قمة العشرين بين أساطير الأغنياء و أوهام الفقراء ــ المقال رقم /135/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   14031 تاريخ  9/2009/ 30

 

عُقد في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا ( شرق الولايات المتحدة الامريكية ) يومي  24-25 / 9 /2009 القمة الثالثة لمجموعة العشرين . وقبل الحديث عن أبرز نتائج القمة قد يكون من المفيد إيراد بعض التوضيحات المتعلقة بمجموعة العشرين في سياقها التاريخي . تأسست المجموعة عام 1999 في مناخ الأزمات المالية العالمية و تداعياتها التي شهدتها بعض مناطق العالم في تسعينيات القرن الماضي , خاصة الأزمة المالية الآسيوية عام 1998 . تضم هذه المجموعة 19 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي , الدول الأعضاء   هي : الولايات المتحدة الامريكية – اليابان – ألمانيا – بريطانيا – فرنسا- إيطاليا – كندا – روسيا – أستراليا- اندونيسيا – كوريا الجنوبية – الصين – الهند – السعودية – تركيا – جنوب أفريقيا – المكسيك – البرازيل – الأرجنتين .

يلاحظ من التوزع الجغرافي لتلك الدول بأن المجموعة تضم دولاً من قارات العالم المأهولة  الست ومن الناحية الاقتصادية تتكون المجموعة من دول متقدمة صناعياً ودول ناشئة وأخرى نامية كما أنها تضم أغنى دول العالم , بحيث يمكن اعتبار المجموعة نادي لأغنياء العالم .

منذ عام 1999 وحتى الآن عقدت المجموعة أربعة عشر مؤتمراً , أحد عشر منها كانت على مستوى الوزراء و ثلاثة على مستوى رؤساء الدول و الحكومات أي مؤتمرات قمة.  القمة الأولى عُقدت في واشنطن عام 2008 و الثانية في لندن ( نيسان عام 2009 )             و الثالثة التي نحن بصدد ها عُقدت في مدينة بيتسبرغ في الولايات المتحدة الأمريكية كما أشرنا سابقاً .

في مؤتمرات المجموعة كان يتم الحديث دائماً عن مساعدة الدول الفقيرة و إصلاح النظام الاقتصادي العالمي  بحيث يُعطى دورأكبر للدول النامية في اتخاذ قراراته وصياغة توجهاته . قمة لندن أقرت تقديم مساعدات للدول الفقيرة بقيمة 50 مليار دولار أمريكي و قمة بيتسبرغ الأخيرة لم تتحدث صراحة عن مساعدات مالية للدول الفقيرة إلا أنها عبّرت في بيانها الختامي عن جملة من التوجهات الاصلاحية للاقتصاد العالمي , أبرزها :

  • قلق قادة مجموعة العشرين على مصير ” أكثر من أربعة مليار شخص – في العالم – غير مؤهلين بالشكل الكافي وغير مزودين برؤوس الاموال و التكنولوجيا كما أنهم غير مندمجين بشكل فعّال في الاقتصاد العالمي ” .

–   كما عبّر بيان القادة عن رغبتهم في ” أن تقترب مستويات الإنتاجية و المعيشة في البلدان النامية و الناشئة من مستوياتها في البدان الصناعية  ”

وللمساعدة على  تحقيق ذلك كلفت قمة العشرين في بيانها الختامي البنك الدولي  ” إنشاء صندوق جديد لدعم المبادرات الجديدة المتعلقة بالأمن الغذائي في الدول ذات الدخل المتدني ” .

–  بالإضافة إلى ماسبق قررت قمة العشرين كذلك العمل على اصلاح المنظمات المالية     الدولية خاصة صندوق النقد الدولي , حيث تم الاتفاق على زيادة القوة التصويتية  للدول النامية في الصندوق بنسبة 3%  .

المتابع لقرارات مجموعة العشرين وتوجهاتها منذ تأسيسها وحتى الآن يجد بأن مايصدر عنها من قرارات أو يعلن في بياناتها من توجهات تتعلق بدول العالم النامي وفقرائه تعبّر في الغالب عن نوايا طيبة و رغبات خيّرة إلا أنها لاتتحول إلى سياسات واجراءات , و بالتالي لا تقترب من الواقع و لاتعمل على تغييره .

فمثلاً لم تفِ الدول الغنية إلا بجزء يسير من الخمسين مليار دولار التي وعدت بها قمة لندن لمساعدة الدول الفقيرة كما أن عدد الفقراء في العالم في ازدياد بالرغم من بيانات التعاطف التي أصدرتها الدول الغنية قبل قمة بيتسبرغ بسنوات أو حتى عقود .

فعدد الفقراء في العالم الذين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم قد ازداد من نحو  1مليار شخص أواخر القرن الماضي إلى نحو 1.4 مليار شخص حالياً .

وبالنسبة لإصلاح المنظمات المالية الدولية – خاصة صندوق النقد الدولي – يمكن القول أن الرغبة في الإصلاح أيضاً هي رغبة قديمة أعُيد تجديدها في قمة بيتسبرغ ومع ذلك  لم يتغير في آلية اتخاذ قرارات الصندوق شيئاً حتى الآن , فهنالك خمس دول في العالم تملك 40% من رأسمال الصندوق و 40% من القوة التصويتية فيه وهذه الدول هي : الولايات المتحدة الامريكية 18% , ألمانيا و اليابان ولكل منها 6% , فرنسا وبريطانيا و لكل  منها 5% .

لو افترضنا أن قرار قمة بيتسبرغ المتعلق بالصندوق سيطبق و ستزداد القوة التصويتية للدول النامية في العالم بنسبة 3% فالسؤال هنا هل ستقبل الدول الخمس السابقة بأن تكون هذه الزيادة على حسابها ؟

وإذا قبلت فما الذي سيتغير بشكل فعلي في آلية اتخاذ القرار في الصندوق و هنالك 5 دول تملك مايقارب 40% من القوة التصويتية فيه وباقي دول العالم التي يزيد عددها على 185 دولة لاتملك أكثر من 60% ؟ ! .

بالإضافة إلى ذلك تملك الدول الخمس حق تعيين 5 مدراء من أصل 24 مديراً تنفيذياً يشكلون مجلس إدارة الصندوق .

تلك الوقائع وما شابهها مما يمكن الحديث عنه تدفع بالمراقب للأوضاع الراهنة للاقتصاد العالمي للاستنتاج بأن النوايا الطيبة و الرغبات الخيرة التي عبّرت عنها قمة العشرين الأخيرة في بيتسبرغ ليست في ميدان الواقع أكثرمن أساطير أغنياء قد  تحرض أحلام الفقراء وقد تزيد من أوهامهم دون أن تنقص من بؤسهم أو تقلل من فقرهم .

 

 الدكتور محمد توفيق سماق