مشروعية البعث بين الماضي و الحاضر ــ المقال رقم /121/

صحيفة البعث   – دمشق – سورية

العدد:   13385 تاريخ  4/2008/ 9

 

نزعة البعث في الماضي لتوحيد العرب في دولة واحدة( أي إقامة دولة لأمة بلا دولة)بعد تحرير أرضهم من الاستعمار مع تحرير المقهورين فيهم من الاستبداد والمحرومين بينهم من الاستغلال ، هي النزعة التي أعطت للبعث مشروعية الولادة في 7 نيسان عام 1947وصاغها في شعاره الأشهر ” أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ” كما عبر عنها في ثالوثه المعروف   ” وحدة _ حرية _ اشتراكية” .

في الحاضر أجد النزعة ذاتها هي ما تعطي للبعث اليوم مشروعية الاستمرار ، لكن مع التأكيد على التطور في المفاهيم والاختلاف في الوسائل .

الوحدة أرادها البعث في الماضي اندماجية وبأقصر زمن وصنف كل من يعيق تحقيقها في الخارج عدواً وفي الداخل عميلاً لأعداء الخارج . مع تغير الزمن وتعمق مفهوم  الدولة القطرية وثبات كيانها أضحى البعث أكثر استعداداً للمرونة وأكثر ميلاً للحلول الوسط . فالعمل المشترك بين العرب أصبح مقبولاً والتعاون فيما بينهم صار أمراً مرضياً أما التضامن فأضحى مطلباً ، لكن كله يجب ألا يقود لنسيان الهدف الأسمى والأبعد وهو الوحدة . من حق الأجيال الحالية وبحكم حقائق الواقع أن تكون مرنة وأن تكون وسطية ، لكن ليس من حقها التخلي عن هدف الوحدة لأن في ذلك مصادرة لحق الأجيال القادمة في المحاولة وهي بدورها قد تستطيع تحقيق الوحدة وقد لا تستطيع ؟ لكن يبقى ذلك حقاً متوارثاً وواجباً مُرحّلاً تلتزم به الأجيال جيلاً بعد جيل . الحرية كذلك هي أكثر من حق هي دين الفطرة للإنسان عربي كان أم غير عربي وإن تم الاعتداء عليه بالاستيطان أو الاحتلال كما هو الحال اليوم في فلسطين أو العراق ….أو غيرها بسبب ضعف العرب وجبروت خصومهم فيجب ألا يقود ذلك الى الردة عن دين الفطرة . ذلك ينبغي أن يقودنا للتعامل المرن مع حقائق الواقع على أمل وعمل لتغيير موازين القوى السائدة فيه انتصاراً لفطرة الإنسان وتلبية لمقتضيات العدالة ، والعدالة في الجوهر هي ليست أكثر من تعادل القوى كما يقول أحد أبرز أعلام عصر النهضة والتنوير العربي الشيخ محمد عبده . أما تحرير الإنسان من القهر المادي فكان مطلب البشرية منذ الأزل وسيبقى كذلك الى الأبد . فقد جاءت الأديان السماوية وكتابات المصلحين والفلاسفة تدعو الى العدل الاجتماعي والمساواة ، كما عاشت البشرية تاريخ حافل بالثورات والصراعات محوره مطلب العدل ونداء المساواة وكلاهما يشكلان هدف الاشتراكية وغايتها ، لكن أي اشتراكية تلك التي تستطيع في عصرنا الراهن الاستجابة لمطلب العدل ونداء المساواة ؟

أغلب الظن أن الاشتراكية كنظام طبقي هي خيار فات أوانه ومقولة عصر انقضى زمانه ، أما الاشتراكية كنظام وفرة وعدالة ( أي وفرة في الإنتاج وعدالة في التوزيع ) فلا زالت اليوم كما كانت بالأمس حاجة ومطلباً . فوجود أحزاب التوجه الاشتراكي في أعرق الدول الأوروبية ليبرالية كحزب العمال في بريطانيا والحزب الاشتراكي في فرنسا والديمقراطي الاشتراكي في ألمانيا وتناوبها على السلطة مع أحزاب المحافظين في تلك الدول دليل على صحة الاستنتاج السابق . كما أن وصول العديد من الأحزاب ذات التوجه اليساري في أمريكا اللاتينية (فنزويلا_ بوليفيا_ تشيلي…) الى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع شاهد راهن آخر من دول الجنوب على ذلك .

أما بالنسبة لحزب البعث فجزء من مشروعيته يشتق من كونه حزب الضعفاء والمحرومين في المجتمع ومع ذلك فالتكيّف مع منطق العصر وحقائق الواقع يتطلب منه الانفتاح في التعامل على مختلف طبقات وشرائح المجتمع . إلا أن ذلك يجب ألا ينسيه التزامه بمصالح  من يمثل ، وإذا رغب في أن يتحول الى حزب للقادرين والمترفين فأغلب الظن أن هؤلاء لن يقبلوا به وهذا حقهم . لأن للقادرين والمترفين مذاهبهم ومصالحهم التي يمكن أن تعبر عن نفسها في أحزاب سياسية أخرى عندما يحين الوقت ، أوليست الأحزاب طلائع سياسية لقوى المذاهب والمصالح ؟

علينا كبعثيين أن ندرك ذلك فالقضية ليست فقط ما نرغب به نحن إنما أيضاً ما يقبل به الآخرون ؟

الدكتور محمد توفيق سماق