صحيفة الثورة – دمشق – سورية
العدد: 12954 تاريخ 3/2006/ 9
|
ازدادت في السنوات الأخيرة نبرة الحديث عن طرح بعض شركات القطاع العام للاستثمار من قبل رؤوس الأموال الخاصة المحلية منها و الأجنبية .
ففي عام 2002 تم توقيع عقد لاستثمار الشركة العامة لصناعة الورق في دير الزور و هنالك عقدٌ قيد الإنجاز لاستثمار شركة حديد حماه , كما تم الإعلان في العام الماضي و الحالي لاستدراج عروض داخلية وخارجية لاستثمار ( أو ماسمي إعادة تأهيل ) عدداً آخر من شركات القطاع العام.
تسارع هذا الاتجاه و توسعه يطرح بالتداعي سؤالين :
الأول : ماهي المشروعية الواقعية لطرح شركات القطاع العام للاستثمار الخاص ؟
والثاني : ما هو السند القانوني لاستثمار القطاع العام من قبل رأس المال الخاص ؟
في الإجابة على كلا السؤالين نورد الآتي :
يمكننا تصنيف شركات القطاع العام إلى ثلاثة أنواع :
- شركات خاسرة على مدى سنين عديدة .
- شركات تدور عوائد نشاطها الاقتصادي السنوي حول نقطة التعادل ( رابحة في سنوات و خاسرة في أكثر السنوات ) , وهي ما اصطلح على تسميتها بالشركات الحدية .
- شركات رابحة خلال فترة زمنية طويلة سابقة .
بالنسبة للشركات الخاسرة و الحدية أجد أن من واجب الجهات المعنية في الدولة البحث عن حلول اقتصادية لأوضاعها بما في ذلك العرض للاستثمار الخاص , إذ أن استمرار وضعها الراهن يعني هدر للموارد و تعطيل للطاقات و للتوضيح نسوق البيانات التالية على سبيل المثال :
سجلت ست شركات حكومية خلال الفترة ( 1999 – 2003 ) خسائر بلغت768 مليون ل س علماً بأن القيمة الدفترية لأصولها الثابتة بلغت 358 مليون ل س في عام 2003 مما يعني أن الخسائر تستهلك قيمة الأصول الثابتة لتلك الشركات كل نحو عامين و أربعة اشهر .
بالمقابل تم الإعلان عن استدراج عروض لاستثمار ( أو إعادة تأهيل ) ست شركات أخرى بلغ إجمالي أرباحها بعد دفع الضريبة لخزينة الدولة 923 مليون ل س في عام 2003 و المقدر أن تصل إلى 1128 مليون ل س في عام 2005 . و السؤال هل هنالك ما يبرر طرح مثل هذه الشركات للاستثمار الخاص ؟
المبرر الذي يمكن أن يكون مقبولاً هو عدم توفر الموارد المالية الحكومية الكافية لذلك ؟
تشير التقديرات إلى أن إعادة تأهيل تلك الشركات بما يزيد طاقتها الإنتاجية بنسبة 75% يتطلب نحو 300 مليون دولار أمريكي , علماً بأن إجمالي استثمارات الخطة الخمسية العاشرة يقدر بـ 1800 مليار ل س . تشكل الاستثمارات الحكومية من إجمالي استثمارات الخطة نسبة 47% ( أي 850 مليار ل س ) أما الباقي و هو 950 مليار ل س فقد ترك للقطاع الخاص , هنا نستوضح ألا يمكن توفير المبلغ المطلوب لإعادة تأهيل تلك الشركات الرابحة من الاستثمارات الحكومية المرصودة لتمويل الخطة على مدى سنواتها الخمس , علماً أن المبلغ المطلوب لا يشكل أكثر من 1.8 % من تلك الاستثمارات ولا يزيد عن 0.8% من إجمالي استثمارات الخطة ؟!
بعد ذلك و بصرف النظر عن الربح و الخسارة و مصادر التمويل نسأل : ماهو السند القانوني لاستثمار منشآت القطاع العام من قبل رأس المال الخاص ؟
و فق النصوص المتوافرة ليس هنالك حتى الآن أي نص تشريعي يسمح بذلك أو يمنعه .
وللدقة نوضح بأن القانون 51 لعام 2004 الخاص بنظام العقود للجهات العامة قد تضمن في المادة /73 – أ / نصاً يتيح بيع عقارات الجهات العامة أو إيجارها أو استثمارها و فق أسس و ضوابط محددة , أما بالنسبة لبيع أو استثمار المنشآت و الشركات فليس هنالك ما يشير إلى ذلك على الإطلاق . إن الاستمرار بنهج طرح منشآت القطاع العام للاستثمار الخاص يقتضي بالضرورة إصدار تشريع يبيح ذلك و يحدد ضوابطه , لأن :
– فلسفة القطاع العام تقوم بالأصل على اعتبار المجتمع هو المالك و الدولة مؤتمنة على هذه الملكية وهي مخولة بالتوجيه و الإشراف والإدارة فقط , فمن لا يملك لا يحق له أن يتصرف(استثماراً أوبيعاً)
– النص التشريعي كما هو معروف تعبير عن إرادة المجتمع و في حالتنا هذه تعبير عن إرادة المالك
و هو الوحيد الذي يملك حق التصرف في ملكيته .
– تأسيساً على ما سبق يمكن الاستنتاج بأن استثمار بعض منشآت القطاع العام دون سند قانوني فيه تجاهل لحقوق المجتمع و تجاوز لمبدأ فصل السلطات الذي أكد عليه دستور البلاد .
بالإضافة إلى ذلك نجد من الضروري الإشارة إلى أهمية الحفاظ على حقوق العاملين في المنشآت المراد طرحها للاستثمار الخاص ( أو إعادة تأهيلها ) على أن نؤكد على هذه القضية في أي نص تشريعي يتم التفكير في إصداره مستقبلاً يتعلق بالسماح باستثمار منشآت القطاع العام أو بيعها , فالعمال ليسوا مسؤولين عما وصل إليه القطاع العام و بالتالي ليس من الإنصاف تحميلهم تبعات النتائج بقسوتها ومرارتها .
في الختام استدرك لأحاول الإجابة على سؤال افتراضي ربما تبادر لأذهان البعض , هو :
أليس هنالك من حلول أخرى لمعالجة أوضاع الشركات الخاسرة غير طرحها للاستثمار الخاص ؟ ألا يمكننا– مثلاً – التفكير في تغيير الإدارات أو النشاطات أو الأنظمة و القوانين التي تعمل في إطارها ؟
بألم وأسف نجيب أنه من الناحية النظرية قد تبدو كل تلك الحلول و غيرها ممكنة , لكن عملياً و في مناخ عدم الكفاءة و الفساد لا تعدو أن تكون محاولات قابلة للفشل و النجاح .
فهل مازال في الوقت متسع وفي الموارد فائض لمزيد من المحاولات التي تحمل من أسباب الفشل أكثر مما تحتوي من عوامل النجاح ؟
الدكتور محمد توفيق سماق