مقال أعدته و نشرته صحيفة الثورة حول محاضرة للدكتور محمد توفيق سماق في ندوة الثلاثاء الاقتصادية العاشرة بعنوان القطاع العام الصناعي واقتصاد السوق ــ المقال رقم / 39 /

صحيفة الثورة – دمشق – سورية     

العدد :9995 –   تاريخ 9/5/1996

في ندوة الثلاثاء الاقتصادية العاشرة التي تقيمها جمعية العلوم الاقتصادية ألقى الدكتور محمد سماق محاضرة بعنوان ” القطاع العام الصناعي واقتصاد السوق ” أوضح في بدايتها أن الغاية من هذه الدراسة هي المساهمة في توضيح قضايا أربع على درجة عالية من الترابط وهي التساؤلات التالية:

  1. كيف يبدو عالم اليوم وما هي خيارات الجنوب ؟
  2. لماذا نحن بحاجة إلى القطاع العام ؟ وفي أية مجالات ؟
  3. ما هو الوضع الراهن للقطاع العام الصناعي ” بنيته وأداؤه ” ؟
  4. وأخيراً هل استطاع القطاع العام الصناعي في سورية التعايش مع قوانين السوق؟

وفي عرضه الإجابة على التساؤل الأول ، وبعد ظهور مقولة النظام العالمي الجديد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وإشاعة استخدامها في الأدبيات السياسية مع نهاية حرب الخليج الثانية على لسان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ، وبعد عرضه تساءل المحاضر كيف تتجلى عالمية النظام الجديد ، وما تأثير ذلك على مفهوم الدولة القطرية وخاصة في العالم النامي وقال مجيباً : من الناحية الاقتصادية يبدو الاتجاه السائد حالياً هو السعي لإقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يرتكز على ثلاثة أنظمة فرعية تديرها ثلاث مؤسسات دولية كبرى ، وفق الصيغة التالية : نظام نقدي دولي بإدارة صندوق النقد الدولي ، ونظام استثماري دولي بإدارة البنك الدولي ، ونظام تجاري عالمي بإدارة المنظمة العالمية للتجارة ” WTO ” وخلص المحاضر إلى القول : من المتوقع أن يؤدي زيادة مستوى تحرير التجارة العالمية ” اتفاقيات الغات ” إلى تطور مواز في الطلب ، وبالتالي زيادة في استغلال الطاقات الإنتاجية المتاحة والكامنة على المستوى العالمي مما سيؤدي إلى زيادة للدخل العالمي تقدر ما بين 213 و 274 مليار دولار أمريكي سنوياً حتى عام 2002 يمكن للدول النامية الحصول على جزء منها . إلى أن يقول : إن رهان الجنوب العملي والواقعي ربما كان في قدرته على التكيف   فهل ينجح في ذلك ؟

 حاجتنا للقطاع العام

وفي عرض إجابته على التساؤل الثاني لماذا نحن بحاجة إلى القطاع العام ؟ وفي أية مجالات ؟ يقول د.سماق : تعمل سورية على تطوير تعددية اقتصادية يلعب فيها القطاع العام دوراً أساسياً إذ أن العديد من قطاعات التنمية يصعب على القطاع الخاص تحمل أعباء النشاط الاقتصادي فيها أو لا تدخل ضمن نطاق اهتماماته أصلاً بسبب ارتفاع تكاليفها الاستثمارية ، أو انخفاض وربما انعدام عوائدها المباشرة ، منها قطاع المشاريع ذات الصفة الإستراتيجية ، وقطاع المشاريع ذات التكلفة الرأسمالية العالية ، وقطاع المشاريع ذات العائد الطويل الأجل وعرض المحاضر أن الأمور نسبية بين الدول إلى أن يقول : إن الاهتمام الذي توليه الدولة للقطاع الخاص أو القطاعات الاقتصادية الأخرى يجب   ألا يحجب عنا هذه الحقيقة ويجب ألا يعني أن  ثمة تناقضاً بين قطاعاتنا الاقتصادية ، فالتعددية الاقتصادية يمكن اعتبارها آلية إنمائية تسمح بنشوء اقتصاد تتعدد فيه أشكال ملكية وسائل الإنتاج.

القطاع العام الصناعي

وفي عرضه للجزء الثالث من المحاضرة حول الوضع الراهن للقطاع العام الصناعي ” بنيته وأداؤه ” تحدث د. محمد سماق قائلاً في هذا المجال : شهد القطاع خلال السبعينات وحتى منتصف الثمانينات توسعاً كبيراً شكلت الاستثمارات الحكومية الموظفة في هذا القطاع خلال الفترة 1971 ــ 1985    نحو 25 مليار ل.س تبلغ 18% من إجمالي الاستثمارات الاقتصادية الأخرى والمقدرة  بنحو 142 مليار ل.س خلال ذات الفترة . وفي الفترة التي تلتها استمرت الدولة في تطوير الصناعة فازداد المجموع التراكمي لرؤوس الأموال المستثمرة فيه من 29,3 مليار ل.س إلى 59,6 مليار ل.س سنة 1985 بمعدل نمو وسطي 19,4% سنوياً بينما ارتفع الرقم إلى 83,2 مليار ل.س نهاية عام 1992 وفق صرف سعر الدولار آنذاك . وتوصل المحاضر إلى عدة نتائج أبرزها:

  • سجلت القيم المطلقة للمؤشرات المدروسة تطوراً إيجابياً مضطرداً منذ أواسط السبعينات وحتى أواسط التسعينات ” الصناعة التحويلية ” .
  • يحسب على قطاع الصناعات التحويلية وليس له التزايد المستمر لقيمة استهلاكاته الوسطية في الفترة 1980 – 1992 وبالتالي انخفاض القيمة المضافة لنشاطه الاقتصادي من 41% عام 1980 إلى 16% عام 1992 ، والتنامي المضطرد لقيمة وارداته في الفترة 1975 – 1993 بأكثر من أربعة أضعاف ، وانخفاض نسبة تغطية صادرات هذا القطاع إلى وارداته من 27% عام 1980 إلى 18% عام 1993 إلى أن يصل د.سماق إلى السؤال هل يستطيع القطاع العام الصناعي في سورية التعايش مع قوانين السوق؟

وبعد عرض المحاضر لمصطلح السوق في الأنظمة الاقتصادية المركزية المخططة وكيف تقوم فلسفة التخطيط في كلا النظامين قال : بالنسبة لنا في سورية نعيش ومنذ فترة مرحلة انتقال هادئ لكنه مستمر من عصر الاقتصاد المخطط مركزياً إلى عصر اقتصاد السوق وضرب عدة أمثلة على ذلك منها : تطور دور القطاع الخاص نتيجة لنهج عقلنة دور الدولة وترشيده منذ قيام الحركة التصحيحية المجيدة بقيادة الرئيس حافظ الأسد عام 1970 فازدادت مساهمة هذا القطاع في مجمل تكوين رأس المال الثالث للاقتصاد الوطني من 30% إلى 55% أوائل التسعينات وازدادت مساهمته في تكوين الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 46% عام 1975 إلى 60% عام 1993. في مجال الإجابة على السؤال يقول د.سماق : بصرف النظر عن العواطف الشخصية الإيجابية تجاه القطاع العام ككل والصناعي خصوصاً ، تقتضي الموضوعية الاعتراف بأن الإجابة بنعم أو لا ليست يسرة كما يبدو للوهلة الأولى وأغلب الظن أن الإجابة بنعم مرتبطة إلى حد كبير بقدرة هذا القطاع على التكيف مع المناخ الجديد السائد في السوقين الداخلية والخارجية .

ويشير إلى أن التكيف يقتضي إجراء مراجعة موسعة للسياسات الموجهة لنشاط هذا القطاع وكذلك للآليات الحاكمة لعمله الاقتصادي. معدداً العديد من القضايا مثل سياسة التصنيع ، وأسلوب التخطيط ، والأنظمة والتشريعات ، والسياسات المالية وأنظمة ضبط الجودة ومراقبتها وغير ذلك والتي تحتاج المراجعة الجادة.

المسؤولية والصلاحية

وإلى أن يقول : ومع مرور الزمن تراكم لدينا في مجال إدارة ملكية الدولة عدد من القواعد غير السليمة القائمة على مبدأ الوصاية الشاملة  للمالك أو من يمثله ، بدءاً من التخطيط وانتهاءً بالعديد من الجوانب التفصيلية للعملية الإدارية . بحيث أصبحت الصلاحية تمارس بشكل جماعي من جهات متعددة أما المسؤولية فمحدودة وأحياناً فردية تتحملها في الغالب الحلقة الأضعف في الجهاز الإداري؟ فأدى ذلك إلى خلل في معادلة التوازن بين الصلاحية والمسؤولية فأفرزت العديد من النتائج الملموسة واستشهد المحاضر بتجارب العديد من الدول المتقدمة والنامية والتي أثبتت نجاعتها في تحرير ملكية الدولة من قيود الوصاية ، والفصل بين المالك والإدارة ، إلى أن يصل المحاضر إلى المرسوم 20 لعام 1994 الذي يعتبره البعض بمثابة الدم الجديد للقطاع العام والبعض الآخر يعتبره نسخة عن المرسوم 18 لعام 74 مع بعض التعديلات الطفيفة وغير الكافية ” كلام المحرر “.

فقال الدكتور محمد سماق : هل استطاع فعلاً المرسوم عشرين أن يلبي حاجة القطاع العام للتطوير ؟ وهل هو كاف لإحداث النقلة المرجوة في آليات العمل الإداري لهذا القطاع؟

وقال في هذا الخصوص هذا ما سيجيب عليه التطور اللاحق لمستوى كفاءة الأداء في القطاع العام الاقتصادي.

وختم محاضرته بالتحدث عن أسلوب التخطيط في القطر المتبع كيف يتم وكيف يجب أن يكون ؟ أو كيف يتم في الدولة المتقدمة ليقول : جملة القول : أنه من معاني المتغيرات العالمية المتلاحقة والتطورات المحلية الجارية تحريض القطاع العام على التنافس فهل سنساعده على ذلك ؟ وكيف ؟ موضحاً بأن جملة الآراء شخصية.

التعقيب و المدخلات

قام بالتعقيب على هذه المحاضرة   القيمة الدكتور مفيد حلمي المستشار في رئاسة مجلس الوزراء فجاء تعقيبه وكأنه مكمل للمحاضرة وموضحاً لبعض النقاط فتحدث عن غنى المحاضرة وقيمتها كبحث علمي وتاريخي تنبع من اهتمام وحرص المحاضر على القطاع العام بغض النظر عن موقعه الوظيفي ، واقترح د . حلمي بعض القضايا لدعم القطاع العام وفسح المجال له ليستطيع المنافسة شريطة التساوي في التسهيلات وكان هناك العديد من المداخلات منها:

د. رياض الأبرش كانت مداخلته حول عدم وجود رؤية واضحة للتخطيط لكنه يتفق مع جميع ما ذهب           إليه المحاضر.

أما د. منير الحمش فداخل حول موضوع الاستثمار ، وقانون الاستثمار رقم 1 مبيناً أن الاستثمار في سورية لم يأخذ المنحى المناسب ضارباً مثال على أن معظم المستثمرين يتجهون إلى الأمور الخدمية والكمالية وليس إلى صلب السياسة الاقتصادية.وأما د. بشير الزهيري فأخذ على المحاضرة نظرتها التشاؤمية على القطاع العام ، وأن المؤشرات الرقمية للاقتصاد العربي بشكل عام توحي لنا بكثير من التشاؤم.

والدكتور قدري كانت مداخلته على المحاضرة بأنه يفهم منها بأنها دعوة للتكيف ولكنه يتساءل عن ماذا يهدف التكيف ؟ هل يهدف إلى المواجهة أم الاستسلام للواقع؟

وأجاب المحاضر على مجمل المداخلات وتبقى الآراء شخصية.

كلمة المحرر

وفي الختام وبعد هذا العرض والمداخلات كان بودنا كجهة إعلامية حيادية أن يتساءل السادة المختصون ، والمهتمون سؤالاً هاماً جداً ألا وهو ما هو مصير الصناعة السورية بشكل عام بعد تطبيق اتفاقية التجارة العالمية  ” الغات ” خاصة وأن العالم بأكمله تقريباً يسعى للحصول على شهادة المطابقة و المواصفة الدولية ” الآيزو 9000″ وسلسلتها والتي ستكون بمثابة جواز سفر للبضائع والسلع إلى الأسواق العالمية ، وعود على بدء   ما هو مصير صناعتنا بعدها إذن ؟ وهل نسارع بشكل جدي اللحاق في الركب حتى لا نقول مع بعض القائلين عظم الله أجركم؟

 

                                                  

      مقال لصحيفة الثورة حول محاضرة

في ندوة الثلاثاء الاقتصادية للدكتور محمد توفيق سماق