صحيفة تشرين – دمشق – سورية
العدد :6507 – تاريخ: 24/4/1996 |
هل يستطيع القطاع العام الصناعي في سورية التعايش مع قوانين السوق ؟ هذا هو السؤال الأكثر أهمية الذي طرحه د. محمد سماق في محاضرته أمس التي القاها في مكتبة الأسد ضمن محاضرات ندوة الثلاثاء الاقتصادية بعنوان «القطاع العام الصناعي واقتصاد السوق ».
بحاجة للقطاع العام
كمقدمة لبحثه أجاب الدكتور سماق على ثلاثة أسئلة وهي كيف يبدو عالم اليوم ؟ ولماذا نحن بحاجة إلى القطاع العام؟ و ما هو الوضع الراهن للقطاع العام الصناعي ؟
وقال إن بيانات الجامعة العربية تشير إلى أن سكان الوطن العربي يشكلون 4,5 % من سكان الوطن العالم ويساهمون بحوالي 2% فقط في الدخل العالمي . وأضاف إننا في سورية نحتاج إلى القطاع العام في عدة مجالات و اعتبر أن الاهتمام الذي توليه الدولة للقطاع الخاص يجب ألا يعني تناقضاً مع القطاعات الأخرى . و استخلص الباحث أن القيم المطلقة للمؤشرات المدروسة في القطاع العام الصناعي تظهر تطوراً ايجابياً مطرداً منذ أواسط السبعينيات ولاشك بأن ذلك يوحي بتوسع وتنوع القاعدة الإنتاجية في هذا القطاع . لكنه اعتبر أنه يمكن أن يحسب على القطاع ، التزايد المستمر لقيمة استهلاكاته الوسطية وانخفاض نسبة تغطية صادرات هذا القطاع إلى وارداته من نحو 27% عام 1980 إلى 18% عام 1993 .
السؤال الصعب
هل يستطيع القطاع العام الصناعي أن يتعايش مع اقتصاد السوق ؟ يجيب على هذا السؤال د. سماق قائلاً : إننا في سورية نعيش منذ فترة مرحلة انتقال هادئ لكنه مستمر من عصر الاقتصاد المخطط مركزياً إلى عصر اقتصاد السوق والشواهد على ذلك كثيرة منها : تطور موقع الدولة في التنمية من الوصاية إلى الشراكة مع تعميق وتوسع نهج التعددية الاقتصادية في البلاد واستجابة القطاع الخاص الوطني وزيادة نشاطه في الحياة الاقتصادية السورية . وتطور دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي للبلاد إذ ازدادت مساهمة القطاع الخاص في مجمل تكوين الرأسمال الثابت للاقتصاد الوطني من 30% عام 1970 إلى 55% أوائل التسعينات . كما ازدادت مساهمة هذا القطاع في تكوين الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 46% عام 1975 إلى 60% عام 1993 .
غياب الخطط الخمسية
ومن المؤشرات الاخرى أيضاً توقف الخطط الخمسية في سورية عن الصدور وفسر ذلك بأحد أمرين إما الرغبة في التخلي عن نهج التخطيط المركزي المتوسط المدى أو الرغبة في اعادة صياغة أساليب التخطيط المألوفة سابقاً لدينا على أسس جديدة . ويعقب على ذلك قائلا بصرف النظر عن دقة التفسيرات السابقة فإن توقف تلك الخطط عن الصدور يوحي بتوقف موازٍ عن الاستمرار في إدارة التنمية وفق قوالب الماضي وأدواته .
اعتراف
ويعترف المحاضر أن الإجابة على السؤال الصعب حول امكانية القطاع العام بالتعايش مع اقتصاد السوق ليس أمراً ميسراً إذ أن الإجابة بنعم مرتبطة إلى حد كبير بقدرة هذا القطاع على التكيف مع المناخ الجديد السائد في السوق الداخلية والخارجية . واعتبر د. سماق أن سياسات التصنيع في سورية لا زالت تعتمد على الحماية والدعم كحجر زاوية في تطوير قطاع الصناعة . وأن الوضع الجديد يستدعي إجراء مراجعة موسعة لهذه السياسات . وأضاف أنه مع مرور الزمن تراكم لدينا في مجال إدارة ملكية الدولة عدد من القواعد غير السليمة القائمة على مبدأ الوصاية الشاملة للمالك . و تساءل د. محمد سماق هل استطاع المرسوم /20/ أن يلبي حاجة القطاع العام للتطور ؟ وهل هو كاف لإحداث النقلة المرجوة في آليات العمل الإداري لهذا القطاع .
سؤال آخر
في المقابل وإذا استطاع القطاع العام أن يعيش ويتعايش في ظل قوانين السوق فإن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو استعداد اقتصاد السوق لتقبل القطاع العام ؟ ويترك د .سماق الإجابة لتسارع حركة التغير في العالم .
الدولة تحرض على المنافسة
وسألت « تشرين » د. سماق ما مدى تأثر دور الدولة المالكة للقطاع العام الصناعي في اقتصاد السوق ؟ فقال أريد أن أؤكد أن اقتصاد السوق لا يعني أن لا تكون الدولة مالكة . ففي دول العالم التي اتجهت نحو اقتصاد السوق لازال قسم كبير من الشركات الكبرى تمتلكها الدولة . وأضاف أن القضية تتعلق بالإدارة فقط ، ومدى قدرة هذه الإدارة على تحقيق متطلبات السوق بغض النظر عن المالك . وقال : إن الخصخصة ليست بالضرورة بيع وسائل الإنتاج إلى القطاع الخاص بل تعني أيضاً زيادة مساهمة القطاع الخاص و تشجيعه على النمو . و اعتبر د. سماق أن سورية تريد المحافظة على القطاع العام ويجب أن تؤمن له فرص النجاح ليتمكن من الثبات في اقتصاد السوق .
صحيفة تشرين حول محاضرة
للدكتور محمد توفيق سماق