كي لا يُظلم الخلف أو يُرجم السلف المقال ــ رقم /95/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   12535 تاريخ  10/2004/ 14

 

قبل أيام – وبنتيجة التعديل الحكومي – ترك أخوة ورفاق لنا مواقع المسؤولية الرسمية لأخوة ورفاق آخرين يمارسون مهامها ويتحملون أعباءها . ذلك من طبائع الأشياء لأن سنن الحياة منذ الأزل تعلم أن التغيير شرط للتطور وليس رغبة في الإقصاء كما أنه ضرورة للارتقاء وليس نزعة للإلغاء .

بالنسبة لنا حتى يحقق التعديل الحكومي غاياته أرى أن نستقرأ طبيعته ، وفي هذا السياق يمكن أن نسجل الآتي :

عددٌ من الحقائب  الوزارية التي طالها هذا التعديل لها طبيعة اقتصادية مما يعني أن المطلوب أكثر مما أنجز في المجال الاقتصادي وهذا  مطلب حق فاقتصادنا يعيش مناخ أزمة من حيث الأداء ومن حيث عدالة توزيع الدخل أدت تلك الأزمة إلى شكوى عامة مقرونة بحالة من الاستقطاب الحاد بين المترفين والمحرومين في المجتمع .في الماضي نبه العديد من المهتمين بالشأن الاقتصادي لدينا إلى ضرورة إصلاح المسار رغبة في عدم الوصول إلى ما وصلنا إليه ، أما اليوم فيلح ليس المهتمون فقط بل المزاج العام أيضاً على إصلاح ما أفسدته الحياة فينا أو أفسدناه في حياتنا ضماناً لتوازن المجتمع واستقراره .مشكلتنا مع الإصلاح تكمن – وفق ما أرى – في التباين القائم بين الرغبة فيه والإرادة لتحقيقه، فتحول الرغبة إلى إرادة يتطلب توافر شرطين :

الشرط الأول هو تحديد واضح لتوجهات الإصلاح ، أما الثاني فهو الاستعداد لدفع كلفه (السياسية والاقتصادية والاجتماعية ) مما يستدعي حسم خياراتنا بشأن عدد من التساؤلات أبرزها :

  • هل ستبقى الدولة وصية على خيارات المجتمع أم أنها بحكم منطق العصر ومقتضيات الضرورة على استعداد لتوسيع دائرة المشاركة ، وبالمقابل لها الحق في التخفيف تدريجياً من وظيفتها التي مارستها لسنوات طويلة باعتبارها الأب المسؤول عن دفع الأجر وخلق فرص العمل وتوفير العديد من السلع والخدمات بأسعار غير اقتصادية يغطي الخسائر الناجمة عنها من موارده أو مدخراته علماً أن الموارد لم تعد كافية والمدخرات قابلة للنضوب ؟
  • ما هو الموقف من اقتصاد السوق ؟ هل نتوجه للانتقال تدريجياً إلى اقتصاد السوق أم أن هذا التوجه لم ينضج أو لم يحن أوانه بعد ؟
  • ما هو الموقف من القطاع العام الرابح منه والخاسر ؟
  • ما هو الموقف من قضية الاندماج في الاقتصاد العالمي ؟ هل تخلينا عن التردد والانتقائية أم أنه أمر بين أمرين ، قدر من الاندماج ممزوج بشيء من التردد وبعض من الانتقائية ؟

بعد أن تتوفر إجابات واضحة ومحددة عن الأسئلة السابقة يمكننا القول بأن لدينا مسطرة للقياس وميزان للمعايرة بهما يمكننا أن نقيّم نشاط الوزراء وأداء الوزارات وكفاءة الحكومة في وضع تلك التوجهات موضع التطبيق .

هنا ربما وجدنا من يسأل : أليس تحديد تلك التوجهات من مهام الوزارات منفردة والحكومة مجتمعة ؟

واقع الحال يشير إلى أن تحديد توجهات بهذه الأهمية هو إنتاج جهود مؤسسات عديدة منها الحكومة ومنها قيادة الحزب ومنها قيادة الجبهة . فبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أعده بتكليف من الحكومة فريق من الخبراء الوطنيين وسُلِّم إلى رئاسة الوزراء في 27/5/2003 كان قد طرح تلك الأسئلة وقدم إجابات واضحة ومحددة عليها ، لكن لازالت قضية اعتماد البرنامج وما ورد فيه قضية خلافية وموضع جدل في أوساط دوائر القرار والمهتمين بالشأن الاقتصادي في البلاد حتى تاريخه .

الضرورة إذاً تلح على أن تتضافر جهود جميع المؤسسات المعنية لتحديد توجهات الإصلاح الذي نريد ، بعد ذلك وليس قبله يأتي دور الحكومة في رسم السياسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتنفيذ وفي ضوء النتائج المحققة يمكن التقييم وفق معايير محددة ومقاييس واضحة ، بخلاف المنهج السابق قد تتوالى محاولات التغيير دون أن نحقق ما نريد . ومع توالي تلك المحاولات تتعاقب أجيال المسؤولين بين سلف يُرجم لقصور يحسب عليه وخلف يُظلم لأداء مطلوب منه لا تتوفر شروطه .

 

أخيراً وبدافع الحرص على الجميع – خلفاً وسلف – قد يكون من الضروري التذكير بأن خلف اليوم سيكون سلف الغد …” وتلك الأيام نداولها بين الناس”

 

   

                                                  الدكتور محمد توفيق سماق