صحيفة الثورة – دمشق – سورية
العدد: 13947 تاريخ 6/2009/ 17
|
تابعت ككثيرين غيري باهتمام خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو يتحدث في جامعة القاهرة ( 4-6-2009 ) وقد استوقفتني لغة الوعظ ونبرة التبشير اللتان اجتمعتا في خطاب أوباما من بدايته و حتى نهايته .
تحدث في البداية عن تاريخه الشخصي و كأنه أراد بذلك أن يقول للعالم و الإسلامي منه خاصة بأن النموذج الأمريكي لازال صالحاً و أكثر من ذلك أنه الأفضل , هذا النموذج هو الذي أتاح لوالد أوباما المهاجر القادم من مجاهل أفريقيا من كينيا تكوين أسرة في الولايات المتحدة الأمريكية تحظى بالتعليم و الحياة الكريمة وأن تنتج شخصاً أوصله انفتاح المجتمع و تسامحه الى موقع الرئاسة ….. إذاً لازال الحلم الأمريكي متقداً و متوهجاً و لازال هذا الحلم قضية تستحق الإيمان بها و الدفاع عنها .
لعل أبرز ما يعكس لغة الوعظ ونبرة التبشير لدى الرئيس الأجزاء الأخيرة من خطابه , ففيها أكد على رغبة أمريكا في عالم خال من السلاح النووي كما عبر عن رغبتها في الشراكة مع المجتمعات الإسلامية لتعزيز صحة الأطفال و الأمهات…. عالم تعود فيه القوات الأمريكية الى ديارها ….عالم ينعم فيه الفلسطينيون و الإسرائيليون في دولة لكل منهم ….عالم تعمل فيه الحكومات لخدمة المواطن …. عالم تحظى فيه حقوق جميع البشر بالاحترام …. عالم تتعاون فيه الحضارات و لاتصطدم …. عالم نعامل فيه الناس كما نود أن يعاملوننا …. عالم يقبل الآخر …. عالم يستلهم فيه البشر مقولة الإنجيل ” طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعون ” ويستلهمون كذلك النداء الإلهي الخالد في القرآن الكريم ” ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا ” .
ما هو معروف عن شخصية أوباما المتسمة بالانفتاح و الموضوعية و لهجة حديثه و طريقة إلقائه كلها توحي بالصدق فيما وعظ وبشر كشخص , لكن يبقى الأهم هو : هل يستطيع أوباما الرئيس الالتزام بما وعظ الآخرين بالإيمان به و هل سيتمكن من انجاز ماوعد العالم بتحقيقه ؟
أغلب الظن أن الوقت لازال مبكراً للحكم على أوباما الرئيس فهو لم ينصّب إلا منذ نحو خمسة أشهر كما أن القرار في الولايات المتحدة تحكمه مصالح أمريكا وتصنعه مؤسسات عديدة إحداها مؤسسة الرئاسة التي لاتختصر مؤسسات صنع القرار الأخرى ولا تلغيها .
هنالك الكونغرس كذلك المؤسستين العسكرية و الأمنية بالإضافة الى مجموعات الضغط و شبكات المصالح و شركات النفط و المجمع الصناعي العسكري …… و غيرها . رغبات الرئيس و نزعات إدارته لاتصنع مواقف تلك المؤسسات إنما تصنعها مصالح الولايات المتحدة و الحاجة لتأمينها . أ كثر من ذلك يمكن القول بحكم طبيعة السلطة في الغرب إن الحكومات و الإدارات فيه ليست بالنهاية أكثر من طلائع سياسية لقوى النفوذ و شبكات المصالح , تلك القوى و الشبكات هي التي تصنع الإدارات وتنصب الحكومات و ليس العكس .
بالنسبة لنا العرب تكمن مشكلة علاقتنا بالسياسة الأمريكية تقليدياً باتجاهين :
أولها النظرة الأيديولوجية المهيمنة على الثقافة السياسية في الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أن إسرائيل امتداد حضاري للغرب و نمط حياته وهي قادرة على حماية مصالحه في المنطقة , كما أن العرب حتى الموالين منهم ليسوا أكثر من أصدقاء ضرورة في أحسن الأحوال . وثانيها حالة التفكك و الضعف العربي المزمنة المقترنة حالياً بمحاولة بعض الأنظمة العربية إعادة صياغة العقل السياسي وفق أسس غريبة وبدع جديدة غير مسبوقة .
فالمواطن العربي مطلوب منه أن يقتنع بأن إيران و ليست إسرائيل هي الخطر على الأمن القومي العربي و أن مقاومة الاحتلال نزعة عبثية خارجة عن سياق العصر ؟ ! مما يفقد أية محاولة لإدارة أوباما _ حتى لو توفرت الرغبة _ لانتهاج سياسة متوازنة في الشرق الأوسط مبرراتها أو مشروعيتها خاصة أن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة آمنة غير مهددة بشكل جدي حتى الآن .
صحيح أن العالمين الإسلامي و العربي يتوقان إلى تحول جوهري في سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية و صحيح أيضاً أن خطاب الرئيس الأمريكي يعكس رغبة ما في هذا الاتجاه , إلا أن تحقيق ذلك يرتبط الى حد كبير بقدرة المسلمين و العرب على إقناع مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة بأن تأمين مصالحها و مصالح أمريكا من خلالها يعتمد على هذا التحول ويتحقق بتحقيقه. ذلك هو منطق الأشياء ففي العلاقات بين الدول ليس هنالك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة هنالك مصالح دائمة , كما قال دزرائيلي رئيس وزراء بريطانيا الشهير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و هو بالمناسبة يهودي الانتماء .
جملة القول إن العرب بحاجة الى أوباما الرئيس أكثر من حاجتهم الى أوباما الواعظ . لكن هل يحقق الرئيس ما بشر به الواعظ ؟
سؤال تبقى الإجابة عليه مرهونة بالطرفين العرب مع قدرتهم على الإقناع و أوباما مع قدرته على التغيير ؟ ! .
الدكتور محمد توفيق سماق