كيف نحارب الخطيئة بالاستثناء أم بالقانون؟! ـــ المقال رقم /41/

صحيفة تشرين – دمشق – سورية     

العدد :6584 –   تاريخ: 3/8/1996

يستطيع المتتبع لمسيرة البناء الديمقراطي في سورية أن يستنتج وجود حركة نشطة منذ فترة وحتى الآن لتعزيز سلطة القانون وتوسيعها مما سيؤدي بالضرورة إلى تقليص الحاجة إلى سلطة الاستثناء وصلاحياتها.

الإجراءات المتخذة لتطوير أداء القضاء وتوفير مستلزمات ذلك من كوادر بشرية وإمكانيات مادية والاتجاه السائد لتعديل بعض القوانين التي صدرت في ظروف استثنائية كالقانون 24 الناظم للتعامل بالعملات الصعبة والحديث الجاري عن تطوير قانون محاكم الأمن الاقتصادي بما يؤكد مبدأ البراءة حتى تثبت الإدانة وغير ذلك شواهد على صحة الاستنتاج السابق يصعب أن تخطئها العين .لا شك بأن الإجراءات الاستثنائية هي إنتاج الظروف الاستثنائية ويجب أن تنتهي بانتهائها كما أنها كي تكون مبررة يجب أن تخدم تعزيز سلطة القانون العام وبصرف النظر عما حققته تلك الإجراءات من نتائج إيجابية كانت أم سلبية إلا أن حالة التراضي الوطني والسلم الاجتماعي اللذين تنعم البلاد بهما بخلاف دول أخرى عديدة – قريبة وبعيدة – قد أسسا لقاعدة متينة من الاستقرار توفر على الجميع عناء البحث عن آليات خارج سلطة القانون العام وأحكامه لضبط التوازن في حركة المجتمع وتفاعلاتها . الخطأ وأحياناً الخطيئة من الطبائع البشرية التي يصعب نكرانها أو إلغائها ومع ذلك فتجارب الدول – التي تحكم العلاقة بين مكونات نسيجها الاجتماعي عقود قائمة على التراضي – تؤكد عدم الحاجة لأكثر من أحكام القانون العام وآلياته لحماية المجتمع من آثار الخطأ أو شرور الخطيئة البشرية . فخطيئة فرد أو مجموعة أفراد هو انحراف عن نهج التراضي العام وبالتالي فمرتكبوه هم الطرف الأضعف لأنهم يتناقضون مع إرادة اجتماعية هي الأقدر بكل المقاييس والقانون العام هو الصياغة النظرية لهذه الإرادة وبالتالي فهو يمتلك من المبررات الأخلاقية والإمكانيات المادية والوسائل العملية ما يجعله بغنى عن الاستعانة بأية إجراءات استثنائية لمساءلة المخطئين أو معاقبة المنحرفين .

فالقضاء الإيطالي يحاكم ومنذ فترة واحداً من أبرز رموز إيطاليا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية        جوليو اندريوتي رئيس وزراء ووزير سابق لأكثر من مرة بتهمة التعاون مع المافيا بموجب نصوص القانون الإيطالي دون أية إضافات استثنائية مع أن التهمة – في حال ثبوتها – أكبر من خطأ إنها خطيئة بحق المجتمع خاصة عندما يقدم على ارتكابها شخص من هذا الوزن وعلى هذا المستوى إذ أن الإدانة في حالة كهذه قد تكون صفحة سوداء ليس في تاريخ اندريوتي فقط وإنما في تاريخ الحياة السياسية المعاصرة لإيطاليا وربما تلقي بظلالها على بعض المستقبل أيضاً .

مع ذلك وعلى الرغم من ثقل الخطيئة ومكانة المتهم لم يتم اللجوء إلى أي إجراء استثنائي غير مألوف فقدرة القانون العام في إيطاليا يبدو أنها فوق الشبهات. أمر آخر غير القدرة يعزز من ثقة المجتمعات المستقرة بقانونها العام وهو أن الآليات المعتمدة في تطبيقه تكفل التوازن بين حقوق وواجبات الطرفين المجتمع والمتهم فهي تلزم المجتمع بواجب التمحيص والتدقيق وبالمقابل تعطيه حق الإدانة والعقاب كما تتيح للمتهم حق الدفاع وترتب عليه واجب تنفيذ العقوبة في حال ثبوت التهمة .

لا شك بأن هذا التوازن هو ضمانة العدل وهذا بدوره مفتاح الثقة بين المجتمع والفرد أساس كل تراض أو استقرار. بالنسبة لنا في سورية يبدو أننا نحث الخطا لاستكمال ما نعمل له منذ أكثر من ربع قرن في عصر التصحيح أي بناء دولة القانون القادرة على حماية المجتمع والضامنة لحق الفرد وبكليهما ومن اجلهما ( المجتمع والفرد ) نبدع وننتج فنرتقي بالحياة وترتقي بنا .

القانون وسيلتنا وغيرنا من البشر إلى ذلك فلنصن هذه الوسيلة ولنعزز من حضورها حيث كان ذلك ممكناً وحيث كان ذلك متاحاً.

 

الدكتور محمد توفيق سماق