لقاء صحفي مع صحيفة الرأي العام الكويتية ــ المقال رقم /44/

صحيفة الرأي العام – الكويت

العدد :10728- تاريخ:4/11/1996

دمشق من جانبلات شكاي :

أكد الباحث السوري الدكتور محمد سماق أن « تركيز الحملات الانتخابية الأمريكية على القضايا الداخلية يعود اساساً إلى زيادة المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية المتمثلة في ارتفاع معدل البطالة و تكاليف مكافحة المخدرات و انخفاض مستويات التعليم والضمان الصحي » . وقال سماق في لقاء خاص مع « الرأي العام » أن « برنامج المساعدات الأمريكية إلى اسرائيل سيستمر . وتفضيل الدولة العبرية على العرب سيبقى لأن الشعب الأمريكي ينظر إلى اسرائيل على أنها امتداد للحضارة الغربية في المنطقة بينما يعتبر العرب مجرد أصدقاء مصلحة ». و استبدع سماق الذي يحمل شهادتي دكتوراه في الطاقة و العلوم الاقتصادية وصول الوضع بين أمريكا و الاتحاد الأوروبي إلى « حال التنافس و الصراع لأن موازين القوى تميل في شكل واضح لمصلحة الولايات المتحدة » . وتوقع سماق أن تعيد الولايات المتحدة حساباتها مع الدول التي كانت تعرضت لعقوبات اقتصادية كالعراق و ليبيا و إيران و غيرها من الدول الأخرى و في ما يأتي نص الحوار :

  • لماذا يتم التركيز في الحملات الأمريكية على القضايا الداخلية رغم الدور الأساسي الذي تلعبه الولايات المتحدة في رسم السياسة الدولية؟
  • القضايا الداخلية هي إجمالاً اقتصادية واجتماعية وهناك مبررات  لأن تأخذ الانتخابات هذا المنحى. وهنا نذكر بعض ما يدفع  إلى التركيز على ذلك :

أولاً : أمريكا من الناحية الاقتصادية أكبر دولة مديونة في العالم و أشارت الأرقام المنشورة في أواسط العقد الجاري إلى أن ديونها وصلت إلى4323 مليار دولار أمريكي ، ما يوازي نحو 80 في المئة   من الناتج القومي الإجمالي .

ثانياً : تعتبر الولايات المتحدة أول دولة مستوردة في العالم ووصلت وارداتها في الفترة نفسها إلى 640 مليار دولار .

ثالثاً : يعاني نحو 38 مليون مواطن أمريكي ، وهم يشكلون 3,5  في المئة من سكان الولايات المتحدة ، من نقص أو انعدام التأمينات الصحية وهذه مشكلة اجتماعية ليست بسيطة .

رابعاً : يعاني المجتمع الأمريكي من تفشي الفساد ووصل عدد ضحايا الجريمة خلال فترة جرب الخليج إلى 20 ضعف الذين ماتوا  نتيجة المعارك .

خامساً : ما يتم صرفه في الولايات المتحدة على المخدرات يعادل ما يصرفه العالم كله على رغم أن سكان الولايات المتحدة لا يشكلون سوى خمسة في المئة من سكان العالم .

سادساً : يخرج نحو 25 بالمئة من طلاب الولايات المتحدة من المدارس قبل أن يصلوا إلى المرحلة الثانوية ، وهي مشكلة خطيرة  في مجتمع متطور .

هذه بعض المشاكل التي تواجه المواطن الأمريكي و لذلك فمن الطبيعي أن تكون اهتمامات صناع السياسة الأمريكية في معالجة هذه القضايا. و طبعاً إن المشاكل السابقة لا تعني أن الولايات المتحدة ، من وجهة نظر شخصية ، قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، و هنالك عدد من الجوانب التي يمكن تصنيفها  على أنها تصب في منجزات الولايات المتحدة ، فهي مثلاً مازالت الدولة الاقتصادية الأولى في العالم يعادل ناتجها المحلي الإجمالي الذي يصل إلى سبعة الأف مليار دولار ، الناتج الإجمالي لبريطانيا و فرنسا و إيطاليا و ألمانيا مجتمعة . كما أن الولايات المتحدة القوة النووية الأولى في العالم و أيضاً القوة الفضائية الأولى و العسكرية    و البحرية ، و تعتبر أمريكا من الناحية الاقتصادية المصدر الأول  في العالم و حجم صادراتها يزيد   عن صادرات ألمانيا واليابان . إذاً أمريكا باختصار هي القوة العظمى الوحيدة في العالم و وجود المشاكل التي ذكرناها سابقاً    لا يقلل من دورها على الإطلاق .

  • ما آثار نتائج الانتخابات على المساعدات الأمريكية التي تمنحها للدول الأخرى ؟
  • بصرف النظر عمن سيفوز ، مع أن التقديرات ترشح الزب الديموقراطي فإن المساعدات الأمريكية ستستمر ، و من حيث المبدأ فإن دولة تطمح لأن تصنع قرناً أمريكياً ، كما قال الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون ، لا يمكن أن تتخلى عن برنامج مساعداتها الذي يعتبر رمزاً من رموز حضورها العالمي و أداة لحماية مصالحها السياسية والعسكرية . كما أن حجم المساعدات الذي يتراوح بين 12-13 مليار دولار لا يشكل عبئاً على دولة مثل الولايات المتحدة . وفي ما يتعلق بمدى انعكاس نتائج الانتخابات على المساعدات التي تقدم إلى دول الشرق الأوسط فإنها مرتبطة بقضية تأمين مصالح أمريكا الحيوية    في المنطقة ، أو أن زيادة المساعدات أو نقصانها أو نوعها أو طبيعتها ستتعلق بقدرة هذه الدول أو تلك على الاتفاق   أو الاختلاف مع السياسة الأمريكية وأن ما سيحصل عليه الأردن أو سلطة الحكم الذاتي من مساعدات يرجع إلى مقدرتها في اقناع الولايات المتحدة إنهما ينفذان سياساتها في المنطقة .
  • يعتقد البعض ان مصالح الولايات المتحدة هي مع العرب وليس مع اسرائيل وعلى امريكا أن تعيد حساباتها وفق ذلك ما مدى صحة هذه المقولة ؟
  • هناك خلاف جوهري بين علاقة أمريكا بإسرائيل وعلاقتها  مع الدول العربية فأمريكا، و إلى حد ما أوروبا الغربية ، تنظر إلى اسرائيل أولاً على أنها امتداد حضاري لها ، وثانياً على أنها حارس و حام و مساعد على تأمين المصالح الحيوية   في المنطقة . بينما تختلف نظرة الأمريكيين و الأوروبيين إلى العرب وهم يرونهم ، في أحسن الأحوال على أنهم أصدقاء الضرورة  فرضتهم ظروف معينة . و تتلخص مصالح الولايات المتحدة في ثلاث نقاط هي :

أولاً-    النفط ، حيث تمتلك بعض البلاد العربية ما يصل إلى 62 في المئة من الاحتياطي العالمي بكل ما يعني ذلك من أهمية مستقبلية مع اقتراب نفاذ النفط في مناطق أخرى في العالم كروسيا والولايات المتحدة .

ثانياً-  الأسواق ، حيث يساهم الوطن العربي في التجارة العالمية استيراداً وتصديراً بنحو 3,5 في المئة أي ما يعادل 240 مليار دولار أمريكي وهو رقم يستحق أن يكون موضع اهتمام وتقدير من قبل أي قوة تجارية كبيرة في العالم .

ثالثاً- الأهمية الجيوسياسية ، أي موقع الوطن العربي و ما يمثله من قيم و أفكار و ثقافات خصوصاً مع ظهور بعض الاتجاهات التي تدل على أن هذه المنطقة مع مناطق الشرق الإسلامي الأخرى ستحمل نمطاً جديداً في الحياة يعارض النمط الغربي والأمريكي .

  • – قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيتخلى عن المساعدات الأمريكية خلال أربع سنوات هل يستطيع  أن يحقق ذلك ؟
  • إن إسرائيل في حاجة إلى الولايات المتحدة وهي تحتاج الموقف والتعاطف قبل المال ، وأنا أشك في أن يستطيع نتنياهو تنفيذ ما قاله ، ولو استطاع تحقيق ذلك إلا أنه لن يكون قادراً في التخلي عن احتضان الولايات المتحدة لإسرائيل الذي كان الأساس لما وصلت إليه الآن .
  • – ما ملامح التنافس الأوروبي- الأمريكي التي يمكن  أن تتبلور مستقبلاً ؟
  • يمكن أن يظهر شكل ما من التنافس بين هاتين القوتين لكن استبعد أن يصل إلى مرحلة المواجهة والصدام و لا يعود السبب إلى عدم وجود مبررات لهذه المواجهة لكن لعدم استطاعة اوروبا إلى الآن الدخول في مثل هذا الصدام لأن أمريكا أقوى اقتصادياً كما ذكرنا ، و لأن اوروبا مازالت تعتمد على القدرة العسكرية الأمريكية و أهم من ذلك كله أن أمريكا دولة واحدة في النهاية لها سلطة مركزية       و أجهزة القرار فيها تصنع قراراً واحداً لكن الوضع مختلف بالنسبة إلى أوروبا. القرارات متعددة رغم وجود الاتحاد الأوروبي ورغم ما يقال  عن اتحاد أمني وسياسي مع نهاية القرن الحالي . فرنسا مثلاً تريد أن تدفع الاتحاد الأوروبي نحو الشرق الأوسط و كانت زيارة الرئيس جاك شيراك الأخيرة مؤشراً مهماً  على ذلك كما أن بدء جولته في دمشق يدل على ما توليه فرنسا من أهمية لدور سورية . أما ألمانيا فتريد أن تدفع حركة الاتحاد الأوروبي نحو أوروبا الشرقية و هو اتجاه تقليدي موجود في السياسة الألمانية من أيام غليوم الأول و بسمارك وهناك دول اوروبية غربية أصغر حجماً تساند ألمانيا في هذا الاتجاه . والمركز الثالث في مراكز القوى الأوروبية هو بريطانيا التي تعتقد بضرورة إعطاء العلاقات مع الولايات المتحدة أولوية خاصة حتى إذا كانت على حساب أوروبا ، فكيف إذا كانت على حساب العلاقة مع منطقة المتوسط . إذاً فالوقت مبكر جداً للحديث عن صراع أوروبي أمريكي للأسباب السابقة و في ما يتعلق بالشرق الأوسط فإن أي تنافس بين أمريكا و الأوروبيين سيصب في مصلحة العرب خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار الانحياز الأمريكي الواضح لإسرائيل لأن القضية بين الحزبين المتنافسين في الانتخابات ليست قضية من مع إسرائيل أو ضدها . إنما هي من مع إسرائيل أكثر . ومن المؤكد أن دخول قوة أخرى كالاتحاد الأوروبي سينعكس إيجاباً لمصلحة العرب، ولكن إلى أي مدى ستكون هذه القوة قادرة على التأثير ؟ هذا أمر سنتركه للزمن ، لكني أرى في الوقت نفسه ، أننا يجب أن نساعد الرئيس شيراك ، خصوصاً   من يملك المال منا ، في اقناع الشعب الفرنسي بأن له مصالح كبيرة ومتبادلة مع الدول العربية .
  • – ما مصير العقوبات الاقتصادية الأمريكية على بعض الدول بعد انتهاء الانتخابات خصوصاً أنها أدت إلى خروج الولايات المتحدة من أسواق هذه الدول لحساب قوى اقتصادية أخرى كالاتحاد الأوروبي ؟
  • – إن الولايات المتحدة ستعيد النظر في هذه العقوبات طبعاً لأنها لم تكن ذات جدوى كبيرة وخير مؤشر على ذلك ما قاله مساعد وزير خارجية أمريكا روبرت بيللترو بأن بلاده تفكر في فتح حوار مع إيران إذا أعيد انتخاب بيل كلينتون مجدداً . و أعتقد أن الموقف من العراق سيكون مرتبطاً بالموقف من إيران       و العكس صحيح، أما بالنسبة إلى ليبيا فالأمر ربما سيكون مختلفاً.

 

لقاء صحفي لصحيفة الرأي العام الكويتية

      مع الدكتور محمد توفيق سماق