مفهوم العولمة وتاريخها ــــ المقال رقم /49/

صحيفة البعث – دمشق – سورية

العدد: 10306 تاريخ 4/1997 /30

لعل من أهم المصطلحات الفكرية شيوعاً في أدبيات عالم اليوم هو مصطلح العولمة . ففي الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد حالياً نجد للعولمة معاني ونتلمس لها آثاراً فما هي العولمة ؟  وكيف تطور مفهومها عبر عصور التاريخ المتعاقبة ؟ من الجانب اللغوي يمكن اعتبار مصطلح العولمة الترجمة العربية لبعض المصطلحات المستخدمة في عدد من اللغات الأوروبية ومن هذه المصطلحات نورد الآتي :

-Kosmo  politismus  أي سياسة العولمة أو الكوننة و هو مصطلح مركب مشتق من كلمتين هما Kosmo أي العالم أو الكون في اللغة اليونانية و plitik أي سلوك أو سياسة في اللغتين اليونانية  و اللاتينية .

– Globalisation أي العولمة أو الكوننة أيضاً وهذا المصطلح مشتق من كلمة Global و تعني العالم أو الكون أو الأرض في اللغة اللاتينية.

– بنفس الطريقة يمكن اشتقاق مصطلح التدويل من كلمة International التي تعني أممي أو غير قومي في اللغة اللاتينية .

المصطلحات السابقة وغيرها من المصطلحات المشابهة تحمل معاني متقاربة وتدل على ذلك النهج الهادف إلى إضفاء طابع عالمي أو كوني أو دولي على النشاط الإنساني عامة ( السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي… )  والهدف من ذلك –  كما يقول دعاة العولمة – جعل الإنسان أكثر أمناً من الناحية المادية و أكثر سعادة من الناحية النفسية.   من الجانب الفلسفي نستطيع أن نتلمس الجذور الأولى لاهتمام الفلاسفة بالوجود و الكون كظواهر كلية منذ القدم فالفيلسوف اليوناني أرسطو شغله هذا الموضوع في سياق بحثه الدائم عن سعادة الإنسان على الأرض التي نظر إليها ككتلة إجمالية واحدة مكونة لمركز الكون ولدى فلاسفة العصر الصناعي الأوروبيين نجد قضية البحث عن سعادة الإنسان بصرف النظر عن عرقه و جنسيته و جغرافية وجوده أحد محاور نشاطهم الفلسفي.   من أبرز هؤلاء عدد من مشاهير الفلاسفة الألمان من أمثال   ( كانت ، هردر … وغيرهم ) هؤلاء الفلاسفة كانوا سياسياً من منظري   و دعاة الدولة القومية باعتبارها الشكل الأرقى والأكثر تطوراً مقارنة بدوله الإمارة الإقطاعية التي كانت سائدة في أوروبا عامة و ألمانيا على وجه الخصوص . لكن من الناحية الاجتماعية كانوا يعتبرون البشرية كلاً واحداً لابد من البحث عن شروط سعادتها والعمل على تحقيقها وفي هذا السياق رأوا السلام بين البشر أو الدول مفتاح السعادة و شرطها الضروري ففي بداية الحروب البونابرتية أطلق كانت مقولته الشهيرة  لنعمل « من أجل سلام أبدي » في عام ١٧٩٥ وفي نفس الفترة تقريباً ( ١٧٩٢-١٧٩٧ ) كتب الفيلسوف الألماني هردر رسائله الشهيرة التي حملت عنوان « من أجل سمو الإنسانية » وفي عام ١٧٩٢ كان الشاعر والأديب الألماني شيلر سعيداً بمواطنة الشرف التي منحت له من قبل الجمهورية الفرنسية الأولى على خلفية تعاطفه مع أفكار الثورة الفرنسية على الرغم من العداء المستحكم بين الإمارات الألمانية في ذلك الوقت و الجمهورية الفرنسية الوليدة  أما العولمة كإيديولوجيا كونية فقد مرت منذ أواخر النصف الأول للقرن التاسع عشر وحتى الآن بمراحل تطور متلاحقة حيث حملت تسميات مختلفة ورفعت لواءها قوى عديدة متعارضة في مذاهبها  ومصالحها إلى درجة التناقض أحياناً بدءاً بكارل ماركس  و أمميته الشهيرة وانتهاءً بدعاة اليوم حاملي لوائها من أعلام الفكر والسياسة في الغرب ومن أبرز تلك المراحل الآتية :

  • عولمة الصراع الطبقي : منذ نحو قرن ونصف لخص كارل ماركس دعوته الأممية بمقولته الشهيرة « يا عمال العالم اتحدو ا» التي ختم فيها البيان الشيوعي الذي نشر للمرة الأولى باللغة الألمانية في لندن عام 1848 . منذ أن أطلق ماركس هذا النداء مرت الدعوة الأممية ( أو العالمية ) الماركسية بمراحل مختلفة وأطوار متعددة منذ انعقاد مؤتمرها التأسيسي في لندن عام 1864 و حتى حلها  في 15/5/1943 . فالأممية الأولى / أممية عام 1864/ انتهت بسقوط كومونة باريس والأممية الثانية التي عقدت مؤتمرها التأسيسي في باريس عام 1889 و سميت فيما بعد أممية برن / نسبة إلى مقر لجنتها التنفيذية في مدينة برن السويسرية / انتهت مع الخلافات الحادة التي نشأت بين أجنحتها المتعددة بشأن الموقف من الحرب العالمية الأولى . وبعد ثورة أكتوبر في روسيا  ووصول البلاشفة   إلى السلطة عادت الدعوة الأممية إلى الحياة مرة أخرى أكثر نشاطاً  و أشد حماساً بتأثير الانتصار الذي حققته الثورة و بدفع قوي   من زعيمها لينين تحت اسم الأممية الثالثة أو / الأممية الشيوعية / حيث عقدت سبعة مؤتمرات عالمية كان أولها في موسكو          2-1919/3/6 وآخرها المؤتمر السابع في موسكو أيضاً   / عقد عام 1935/ .و كما حُلت الأمميتان السابقتان حُلت الأممية الثالثة  بقرار من رئاسة لجنتها التنفيذية اتخذته بتاريخ 15/5/1943 حيث أعلنت  قرار الحل مع التبرير التالي :  « إن التنوع الواسع النطاق في مشاكل العالم و التباين الشديد في ظروف مناطقه المختلفة يجعل من وجود مركز عالمي واحد لإدارة شؤون الأممية عاملاً معيقاً لتطورها ونجاحها » أي أن الأممية الثالثة حلت نفسها لأنها لم تستطيع أن تبدل أو تطوع حقائق الحياة   من تنوع واختلاف .
  • عولمة التقارب الأيديولوجي : في أوائل الستينات من هذا القرن  وفي ذروة اشتداد الصراع بين المعسكرين الاشتراكي السابق و الرأسمالي بادر عدد من مفكري الغرب إلى طرح ما سمي بـ « نظرية التقارب konvergenztheorie »  وملخصها أن التناقض القائم بين نمطي الحياة الاشتراكي و الرأسمالي قد بدأ يفقد مبرراته بسبب التقارب الحاصل بين نمطي الإدارة وتوزيع الثروة  في المجتمعين . ففي كلا المجتمعين الرأسمالي و الاشتراكي يتولى الإدارة في الغالب طبقة من المديرين غير المالكين وبالتالي فدور الطبقة العاملة أو البروليتاريا متشابه باعتبارها قوة العمل التي تقدم جهدها ودور الدولة في كلا المجتمعين أيضاً متشابه فالدولة الاشتراكية تدخلية عن طريق ملكيتها لوسائل الإنتاج والدولة الرأسمالية تدخليه عن طريق ملكيتها لحق رسم السياسات المالية والضريبية والنقدية . تأسيساً على ما سبق اعتبر هؤلاء بأن الصراع الأيديولوجي بين النظامين بدأ يفقد مبرراته و توقعوا بأن العالم ككل يقترب  من صياغة نظام دولي جديد و هجين يحمل في طياته أفضل سمات النظامين المتناحرين الاشتراكي و الرأسمالي أي نظام يقوم فيه المدراء وليس المالكين بالدور الاقتصادي وتقوم فيه الدولة وليس الأيديولوجيا بالدور الاجتماعي / أي توزيع الثروة / . لاقت هذه النظرية في حينه معارضة شديدة من قبل مفكري العالم الاشتراكي و اعتبروها نظرية رجعية تفتقر إلى العلمية وتهدف إلى إخراج الرأسمالية من أزمتها التاريخية / حسب مصطلحات ذلك العصر / و بنتيجة هذه المعارضة وغيرها وصلت أيضاً هذه المحاولة لصياغة نظام دولي جديد   على أساس أيديولوجيا عالمية واحدة وهجينة إلى طريق مسدود .
  • عولمة الإعلام : من أوائل الذين تحدثوا عن هذا النوع من العولمة عالم الاجتماع الكندي و الأستاذ في جامعة تورنتو مارشال ماك لوهان عندما صاغ نهاية الستينات مفهوم « القرية العالمية » . ارتبط مفهوم « القرية العالمية » لدى لوهان بفرضية أطلقها في ذلك الوقت حيث تنبأ بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستخسر الحرب الفيتنامية حتى و إن لم تهزم عسكرياً . بنى لوهان فرضيته هذه على أن هذه الحرب قد تحولت إلى حرب تلفزيونية والتلفزيون بدوره حول العالم إلى قرية عالمية وسكان هذه القرية لن يسمحوا للإدارة الأمريكية بالاستمرار في قصف فيتنام إلى ما لانهاية . فالتلفزيون ينقل لسكان « القرية العالمية » ساعة بساعة بالصوت و الصورة و اللون بشاعة الحرب وجسامة ضحاياها وتضحياتها وتوقع لوهان أن يثير ذلك مشاعر العداء ضد الإدارة الأمريكية في مختلف أنحاء العالم وخاصة في أمريكا ذاتها و سيؤدي ضغط الرأي العام الأمريكي إلى إجبار الإدارة الأمريكية على وقف الحرب وهذا ما حصل بالفعل لاحقاً في عام 1973 .
  • العولمة السياسية : التقط فكرة « القرية العالمية » فيما بعد زبيفنيو بريجنسكي الذي شغل منصب مستشار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر خلال الفترة       / 1977-1980 / حيث حاول تحويلها هذه المرة لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية . ملخص وجهة نظره كانت أنه أمام أمريكا فرصة لتقدم للعالم أجمع « نموذجاً كونياً » للحداثة ونموذج كهذا لابد أن يحمل بالضرورة قيم المجتمع الأمريكي ونمط حياته . استنتج بريجنسكي هذه الإمكانيات من خلال سيطرة الولايات المتحدة على نحو 65% من التدفقات الإعلامية العالمية   / في ذلك الوقت /  أي في العصر الذي سماه بريجنسكي نفسه العصر التكنوتروني أي عصر تكنولوجيا الإلكترونات ومن أهمها تكنولوجيا الاتصالات ، وهذا ما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إنجازه بعد تفردها على قمة العالم كقوة عظمى وحيدة بلا منازع .
  • العولمة الشاملة : هي ذلك النهج الهادف إلى إضفاء طابع عالمي على النشاط الإنساني عامة / كما أوضحنا في مطلع هذه الدراسة / ولقد ارتبط تطور هذا النهج بعدد من المتغيرات الهامة على الصعيد العالمي التي « أثرت فيه وتأثرت به » ، من أبرز هذه المتغيرات :
  • تدويل عملية الإنتاج : أدى التطور التكنولوجي الهائل في قوى الإنتاج « تكنولوجيا الإنتاج السلعي الكبير والكثافة الرأسمالية العالمية »  إلى جعل الاقتصاديات ذات الأحجام الصغيرة بما فيها اقتصاديات الدول القطرية غير قادرة على الاستخدام الواسع للتكنولوجيا الحديثة   أو الراقية و لا على تطويرها وقد انعكس هذا الوضع الجديد  في الاقتصاد العالمي باتجاهين :

– نشوء التكتلات الإقليمية الكبرى .

– نشاط الشركات المتعددة الجنسية .  

ففي عام 1975 كان عدد تلك الشركات يقدر بنحو 11000 شركة رئيسية يتبع لها نحو 82000 شركة فرعية تعمل في مختلف مناطق العالم وكانت قيمة مبيعاتها نحو 25% من إجمالي التجارة العالمية  في ذلك الوقت . في عام 1990 ارتفع هذا العدد إلى نحو 37500 شركة رئيسية يتبع لها نحو 200000 شركة فرعية ، بلغت قيمة مبيعاتها نحو 50% من إجمالي الناتج القومي العالمي في نفس العام   من جملة ما رافق تطور الشركات المتعددة الجنسية هجرة اليد العاملة و رؤوس الأموال إلى خارج بلدانها الأصلية  فشركة نستله السويسرية تستخدم نحو 96% من العاملين فيها خارج بلدانهم الأصلية و شركة الكترولوكس السويدية تستخدم نحو 82% من العاملين فيها خارج بلدانهم الأصلية والشيء نفسه ينطبق على التوظيفات الرأسمالية فبدل أن يستورد رأس المال اليد العاملة أصبح أكثر ميلاً لأن يهاجر هو نفسه إلى حيث توجد اليد العاملة الماهرة و الرخيصة معاً.  فتوظيفات رأس المال الياباني في الخارج ارتفعت من نحو 17 بليون دولار أمريكي في عام 1980 إلى نحو 217 بليوناً عام 1990 و رأس المال الأمريكي ارتفعت استثماراته في الخارج من نحو 110 بلايين دولار    في عام 1980 إلى نحو 206 بلايين عام 1991 .

ب– تدويل /أو تحرير / التجارة العالمية : تم تناول هذا الموضوع   في أكثر من مناسبة لذلك سنكتفي بالإشارة إلى أن من النتائج الهامة لتوقيع اتفاق مراكش و إنشاء منظمة التجارة العالمية خلق نظام تجاري دولي وفق قواعد نمطية جديدة ذات طابع عالمي مما يضعف من قدرة الدول المحلية الصغيرة منها على وجه الخصوص على صياغة سياساتها المتعلقة بالتجارة الخارجية بشكل مستقل ، وبما ينسجم ومصالحها القطرية فقط والمتتبع للمواضيع التي نوقشت في اجتماع المجلس الوزاري للمنظمة في سنغافورة / الشهر  12/ 1996 يستطيع الوصول إلى الاستنتاج السابق دون عناء .

ج-تدويل أسواق المال العالمية:  بالمقارنة مع حركة الاستثمارات والتجارة العالمية فإن حركة رأس المال في أسواق البورصة العالمية سجلت ارتفاعاً كبيراً منذ عام 1980 وحتى عام 1995 بلغ نحو أربعة أضعاف . قدر وسطي حجم العمليات المالية بالقطع النادر في أسواق البورصة العالمية بنحو 1200 بليون دولار أمريكي يومياً أي نحو50 ضعف الحجم اليومي للتجارة العالمية في السلع والخدمات  / بيانات عام 1995 / .

د-تدويل السياسات المالية والاستثمارية: يمكن استبيان ذلك من خلال الدور الحاكم والفاعل لصندوق النقد الدولي و البنك الدولي في الحياة الاقتصادية الدولية . فالاتجاه السائد حالياً على ما يبدو هو السعي لإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يرتكز إلى ثلاثة أنظمة فرعية تديرها ثلاث مؤسسات دولية كبرى وقادرة وفق  الصيغة التالية : نظام نقدي دولي بإدارة صندوق النقد الولي ، نظام استثماري دولي بإدارة البنك الدولي ، نظام تجارة عالمي بإدارة المنظمة العالمية للتجارة.

ه-مشاريع التعاون الإقليمي : وأهمها بالنسبة للمنطقة العربية حالياً الشراكة المتوسطية والجهود التي تبذلها بعض القوى الغربية لتأسيس السوق الشرق أوسطية .

و- تدويل بعض القضايا السياسية والاجتماعية: من هذه القضايا التي طرحت في سوق التدويل حيث عقد للبعض منها مؤتمرات دولية بإشراف الأمم المتحدة القضايا التالية : الأمن – التسليح – حقوق الإنسان – البيئة – وغيرها . القاسم المشترك بين محاولات تدويل تلك القضايا هو العمل على نقل الاختصاص في معالجتها من اختصاص الدولة القطرية إلى اختصاص السلطة العالمية حتى أن بعض المتطرفين من دعاة العولمة يدعون لتشكيل حكومة عالمية يوكل إليها معالجة تلك القضايا وما شابهها ففي مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية الذي عقد في كوبنهاغن في آذار ١٩٩٥ وجه جان تنبرغن أول فائز بجائزة نوبل في علم الاقتصاد عام ١٩٦٩ رسالة إلى المؤتمر بعنوان  « حكم عالمي من أجل القرن الحادي والعشرين » بدأها بقوله « لم تعد مشاكل البشرية من الممكن أن تحلها الحكومات الوطنية فما يلزم هو حكومة عالمية » ثم تابع في رسالته عرض بعض المقترحات لتنظيم العالم على أسس دولية و ختمها بالقول « بعض هذه المقترحات لا ريب ، بعيدة الاحتمال وتتجاوز آفاق الإمكانيات السياسية الحالية ولكن المثاليين الموجودين اليوم كثيراً ما يصحبون الواقعيين في الغد ».

ز- تغير مفهوم السيادة : المتغيرات السابقة و غيرها تؤدي بالتداعي إلى تشكيل متغير آخر ربما كان أكثرها أهمية وهو تحول جوهري   في مفهوم سيادة الدول على أراضيها و مواردها فالحق في السيادة   الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة و كذلك المواثيق و الأعراف الدولية الأخرى لم يعد مطلقاً كما كان بل تحول في ظل المتغيرات الجديدة حيث أضحى نسبياً ولم تعد قدرة الدول على رسم سياستها وصياغة علاقاتها الدولية محكومة بالمصلحة القطرية فقط بل أصبحت الدول مطالبة بأكثر من ذلك فهي مطالبة بالانسجام مع التوجهات العامة لنهج العولمة والتكيف مع مفاهيمه والتعبير عن مصالحها بلغته و إلا اعتبرت نشازاً وصنفت مع الخارجين على قوانينه .

تأسيساً على كل ما سبق يمكن استنتاج الآتي :

  • إن العولمة كنزعة إنسانية فلسفية موجودة منذ القدم وقد عرف تطورها حالات مد و جزر تبعاً لحركة المجتمعات البشرية وقواها الفاعلة إلى أن تحولت إلى نهج يحاول في المرحلة الراهنة تأكيد حضوره  في العديد من مجالات النشاط الإنساني .
  • في حال استطاع نهج العولمة الارتقاء لأن يصبح الظاهرة التاريخية للقرن الحادي والعشرين كما هو حال القومية التي أضحت الظاهرة التاريخية للنصف الثاني من القرن التاسع عشر و كذلك للقرن العشرين فإن لهذا التحول ضحايا و تضحيات . من أبرز هؤلاء الضحايا الدول القطرية هذا لا يعني بطبيعة الحال إلغاء الدول القطرية لكن سيؤدي إلى تغيير جوهري في وظيفتها ، فالدولة القطرية إنتاج الظاهرة القومية و أي انحسار لهذه الظاهرة لمصلحة العالمية سيؤدي بالتداعي إلى انحسار مواز لدور الدولة القطرية لمصلحة السلطة العالمية وإذا جاز في هذا السياق الاستعانة ببعض مصطلحات القانون الدولي فأغلب الظن أن عصراً كهذا سيقتضي إعطاء الحق في السيادة للسلطة العالمية مع إعطاء الحق في الولاية للدولة القطرية .
  • إن العديد من محاولات العولمة في السابق قد وصلت إلى طريق مسدود إلا أن ما يميز نهج العولمة الحالي شموليته من ناحية والقدرة الهائلة لقوى الغرب التي ترفع لواءها و تحمل رسالتها من ناحية أخرى . هذا ما يحسب للعولمة ونهجها أما ما يحسب عليها وليس من سبيل لتبديله فهو حقائق الحياة وما تفرضه من تنوع واختلاف وهذا ما اعترفت بعجزها عن تبديله أو تطويعه أممية ماركس ولينين من قبل .

على أية حال يبقى السؤال الجوهري دون إجابة وهو : هل ستستطيع العولمة فعلاً الارتقاء لأن تصبح الظاهرة التاريخية للقرن القادم ؟ أم أن الإفراط فيها قد يؤدي إلى ردود فعل انكماشية يحيل العالم لا إلى « قرية كونية » بل إلى  « جزر مغلقة » محاطة ببحور من القلق والخوف وعدم التسامح ؟ الإجابة الدقيقة لدى الزمن وحده فلنتابع مستجداته ؟.

 

 

 

الدكتور محمد توفيق سماق