| صحيفة الثورة – دمشق – سورية
العدد: 13874 تاريخ 3/2009/ 26
|
مع سقوط الاتحاد السوفييتي في العقد الأخير من القرن الماضي و تفكك منظومة الدول الاشتراكية التي ارتبطت به ارتفعت الأصوات و تعالت الصيحات بأن النظام الرأسمالي هو الحل النهائي لقضايا تطور المجتمعات و مشاكل البشرية .
سمعنا تلك الأصوات ووصلتنا تلك الصيحات من مختلف دول العالم المتقدم و النامي . فمن الولايات المتحدة الأمريكية بشرنا فوكوياما المفكر الأمريكي الجنسية و الياباني الأصل بأن التاريخ قد انتهى لأن صراع الأضداد فيه ( الاشتراكية و الرأسمالية ) قد حُسم فالحياة أعطت رأيها و التاريخ اتخذ قراره بأن النظام الاشتراكي إلى مقبرة التاريخ و أن الرأسمالية خاصة النموذج الأمريكي منها هو الحل لمشاكل البشرية فهو وحده القادر على إنتاج الثروة و الضامن لتوزيعها بما يكفل الوفرة و الرفاه للجنس البشري .
كذلك ريتشارد نيكسون الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية اعتبر في كتابه ” أمريكا و الفرصة التاريخية ” أن سقوط الاتحاد السوفييتي إعلان تاريخي بأن القرن العشرين هو قرن أمريكي و طالب أمريكا بالعمل لجعل القرن الحادي و العشرين قرناً أمريكيا آخر فهو يرى بأن لديها الفرصة التاريخية لذلك .
أما في الدول النامية فقد سار معظم مفكريها كعادتهم مقلدين للغرب مبهورين بما يجري فيه فبعضهم انقلب على معتقدات دافع عنها لسنوات و عقود و البعض الآخر انبرى للترويج للمقولات و الأفكار الجديدة مطالباً بطي صفحة الماضي صفحة الاشتراكية و لغة خطابها مع فتح صفحة جديدة عنوانها رأس المال و كتَّابها رجال الأعمال .
اليوم و بعد الأزمة العالمية التي بدأت مالية و انتهت اقتصادية و تداعياتها بدأ البعض أو عادوا تائبين للاستعانة بكارل ماركس و الماركسية للبحث عن حلول للأزمة و مخرج للعالم مما وصل إليه .
الأزمة اقترنت بتداعيات عميقة و متنوعة . فالتقديرات تشير الى أن خسائر الاقتصاد الأمريكي حتى الآن لاتقل عن 14 تريليون ( 14000 مليار دولار أمريكي ) أي مايعادل الناتج المحلي للولايات المتحدة في عام 2007 ,كما أن آلاف المواطنين الأمريكيين تحولوا إلى لاجئي خيام لفقدانهم منازلهم التي لم يستطيعوا تسديد أقساطها و عجز الميزانية الأمريكية للعام المالي الحالي المقدر بنحو 1900 مليار دولار أمريكي يعتبر غير مسبوق وهنالك ملايين فرص العمل قد ضاعت وتحول أصحابها إلى عاطلين عن العمل . بالإضافة الى ذلك فإن اقتصاديات دول العالم الغنية و الفقيرة من اليابان الى أوروبا و أمريكا الجنوبية مروراً بالصين وروسيا ودول الخليج و مابينها وما حولها من دول لم تنجو من تلك التداعيات و إن كانت على درجات متفاوته .
ذلك كله أضحى معروفاً ومتداولاً في وسائل الإعلام يومياً و مع ذلك لابد من الإقرار _ وبصرف النظر عن المشاعر الشخصية _ بأن الرأسمالية الآن بمسمياتها المختلفة الليبرالية أو الليبرالية الجديدة أو المقيدة لازالت هي المشكلة و الحل في آن معاً .
المشكلة لأن جوهر الأزمة يكمن في طبيعة النظام الرأسمالي القائم على حرية المبادرة الفردية وما يقترن بها من جشع و احتكار و احتيال وفساد وهذا من طبائع البشر ,و الرأسمالية هي الحل حتى الآن أيضاً لأنه ليس هنالك لدى البشرية اليوم بديل جاهز للتطبيق . فالبديل الماركسي جرب وفشل , حيث دخل حرباً مع الرأسمالية استمرت نحو سبعين عاماً انتهت بهزيمته مع معسكره وانتصار رأس المال مع حلفائه .
مايمكن أن يخفف من المشكلة اليوم هو الضغط الشعبي على حكومات العالم للتدخل بهدف الحد من طغيان رأس المال و التخفيف من جموحه لمصادرة ثروات المجتمعات لمصلحة الأكثر غنى و طبعاً على حساب الأكثر فقراً .
حتى هذا مشكوك بجدواه فعدد كبير من دوائر القرار في العالم الآن ليست أكثر من طلائع سياسية لشبكات المصالح ومجموعات رجال المال و الأعمال , لكن يبدو أن ذلك هو الممكن الوحيد حالياً بانتظار المستقبل ومتغيراته و الزمن ومفاجآته .
جملة القول إن الرأسمالية شر وشر ما فيها لا بديل لها اليوم .
الدكتور محمد توفيق سماق