لا يصح إلا ” القوي ” !! ــ المقال رقم /138/

صحيفة الوطن  – دمشق – سورية

العدد : 856 تاريخ 10/3/2010

كنت أهنئ  د. محمد سماق بزواجه – وهذه تهنئة أخرى يستحقها على شجاعة الزواج – بالكاد بدأنا نتحدث عن الزواج وما فيه وما عليه حتى أخذتنا الأفكار إلى نقطة افترقنا حولها .

ملخص ما قاله د. سماق ” إن القوة تتمثل الآن بالسلطة والثروة وهما اللذان يحددان الصح من الخطأ، وما على الآخر الذي لا يملك عناصر القوة إلا   ” الرضوخ ” وإذا كان له رأي آخر فلينتظر حتى يتغير ميزان القوى     أو يحاول تغييرها ..وطبعاً من حقه ألا يقبل أو ألا يرضى لكن هذا بلا جدوى ما دامت عناصر القوة هي نفسها.

غير ذلك – يقول د.سماق – هي مجرد أخلاقيات…

لست في وارد الرد أو تحليل هذا المنطق ” الواقعي جدا ” بمعنى المستمد من واقع الحال…  لكن لا يمكننا أن نكون سعداء به أولا لأنه يتعارض كليا مع ما نؤمن به من أن الصح صح…  والخطأ خطأ وأن كل قوى العالم لا تستطيع أن تحول الخطأ إلى صح وإن كانت تستطيع أن تفرضه لزمن طال أم قصر!!

هذا المنطق ” الواقعي  جدا” يؤدي بنا لاستبدال المقولة المشهورة لا يصح إلا الصحيح إلى مقولة لا يصح إلا القوي !!

المهاتما غاندي وبالتأكيد هذا الرجل ليس فاشلا وليس طوباوياً… وليس حالماً… وقد نجح أسلوبه وطريقته في إنقاذ بلاده ، يقول ” الخطأ لا يصير حقيقة وهو ينتشر ، والحقيقة لا تصير خطأ لأن لا أحد يراها “.

لا بأس المهاتما غاندي من عالم آخر… لننتقل إلى ابن حزم في كتاب الملل والنحل إذ يقول : ” إن الشيء لا يكون حقا باعتقاد من اعتقد أنه حق ، كما أنه لا يبطل باعتقاد من اعتقد أنه باطل ، وإنما يكون للشيء حقا بكونه موجودا ثابتا سواء أعتقد أنه حق أو أعتقد أنه باطل “.

ظني هنا أن ما يختلط على البعض وهم يرون أن القوة تفعل فعلها في الاتجاه الذي تريد عندما يكتفون بالنظر إلى اللحظة نفسها دون قراءة لما ستؤول إليه مع مرور الزمن…

كذلك …  ما يختلط أيضا عدم الإقرار بما قاله أينشتاين بأن ” النسبية تعلمنا العلاقة بين الأوصاف المختلفة لشيء ما مع الحقيقة ذاتها ” أي المقارنة بين أوصاف الشيء والشيء ذاته أقوال كل هذا…  لأصل إلى قناعة يؤمن بها كثيرون لا يملكون قوتي ” السلطة والثروة ”  بأن ثمة قوى أخرى ليست من مكونان السلطة والثروة قادر على التأثير وإن وجودها  ” كأخلاقيات ” يعطيها بعدا أقوى وأطول.

علماء العرب قسموا هذه الاختلافات إلى ثلاث فرق… وهي العندية والعنادية واللا أدرية:

العندية تقول إن حقائق الأشياء ” عند” المؤمنين بها فقط. والعنادية يقولون ليست هنالك حقائق…  وعلى الأقل لا حقائق ثابتة .

واللا أدرية  يقولون لا أدري أهذا حقيقة أم وهم!!

أخيراً .. ما أخشاه أن يكون سماق على حق والمهاتما غاندي على خطأ!!

 

عبد الفتاح العوض