاحنا … فلنعمل على إصلاح ما أفسدته الحياة فينا   أو أفسدناه  في حياتنا … فهل نفعل ؟

 

                                                الدكتور محمد توفيق سماق