صحيفة الاقتصادية – دمشق – سورية
العدد : 61 – تاريخ 1/9/2002 |
يتابع المهتمون في الآونة الأخيرة بقلق انخفاض سعر صرف الليرة السورية تجاه الدولار الأمريكي ، فقد وصل سعر الصرف في الأسواق المجاورة إلى 53 ل.س شراء و 53,15 بيعاً لكل دولار بعد أن كان السعر شراءً وبيعاً يدور حول 50 ل.س للدولار الواحد لفترة طويلة سابقة ، المقلق في الأمر ليس انخفاض سعر صرف الليرة فقط إنما ظروفه أيضاً :
- فالانخفاض يأتي في وقت ينخفض فيه الدولار تجاه العملات الصعبة الأخرى خاصة اليورو والين ، فقد انخفض سعر صرف الدولار بحدود 10% مقابل اليورو و8% مقابل الين خلال الفترة القريبة الماضية .
- والانخفاض يأتي في موسم الصيف حيث يزداد في العادة الطلب على الليرة السورية من قبل السياح والوافدين إلى سورية خاصة من دول منطقة الخليج العربي .
- والانخفاض يحدث بالرغم من تأكيدات مسؤولي الفريق الاقتصادي في الحكومة على متانة الاقتصاد السوري وقوة العملة الوطنية .
لظاهرة انخفاض سعر الصرف هذه العديد من الإيحاءات والعديد من الدلالات التي يصعب تجاهلها وتقتضي من المهتمين قراءة متأنية لمضامينها، فما يمكن قراءته في هذا المجال ، الآتي:
- إن في الظاهرة جواباً سلبياً للأسواق على كفاية وكفاءة الإجراءات الاقتصادية المتخذة .
- وفيها أيضاً مؤشر شك في فاعلية أدائنا الاقتصادي الراهن والاحتمالات المستقبلية القريبة لتحسينها .
- وهي في جانب منها رسالة قلق على قدرة العملة الوطنية على القيام بوظيفتها باعتبارها قناة آمنة وموثوقة لادخار الثروة واستثمارها .
بعد تلك القراءة السريعة والموجزة لما يوحي به أو يدل عليه انخفاض سعر الليرة يتداعى إلى التفكير السؤال التالي :
هل بلغت الظاهرة حد الخطر ؟
حتى الآن تبلغ نسبة الانخفاض نحو 6% مقارنة بمتوسط سعر الصرف الذي ظل لسنوات عديدة سابقة بحدود 50 ل.س مقابل 1 دولار أمريكي ، هذه النسبة لاتزال أقل من سعر فائدة الإيداع على حسابات الادخار التي يعطيها المصرف التجاري السوري وهي 8% . الخطر – وفق ما أرى – يكمن في استمرار سعر الصرف بالانخفاض بحيث يزيد على 8% “سعر الفائدة على الودائع ” أي إذا تجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي مبلغ 54 أو 55 ل.س عندئذ قد نواجه لحظة انكسار ” أو على الأقل اهتزاز” ثقة المدخرين بالعملة الوطنية حيث سيجدونها عاجزة عن الحفاظ على قيمة مدخراتهم حتى لو استثمرت كودائع في المصارف . لأن استثماراً كهذا سيكون خاسراً من الناحية الاقتصادية مادامت نسبة الانخفاض بلغت أو تجاوزت معدل الفائدة . إن حالة نفسية كهذه يصعب السيطرة عليها وقد تؤدي إلى قيام المدخرين بالليرة السورية إلى تحويل مدخراتهم ” بطرق مشروعة أو غير مشروعة ” إلى عملات صعبة ، أو معادن ثمينة ” دولار – يورو – ذهب ..الخ ” طمعاً في الحفاظ على قيمة مدخراتهم أو زيادتها إن أمكن . حالة كهذه ستقود إلى عرض كبير لليرة السورية في أسواق الصرف وتؤدي بالتداعي إلى انخفاض حاد في قيمة النقد الوطني ولذلك – كما هو معروف – مخاطر عديدة ومؤثرة ” اقتصادية واجتماعية .. وغيرها ” . إن تحديد أسباب انخفاض سعر صرف الليرة تجاه العملات الصعبة أمر يستحق الاهتمام من قبل دوائر القرار الاقتصادي في البلاد ، فهي وحدها القادرة على التعامل المسؤول مع هذه الظاهرة . ذلك ضروري وملح :
ضروري حتى لا نصل إلى حد الخطر ، وملح حتى لا ندخل دائرة المخاطرة .
الدكتور محمد توفيق سماق