متى وكيف يطبق اتفاق الشراكة (السورية _ الأوروبية ) ــ المقال رقم /128/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   13793 تاريخ  12/2008/ 24

 

مع الإعلان عن التوقيع الثاني بالأحرف الأولى لاتفاق الشراكة  (السورية _الأوروبية ) عادت من جديد في وسائل الإعلام جملة من الأسئلة حول الجوانب الإجرائية المتعلقة بوضع الاتفاق موضع التطبيق ، كما أثيرت جملة من المخاوف المتعلقة بتنفيذه وأرى أنها في غير أوانها إذ لا يزال أمام هذا الاتفاق رحلة زمنية طويلة تمتد لأكثر من عقد من الزمن كي يوضع موضع التطبيق بشكل نهائي . فما هي أبرز محطات تلك الرحلة ؟

أ_   التوقيع بالأحرف الأولى:هذا التوقيع يعني في الجوهر أن الطرفين قد اتفقا على النص شكلاً وصياغةً ، أي أن هذا التوقيع له طابع فني . علماً بأنه كما هو معروف قد تم التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق للمرة الأولى في
19/10/2004 ولأسباب سياسية خاصةً الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة
الأمريكية على دول الاتحاد الأوروبي لم تستكمل إجراءات التوقيع والمصادقة
الأخرى .منذ عام 2004 وحتى الآن حصلت جملة من التغيرات على الجانبين
السوري والأوروبي ، منها :

      على الجانب السوري :تعديل الرسوم الجمركية خاصة ما يتعلق بالسيارات حيث تم
تخفيض جمارك السيارات في سورية بأكثر مما نصت عليه صيغة اتفاق عام 2004
مما اقتضى تعديل جدول التفكيك الجمركي في الصيغة السابقة ، تعديل بعض
الحصص الزراعية التي يمكن لسورية إدخالها معفاة من الرسوم الجمركية الى أسواق
دول الاتحاد الأوروبي كزيت الزيتون حيث تمت زيادة الحصة من 10000آلاف
طن سنوياً الى 12000 طن …..وغير ذلك .

على الجانب الأوروبي : لحظ انضمام رومانيا وبلغاريا الى الاتحاد الأوروبي مع
التعديلات المتعلقة بذلك كإضافة اللغتين الرومانية والبلغارية الى اللغات الرسمية
للاتفاق وتعديل عدد الأطراف المتعاقدة ليصبح 27 دولة أوروبية بدلاً
من 25 .

لذلك كان لابد من مواءمة وتكييف صيغة الاتفاق مع تلك التغيرات ومن ثم توقيعه
بالأحرف الأولى مرة ثانية وهذا ما جرى بالفعل بتاريخ 14/12/2008 في مبنى
رئاسة مجلس الوزراء بدمشق .

ب_ التوقيع النهائي : يقوم بالتوقيع النهائي على الاتفاق السلطات المختصة لدى الطرفين بتوقيع الاتفاقيات الدولية ( مثلاً وزراء الخارجية ) ، التوقيع النهائي ذو طابع سياسي وقانوني يعبر عن الإرادة السياسية للجهات المخولة قانوناً بالتعاقد . الحديث حالياً هو أن الجانب الأوروبي سيكون على استعداد للتوقيع النهائي على اتفاق الشراكة (السورية _ الأوروبية ) في النصف الأول من عام 2009 .

ج_  المصادقة : بعد التوقيع النهائي يحتاج الاتفاق قبل نفاذه الى مصادقة برلمانات دول الاتحاد الأوروبي وعددها 27 برلماناً ومصادقة مجلس الشعب السوري وهذا الأمر يحتاج عادة الى سنوات . فإجراءات المصادقة على اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس تطلبت نحو ثلاث سنوات وعلى الاتفاق مع المغرب نحو ست سنوات .

د_  التطبيق : بعد انجاز عملية التصديق على الاتفاق يتم إعلام الطرفين المتعاقدين بعضهما البعض بأن إجراءات المصادقة قد استكملت ، ومن ثم يدخل الاتفاق حيز النفاذ في اليوم الأول من الشهر الثاني الذي يلي تاريخ الإعلام . تسمى الفترة التي تمتد من بدء نفاذ الاتفاق وحتى الانتهاء من تطبيقه بشكل كامل بالفترة الانتقالية وتمتد في اتفاق الشراكة (السورية _الأوروبية ) اثني عشر عاماً . يتكون الاتفاق من 11 باب تضم 143 مادة و3 تصاريح و4 إعلانات و8 ملاحق و8 برتوكولات . في هذا السياق لابد من التوضيح أن الاتفاق نص على دخول بعض أبوابه ومواده حيز النفاذ بعد ستين يوماً (60 يوم ) من التوقيع النهائي ، أي قبل استكمال إجراءات المصادقة وأهمها الأبواب والمواد المتعلقة بـ: المدفوعات وحركة رأس المال _ المنافسة وحقوق الملكية الفكرية _ التعاون الصناعي _الأنظمة الفنية والتقييس وتقييم المطابقة _ الزراعة والأسماك _ التعاون الجمركي …أما بقية أجزاء الاتفاق فلا تدخل حيز النفاذ إلا بعد استكمال إجراءات المصادقة . بقي أن نشير الى أنه ليس لاتفاق الشراكة  مدة محددة زمنياً لكنه نص في أحد مواده على حق أي من الطرفين المتعاقدين إنهاء الاتفاق بإشعار الطرف الآخر رسمياً بذلك ، حيث يتوقف العمل به بعد ستة أشهر من تاريخ هذا الإشعار . هذا من الناحية الإجرائية أما من الناحية العملية فأرى أسباباً عديدة حضارية ،سياسية واقتصادية تبرر حرصنا على إبرام  هذا الاتفاق وتطبيقه .

حضارياً سيعني الاتفاق تطوير علاقاتنا مع جزء هام من العالم الصناعي العالم المنتج للتطور العلمي والتقدم التكنولوجي وسياسياً سيساهم في تعزيز دور سورية على المستوى الإقليمي والدولي أما اقتصادياً فسيتيح للسلع السورية فرصة أكبر للنفاذ إلى الأسواق الأوروبية كما أنه قد يزيد من الطلب الأوروبي على المتاح لدينا من الخدمات . بالمقابل يفرض علينا الاتفاق جملة من التحديات في مقدمتها زيادة القدرة التنافسية لاقتصادنا .

تأسيساً على ما سبق يمكن القول بأن الوقت مازال مبكراً للنشوة بالاتفاق أو القلق من تداعياته فنحن على أبواب مرحلة انتقالية ستمتد الى ما يزيد على اثني عشر عاماً إذا سار كل شيء بيسر وسهولة . فلنحاول الاستفادة من هذه المرحلة بتوظيف سنواتها لتكييف أوضاعنا وتهيئتها للتعامل مع استحقاقات الشراكة أياً كانت فرصاً أم تحديات .

 

 

                                                                الدكتور  محمد توفيق سماق