قضايا ملحة لتطوير الأداء في القطاع العام الحلقة الثانية (2/2) ـــ المقال رقم /21/

صحيفة البعث ـ دمشق ــ سورية

العدد :6446   –   تاريخ: 7/6/1994

الأنظمة و التشريعات :

وما هو مطبق لدينا نجده قسمين :

  • أ‌- قسم تقادم بفعل الزمن و حركته ففقد قدرته على الاستجابة لمتطلبات الواقع و هذا بحاجة إلى تغيير ( على سبيل المثال المرسوم ١٩٥ الناظم لعمليات الشراء الداخلية  و الخارجية ) .
  • ب‌- أما القسم الآخر فلا شك بأنه لا يزال صالحاً لمرحلة تطورنا الاقتصادي الحالية ،  إلا أن تطبيقه بما يخدم رفع معدلات الأداء في المؤسسات و الوحدات الاقتصادية يحتاج إلى إدارات تتمتع بالكفاءة و القدرة على الاجتهاد بما يستجيب         و متطلبات العمل الاقتصادي اليومي.

إن أي تغيير أو تعديل للأنظمة و التشريعات القائمة ينبغي أن يتم وفق الأسس التالية :

  • المرونة التي تتيح لصاحب القرار الإداري التصرف بحرية في الحالات الاستثنائية  التي تظهر أثناء الممارسة الفعلية للعملية الإدارية .
  • الوضوح و التحديد بهدف إزالة الخلط و التشابك من صلاحيات المواقع المختلفة للهرم الإداري ، بحيث يعاد التوازن الضروري و المطلوب لمعادلة الصلاحية و المسؤولية  في العملية الإدارية .

و في هذا السياق نؤكد على ضرورة إعادة النظر في الهيكل الإداري لمؤسسات و شركات القطاع العام و خاصة ما يتعلق منه بمجالس إدارة المؤسسات و اللجان الإدارية للشركات . إذ أن البنية الحالية لهذه المجالس و اللجان و المكونة من مدراء تنفيذيين لم تعطِ النتائج المرجوة منها و نرى في هذا المجال تطوير الهيكل الحالي  وفق الأسس التالية :

  • أ‌- الفصل بين وظيفتي مجلس الإدارة و الوظيفة التنفيذية ( مدير تجاري ، فني .. ) كي يتثنى لهذه المجالس القيام بمهامها المتعلقة بالتوجيه و المتابعة و المساءلة متحررة من أعباء و التزامات العمل التنفيذي حيث يترك في هذا الحال للجهاز التنفيذي في المنشأة .
  • ب‌- إعادة دراسة الدور الحالي الذي تلعبه المؤسسة كحلقة وسيطة بين الشركة و الوزارة و تقييم جدواه و خاصة في حال عدم إسناد دور المالك لها في البنية الإدارية الجديدة المقترحة و الموضحة في الفقرة ١ من هذه الدراسة .
  • التقليل بقدر المستطاع  من الورقيات عن طرق تبسيط الإجراءات و كذلك التخلي عما هو قائم حالياً من مساءلة الإدارة عن سلامة الورقيات و الأخذ بمساءلتها عن مدى تحقيق الأهداف الاقتصادية للمنشأة التي عهد إليها بإدراتها .
  • الثقة في شاغل الموقع بغية خلق جو من الطمأنينة يساعده في التصدي لتحمل أعباء المسؤولية المكلف بها دون تردد أو قلق .

المستوى التكنولوجي و الفني

لقد مضى على القطاع العام سنوات عدة أصبح خلالها متوسط عمر آلاته يزيد على خمسة عشر عاماً ، هذا فضلاً عن أن بعض آلاته مضى عليها أكثر من ذلك بكثير . و رغم كثرة ما وضع من خطط الاستبدال و التجديد فإن معظمها لم ينفذ و بالتالي فإن هذه الخطط لم تستطع معالجة موضوعي التجديد و التطوير و بدونهما لن يستطيع القطاع العام الوصول إلى نوعية جيدة مما سيؤدي إلى إضعاف قدرته التنافسية مع بقية القطاعات الاقتصادية و فقدانها كاملاً في مجال بعض أنواع الإنتاج السلعي مما سيعني تراجعاً واضحاً في أدائه لدوره و تراكماً أكيداً لمشاكله .

و في هذا المجال تجدر الإشارة إلى أن ما يقتطع باسم اهتلاكات هي بالأصل مخصصة للتجديد و الاستبدال و التطوير .         و بالنتيجة يتضح الإهمال في عملية التجديد و الإجحاف الذي يلحق بالواقع الفني للقطاع العام ، من هنا لا بد من التأكيد على تنفيذ خطط التجديد و التطوير و جعل نسبة الاهتلاكات أمانة لحساب القطاع العام  تستخدم لهذه الغاية .

إن الصلة الوثيقة القائمة في هذا العصر بين البحث العلمي و تطبيقاته التكنولوجية تقتضي و بإلحاح إيلاء موضوع البحث العلمي أهمية خاصة و نرى في هذا المجال التأكيد على تدعيم و تنشيط مؤسسات و مراكز البحث العلمي عن طريق توفير مستلزمات قيامها بمهامها بشكل فعال سواء ما يتعلق منها بتوفير التجهيزات التكنولوجية و الكادر البشري القادر   و المؤهل للقيام بمهام البحث و التطوير كذلك تحفيز العاملين في هذا المجال مادياً و معنوياً.

و نظراً لما يتيحه مناخ التعددية من منافسة في السوق الداخلية و ازدياد حدة المنافسة  في السوق العالمية نؤكد أيضاً على الأهمية الخاصة لموضوع المواصفات و المقاييس  و ما يترتب على ذلك من ضرورة الاهتمام بتوفير مستلزمات العمل المتطورة لهيئة المواصفات و المقاييس من تجهيزات و كادر بشري كذلك تفعيل دورها في مجالي الإنتاج السلعي منه و الخدمي          و حماية هذا الدور و تدعيمه قانوناً عن طريق أنظمة و تشريعات خاصة توضع لهذه الغاية .

إن تحقيق ذلك سينعكس تحسيناً مضطرداً لمواصفات المنتجات الوطنية مما سيزيد من قدرتها التنافسية في السوق الداخلية منها و الخارجية .

بالإضافة إلى ذلك فإن الضرورة تقتضي رفع سوية الأداء لدى العاملين من خلال الدورات الاطلاعية الداخلية و الخارجية في مختلف المستويات الإدارية و الفنية .

الرقابة و التفتيش

تعتبر الوظيفة الرقابية وظيفة حيوية و هامة لمختلف المؤسسات و الشركات و غيرها من الوحدات الاقتصادية فالرقابة هي الوجه الآخر للصلاحية بواسطتها يمكن الوقوف على المشاكل و الصعوبات كذلك الأخطاء و الانحرافات التي تؤثر في حسن الأداء ، فهي عملية شاملة للسيطرة على الأداء تنصب على جميع عناصر الإنتاج من أفراد و آلات و أساليب عمل .. الخ .

لهذا كانت كفاءة الرقابة أداة هامة لتحقيق كفاءة الأداء، في الواقع الإداري الراهن للقطاع العام تتعدد الجهات التي تقوم بشكل أو بآخر بممارسة العملية الرقابية منها ما هو مخول بموجب قوانين كالجهات المركزية في الدولة و الهيئة المركزية للرقابة و التفتيش كذلك الجهاز المركزي للرقابة المالية و منها ما هو مخول بحكم الواقع و هي جهات عديدة .

و إذا كنا لا نجد ضرراً في أن تتضافر الجهود المخلصة للكشف عن الخطأ أو تذليل بعض الصعاب عن طريق ممارسة رقابة غير مباشرة و موضوعية إلا أن الخطورة تكمن في أن تمارس كل تلك الجهات العملية التفتيشية و ما يترتب عنها من مساءلة و محاسبة للمعنيين بالإدارة ، و أحياناً يتم ذلك وفق اجتهادات شخصية لا ترتبط كثيراً بمعايير موضوعية نستطيع من خلالها تقييم الأداء و تحديد الانحراف و هذا ما ينطبق إلى حد بعيد على الواقع الإداري الراهن في القطاع العام .

و على الرغم من أن قانون الهيئة المركزية للرقابة و التفتيش قد فرق و بشكل واضح بين نوعين من النشاط :

  • نشاط رقابي
  • نشاط تفتيشي

إلا أن الواقع العملي يؤكد بأن تنفيذ المهمات الرقابية يكاد يكون في حدوده الدنيا ، في حين يبقى الانطباع السائد لدى العاملين في القطاع العام بأن مهمات العاملين في أجهزة الرقابة و التفتيش عبارة عن مهمات تفتيشية ، هما الأول تصيد الأخطاء .

لقد أدى ذلك لدى العاملين في القطاع العام إلى ضعف الرغبة في ممارسة الصلاحية  و تعذر تحديد المسؤولية بشكل موضوعي يخدم تحسين أداء الاقتصاد و يضبط حركته . لهذه الأسباب تؤكد على ضرورة إعادة النظر في ممارسة العملية التفتيشية لدى جهات القطاع العام المختلفة على أن يتم ذلك وفق الأسس التالية :

  • أ‌- التحديد الدقيق و الواضح للجهات المخولة قانوناً بممارسة العملية التفتيشية على أن يكون عددها قليل قدر الإمكان . أما الجهات الأخرى  فيمكنها أن تمارس الرقابة غير المباشرة دون أن يكون لها الحق بالقيام بأي نشاط تفتيشي .
  • ب‌- أن يرتبط قيام الجهات المخولة قانوناً بالتفتيش بعملها في منشآت القطاع العام  بموافقة واضحة و صريحة من الجهة التي تمثل المالك في تعامله مع الغير التي حددناها في الفقرة ١ من هذه الدراسة أو بناء على طلبه ، على أن ترفع كافة النتائج التي تتوصل إليها البعثة التفتيشية بما فيها الاقتراحات إلى هذه الجهة  ( المالك ) و هي فقط صاحبة الصلاحية باتخاذ الإجراءات القانونية بحق الإدارة  و متابعتها .

ج –  أن يكون أساس العمل الرقابي و غايته تحقيق الهدف الاقتصادي الذي تم التعاقد مع الإدارة على تحقيقه . أما عن الوسائل و السبل فيكفي أن تكون ضمن التوجه العام للأنظمة النافذة و ليس هناك ضرورة لأن نتطابق مع حرفيتها .

إن الإدارة الاقتصادية أو ما يسمى الإدارة بالأهداف هي الاتجاه الحديث في كل الدول المتقدمة و قد تم التوصل إلى اعتمادها خلال الممارسة الطويلة عبر الزمن و تعتبر الثمرة الناضجة لألم الإخفاق و سعادة النجاح .

الحافز الفردي و الجماعي :

هنا قد تتعدد الصيغ و الاقتراحات إلا أنها جميعها يجب أن تراعي المبدأ التالي :

ما دام العمل واجب فالحافز العادي و المعنوي حق . وكصيغة أولية يمكن اقتراح التالي: تحدد نسبة لريعية رأس المال للمستثمر يجب ألا يزيد بأي حال عن الربح الصناعي المتعارف عليه عالمياً بين ١٠ – ٢٠ ٪ و ذلك حسب نوع الصناعة و ظروف السوق . أية منشأة تحقق من الريعية ما يزيد عن هذه النسب فيجب أن يكون للإدارة نصيب مجزي منها يتم تحديده و صيغ صرفه وفق أنظمة توضع لذلك . أما بالنسبة للعاملين الآخرين في المنشأة فيمكن تحفيزهم عن طريق تطوير نظام الحوافز المعمول به حالياً بحيث يرتبط الحافز بكمية الإنتاج و نوعيته و كذلك مستوى ترشيد استخدام مستلزمات الإنتاج من مواد أولية و مساعدة بما فيها الطاقة .

إن وجود الحافز المجزي و الإقرار بأحقية العامل في الحصول عليه سيزيد من رغبة المنتج في أداء عمله بشكل أفضل و ينمي من حرصه على المنشأة كما سيخفف إلى حد بعيد من اللجوء إلى الطرق غير المشروعة في تحقيق الكسب المادي .

في الختام نرى من الضروري التأكيد على أن ما جاء في هذه الدراسة ما هو إلا محاولة لوضع تصور يهدف إلى تطوير آليه عمل القطاع العام و تحسين أدائه و إن ما ورد فيها من اقتراحات ما هو إلا بعض الدواء و ليس كله .

كما أن التوسع في تشخيص مشاكل القطاع العام و معالجتها أصبح ضرورة اقتصادية  و اجتماعية قد لا تحتمل الكثير من التأجيل  .

 

 

الدكتور محمد توفيق سماق