هونج كونج بين عصرين: عصر من النجاحات وعصر من الطموحات ـــ المقال رقم /51/

صحيفة البيان –الإمارات العربية

العدد :6235 – تاريخ 7/1997 /14

نشر كذلك  في :

صحيفة تشرين- دمشق- سورية

العدد:6851 –تاريخ 1/7/1997

في الساعة الثانية عشرة ليلاً من يوم الاثنين في 30/6/1997 قامت بريطانيا ممثلة بولي عهدها الأمير تشارلز بتسليم هونج كونج إلى الصين ممثلة برئيسها جيانج زيمين «في احتفال وصفته بعض وسائل الإعلام بالكبير والبعض الآخر وصفه بالأسطوري » وفق اتفاق مسبق جرى التفاوض عليه لسنوات بين الطرفين . عملية التسليم والاستلام هذه لا تعني نقل ملكية، فهونج كونج كانت وستبقى صينية ولا تعني فقط تغيير في شخص الحاكم أو جنسيته « من حاكم بريطاني إلى آخر صيني » بل هي أكثر من ذلك ، هي باختصار انتقال هونج كونج من عصر مشبع بالنجاحات إلى عصر مليء بالطموحات . كلمة هونج كونج كلمة صينية تعني من الناحية اللغوية « ميناء العطور » ويطلق على المستعمرة اصطلاحاً اللؤلؤة الشرقية كناية عن ازدهارها الاقتصادي من ناحية وإشارة إلى موقعها المتميز في التاج البريطاني من ناحية أخرى « شأنها شأن الهند التي كان يطلق عليها قبل استقلالها أغلى درة في التاج البريطاني ».   مستعمرة هونج كونج تتكون من جزيرة هونج كونج وبعض المناطق والجزر التابعة لها ، جزيرة هونج كونج تقع قبالة الشاطئ الجنوبي لجمهورية الصين الشعبية وتبلغ مساحتها نحو 1084 كم2، وعلى هذه الجزيرة تقع العاصمة فيكتوريا ، أما المناطق والجزر التابعة لها فهي :

  • المنطقة المسماة ب «الأراضي الجديدة » وتبلغ مساحتها نحو 953كم2 وهي متصلة بالبر الصيني وتقع على الحدود الجنوبية لمقاطعة جوانج دونج الصينية .
  • منطقة كولون 43كم2 وتقع على الطرف الجنوبي للأراضي الجديدة. ترتبط هذه المنطقة بجزيرة هونج كونج عن طريق نفقين محفورين تحت البحر .
  • مجموعة من الجزر الصغيرة المنتشرة في بحر الصين الجنوبي يقدر عددها بنحو 230 جزيرة.

العصر البريطاني بدأ في جزيرة هونج كونج عام 1841 حيث احتلتها القوات البريطانية في عصر كانت فيه بريطانيا وغيرها من القوى الأوروبية الرئيسية تبحث عن المستعمرات في مختلف مناطق العالم  ومنها آسيا وفي عام ١٨٤٣ اعلنتها بريطانيا محمية تابعة لها . وفي عام ١٨٩٨ وقعت بريطانيا اتفاقاً مع الصين قامت الصين بموجبه بتأجير المنطقة المعروفة حالياً بالأراض الجديدة إلى بريطانيا لمدة ٩٩ عاما ، وبذلك تكونت مستعمرة هونجو كونج من قسم من الأراضي المستعمرة (جزيرة هونج  كونج ) وقسم من الأراضي المستأجرة (الأراضي الجديدة ) وفي هذا السياق قد يكون من الجدير بالتوضيح أن بريطانيا – على الرغم من انقضاء عصر الأستعمار – مازالت تحتفظ بعدد كبير من المستعمرات تحت سيادتها ، بلغت المساحة الإجمالية لمستعمرات بريطانيا نهاية عام ١٩٩٣” نحو ١,٧3 مليون كم٢ أي مايعادل نحو ٧,٢ أضعاف مساحة بريطانيا ” كما بلغ عدد سكان هذه المستعمرات نحو ٦,٣ ملايين نسمة في العام نفسه . تتوزع هذه المستعمرات في مناطق مختلفة من العالم ، في أوروبا والبحر الكاريبي، والمحيط الهادي، والمحيط الأطلسي ، أما هونج كونج فكانت آخر مستعمراتها في القارة الآسيوية . وعودة على بدء نشير إلى أنه مع اقتراب مدة عقد الإستئجار من نهايته دخل البلدان بريطانيا والصين في عام ١٩٨٢ مفاوضات طويلة وشاقة حول مستقبل المستعمرة، وفي نهاية عام ١٩٨٤ توصل الطرفان إلى اتفاق أساسي حول مستقبل الجزيرة لحقه عدد من الاتفاقات الأخرى التي تنظم انتقال هونج كونج إلى الصين ووضعها بعد ذلك ، ومنأهم مااتفقت عليه الدولتان بهذا الشآن الآتي :

  • تعتبر هونج كونج (منظمة إدارية خاصة ) على أن يستمر هذا الوضع الخاص لمدة ٥٠ عاماً مقبلة اعتباراً من١/٧/١٩٩٧ .
  • ومن مقتضيات هذه الخصوصية المحافظة على النظام القضائي والأجتماعي والاقتصادي القائم حالياً في المستعمرة خلال الـ 50عاماً المقبلة .
  • تتمتع هونج كونج ، بحكم ذاتي ضمن إطار جمهورية الصين الشعبية .
  • تشكيل مجلس انتقالي مكون من ١٥٠ عضواً ( 94 من هونج كونج و٥٦ من الصين)  يشرف على الإجراءات المتعلقة بانتقال السيادة على المستعمرة من بريطانيا إلى الصين.
  • بعدالانتقال إلى الصين يتم تشكيل برلمان محلي مكون من ٦٠ عضواً ، منهم ٢٠ عضوا (منتخباً ) من قبل المواطنين الناخبين (من بلغوا ١٨ عاماً ) و٤٠ عضواً من الشخصيات العامة تعينهم الهيئات والأتحادات الاقتصادية والأجتماعية في هونج كونج و يتمتع هذا البرلمان بحق سن واصدار القوانين الخاصة بها.

المناسبة تستدعي عددا من التساؤلات ، لعل من أبرزها : ماهو وضع هونج كونج بعد نهاية العصر البريطاني ؟ وما هي احتمالات مستقبلها بعد عودتها إلى السيادة الصينية ؟.

يمكن القول بشكل اجمالي أن قصة هذه المستعمرة هي قصة من النجاح والازدهار الاقتصادي على الرغم من محدودية مواردها الطبيعية، فالزراعة شبه معدومة في المستعرة وربما كان صيد الأسماك النشاط الزراعي الوحيد فيها . كما أنها لاتحتوي على أية ثروات منجمية باستثناء الصلصال وكميات محدودة من الكوارتس ، ازدهار هونج كونج ارتبط إلى حد كبير بإ زدهار قطاع الصناعة فيها ، مع العلم بأن معظم الصناعات في المستعمرة هي من النوع الصغير والمتوسط ، ففي أواخر الثمانينات كان نحو ٧٠٪ من إجمالي المنشآ ت الصناعية في هونج كونج يضم عشرة عمال أو أقل . ومن أهم الصناعات المنتشر  فيها ، صناعات الآلات الكهربائية، تجهيزات وسائل اىاتصال، النسيج والغزل والملابس ، ألعاب الأطفال، الساعات…وغيرها. ولمزيد من الوضوح والدقة سنتناول في الآتي بعض المؤشرات الإجتماعية والاقتصادية المتعلقة بهونج كونج مع إجراء بعض المقارنات مع المؤشرات المشابهة الخاصة بالوطن الأم جمهورية الصين الشعبية .

  • يبلغ إجمالي مساحة مستعمرة هونج كونج نحو 1084 كم2كما بلغ عدد سكانها نحو 5,83 ملايين نسمة عام 1994 ، بينما تبلغ مساحة الصين الشعبية نحو 9,6 ملايين كم2 كما بلغ عدد سكانها نحو 1191 مليون نسمة نهاية العام نفسه .
  • يتكون مجتمع المستعمرة في غالبيته العظمى من الصينيين (نحو 95% ) وهنالك 5% من الأجانب منهم فليبينيون – بريطانيون -هنود – مواطنو الولايات المتحدة الأمريكية – ماليزيون – استراليون – ..وغيرهم ) . واللغتان الرسميتان هما الصينية والإنكليزية ، عاصمتها مدينة فيكتوريا التي بلغ عدد سكانها في عام 1994 نحو 1,1 مليون نسمة وهنالك مدينة أخرى تسمى كولون تقع قبالة جزيرة هونج كونج على البر الصيني  (في الأراضي الجديدة ) بلغ عدد سكانها نحو 1,5 مليون نسمة في العام نفسه ، تعتبر المدينتان من أكثر مناطق العالم ازدحاماً بالسكان (نحو 200000شخص /كم2 ) وقد أدت هذه الكثافة السكانية الكبيرة إلى نشوء مقتضيات ومتطلبات نظام اجتماعي غير شائع في الصين مثل الشوارع المعلقة والإيجارات الباهظة .. وغيرها .
  • احتلت هونج كونج المرتبة 22 بين دول العالم في عام 1993 من حيث مستوى التنمية البشرية فيها ( مؤشر التنمية البشرية هو مؤشر مركب يدل على مستوى دخل الفرد والمستوى التعليمي والمستوى الصحي في دولة ما ) بينما احتلت الصين الشعبية المرتبة 108 في العام نفسه .
  • بلغ متوسط خل الفرد السنوي فيها نحو 20000 دولار أمريكي في عام 1994 ، بينما بلغ هذا المتوسط في الصين الشعبية نحو 529 دولاراً امريكياً في العام نفسه .
  • في عام 1993 بلغت نسبة المية في هونج كونج نحو 8% ، بينما بلغت هذه النسبة نحو 20% في الصين الشعبية .
  • في عام 1995 احتلت هونج كونج المرتبة الثامنة في العالم من حيث حجم الصادرات ” نحو 171 مليار دولار أمريكي ” بينما احتلت الصين الشعبية المرتبة الحادية عشرة ” نحو 142 مليار دولار أمريكي ” في العام نفسه . وللمقارنة نشير إلى أن  حجم صادرات هونج كونج زاد عن إجمالي حجم صادرات الدول العربية ( بلغت نحو 143 مليار دولار أمريكي في عام 1995) بنحو 28 مليار دولار أمريكي .
  • هونج كونج غير مدينة للعالم الخارجي بينما بلغ إجمالي الدين الخارجي الرسمي للصين الشعبية نحو 107 مليارات دولار أمريكي في عام 1994 (تشكل نحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ) .

تأسيساً على ماسبق يمكن الاستنتاج بان الفوارق كبيرة بين هونج كونج والصين ، عودة المستعمرة إلى الصين ربما كانت شبيهة بعودة الإبنة الثرية بعد طول اغتراب إلى الأم الطموحة بعد طول انتظار . فاللقاء سيكون بلا شك حار ( على الأقل من طرف الأم) إلا أنه سيكون مصحوباً بالعديد من المصاعب والعقبات المتعلقة بالتعايش والإندماج وذلك أمر طبيعي بفعل طول زمن الاغتراب من ناحية والتفاوتات الكبيرة في مستويات الحياة وأنماطها من ناحية أخرى .  يبدو أن القيادة الصينية واعية لهذا الأمر فلذلك قبلت بالوضع الخاص لهونج كونج لمدة خمسين عاماً مقبلة فحركة الأفراد ورؤوس الأموال بين الصين وهونج كونج تحكمها أنظمة وتدابير خاصة تختلف عن الأنظمة المعمول بها بالنسبة للمناطق الصينية الأخرى ، كما أن النظام الإداري في المستعمرة السابقة سيكون له الكثير من الخصوصية التي تميزه عن النظام الإداري السائد في الصين ، حيث يقول المسؤولون الصينيون في هذا السياق بأن الصين وهونج كونج ستكونان دولة واحدة لكن بنظامين مختلفين . الهدف من ذلك على مايبدو الحفاظ على الإستثمارات الأجنبية من ناحية واجتذاب المزيد منها إن أمكن من ناحية اخرى ، على الطرف الثاني هنالك العديد من المشكلات التي تعاني منها هونج كونج ترافقت مع ازدهارها الاقتصادي وربما ساعد نظام الإدارة السائد فيها على تفاقمها مثل ارتفاع معدلات الجريمة وتجارة المخدرات … وغيرها .هذه المشكلات قد تنتقل إلى البر الصيني  بيسر أكثر وسهولة أكبر بعد العودة علماً بأن هذه المشاكل وغيرها معروفة بحدود في الصين حالياً إلا أنها لم تنتشر كي تصبح ظواهر عامة مرافقة للحياة في المجتمع الصيني حتى الآن . على الرغم من تعدد مشاكل الإندماج تبقى العودة هي الأهم كما يبقى التفاؤل السمة العامة ، وقد عكس مؤشر سوق الوراق المالية في هونج كونج هذا التفاؤل في آخر يوم عمل في ظل الإدارة البريطانية ( يوم الجمعة في 28/6/1997 ) حيث ارتفع هذا المؤشر بشكل ملحوظ ، أمر آخر لابد من التأكيد عليه وهو إن لهذا التفاؤل مبرره وهو الطموح الصيني لتحقيق معدلات نمو مرتفعة والانتقال باقتصاد البلاد إلى مستويات الدول المتقدمة صناعياً ، فنجاحات السنوات الأخيرة دليل واضح في هذا الاتجاه . ثراء هونج كونج الحالي قد يكون دافعاً ومحرضاً لتطور جمهورية الصين الشعبية الراهن ، إذ أن اندماج الثراء والطموح يوفر وقود التطور ومولده .

لذلك هي الآمال كبيرة من عودة الإبنة الثرية بعد طول اغتراب إلى أحضان الأم الطموحة بعد طول انتظار ،  فمبروك لكليهما .

 

الدكتور محمد توفيق سماق