مقولات تحتاج إلى نقاش ــ المقال رقم /124/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   13685 تاريخ  8/2008/ 11

 

تعددت لدينا في الفترة الأخيرة وعلت نبرة التصريحات في وسائل الإعلام التي تقول بأنه ليس هنالك اقتصاد سوق اجتماعي ، هنالك اقتصاد سوق فقط . كما أن كلمة اجتماعي المقترنة باقتصاد السوق التي أقرها المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي (6/2005) ليست سوى خطأ من الناحية الفكرية وإضافة لا لزوم لها من الناحية اللغوية .

وبالرغم من مشاعر المودة والصداقة التي أحملها لبعضٍ ممن تنسب إليهم هذه التصريحات ، أجد نفسي مضطراً للتوضيح بأن شواهد الماضي وحقائق الحاضر تناقض تلك المقولات وتنفي دقتها .

فمن الناحية التاريخية أخذ بهذا النمط الاقتصادي في البدء ألمانيا الاتحادية (أو ألمانيا الغربية سابقاً) في محاولتها لإعادة بناء اقتصادها المدمر بعد الحرب العالمية الثانية . لقد أرادت ألمانيا من السوق الاجتماعي أن يشعر المواطن الألماني بأن عملية إعادة البناء ستنجز بكلف مقبولة اجتماعياً وأن نتائجها ستكون لمصلحة الفرد والمجتمع وليس لمصلحة القلة منه . وقد نجحت ألمانيا فيما أرادت وحققت ما اصطلح على تسميته في الأدبيات العالمية بالمعجزة الألمانية . اليوم نجد اقتصاد السوق الاجتماعي في الدول الاسكندنافية وفي العديد غيرها من الدول الأوروبية ، ليس هذا وحسب بل أن هذا النمط الاقتصادي ( السوق الاجتماعي ) قد نص عليه الدستور الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي وطرحه للاستفتاء في بعض دول الاتحاد عام 2007  .

إذاً وبخلاف ما يقال فإن كلمة اجتماعي المقترنة باقتصاد السوق ليست تَزيّد لغوي فهي مقصودة بذاتها ولذاتها ، ولو كان الأمر غير ذلك لشطبها الاقتصاديون الألمان ومن بعدهم اقتصاديو أوروبا منذ زمن طويل . كما أن مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي ليس بدعة بعثية أو اختراعاً سورياً فهو موجود في التطبيق كما أشرنا منذ أواخر النصف الأول من القرن الماضي ولنجاحه يأخذ به اليوم ويريده للمستقبل بعضٌ ممن يعتبرون بمقياس هذا الزمن أئمة الإصلاح ورسل التقدم أي دول الاتحاد الأوروبي .

أما بالنسبة لنا في البعث فنعني باقتصاد السوق الاجتماعي ذلك النظام الاقتصادي الذي يأخذ من السوق بقدر الممكن ومن الدولة بقدر الضرورة ، أو بصياغة أخرى الاقتصاد الذي يستطيع توظيف كفاءة قوى السوق وفي الوقت نفسه يحافظ على عدالة توزيع الدخل . ذلك يقتضي إطلاق قوى السوق ( من عرض وطلب ) الى أقصى حد ممكن مع الاستعانة بالدور الاقتصادي للدولة في حالات الضرورة التي تستدعيها مقتضيات العدالة . فالسوق بلا دولة يحول المجتمع الى غابة يعيش فيه الأغنياء والفقراء معاً لكن بحقوق تعكس قدرات كل من الشريحتين ، ففرص العيش الكريم والصحة والتعليم ستكون حقاً للأغنياء بينما الفقر والجهل والمرض ستكون حقاً للمحرومين .

لم يتبن حزب البعث العربي الاشتراكي في مؤتمره القطري العاشر اقتصاد السوق الاجتماعي عن عفوية أو ارتجال بل جاء ذلك بعد مناقشات مطولة ومعمقة وكنت من أوائل المطالبين في المؤتمر بتبنيه لاعتبارات عديدة أبرزها توجيه رسالة للداخل وللخارج مفادها أن الحزب وبالرغم من التحول القادم لازال ملتزماً بمصالح الطبقات والشرائح الأضعف في المجتمع . لقد وجد المؤتمر في هذا الالتزام ضرورة حيوية للبعث لأنه يعبر عن أهدافه ويعكس جوهر رسالته ويساهم في تجدده وتطوره لكن مع استمراره وبقائه.

جملة القول أن كلمة اجتماعي لم تكن إضافة لغوية لا لزوم لها _ كما يقول البعض _ بل كانت بالنسبة لمن أتى بها ورغب فيها ضرورة وطنية تقتضيها حاجة البلاد للنمو والتطور ومصلحة المجتمع في التوازن والاستقرار .

 

 

                                                               الدكتور محمد توفيق سماق