صحيفة الثورة – دمشق – سورية
العدد: 13448 تاريخ 10/2007/ 29
|
كَثُرَ الحديث في الآونة الأخيرة عن مظاهر النمو في اقتصادنا، فالبيانات الرسمية تقول بنمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 5.1 % وازدياد الصادرات بنسبة 19 % خلال عام /2006/ مقارنةً بعام /2005/، كما شَهِدَ عام /2006/ استقرار سعر صرف الليرة السورية وتدفق مليارات الدولارات من الاستثمارات الخارجية … وغير ذلك. مع هذا فإنّ بيانات الواقع تشير إلى جملة من مؤشرات الأزمة، منها:
- تراجع موارد الخزينة العامة مما انعكس سلباً على موازنة الدولة. فالموازنة المقدّرة لعام /2008/ البالغة /600 مليار/ ليرة سورية لا تزيد إلا بنسبة 2 % عن موازنــة عام /2007/، بينمــا بلغت الزيادة 19 % في موازنة عام /2007/ مقارنةً بعام /2006/.
- تراجع الإنفاق الاستثماري من /258 مليار/ ليرة سورية في موازنة عام /2007/ إلى /221 مليار/ ليرة سورية في موازنة عام /2008/، أي بنسبة 14.3 %.
- تراجع نسبة إجمالي العائدات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي من 22.2 % في عام /2002/ إلى 17 % في عام /2006/.
- تراجع الفوائض الاقتصادية للقطاع العام.
- استمـرار معدّل البطالة مرتفعاً، حيث تشير البيانات الرسمية إلى معدّل بطالة يبلغ نحو 18 % من قوة العمل في البلاد أي ما يزيد على /900 ألف/ عاطل عن العمل.
- بالرغم من عدم وجود بيانات دقيقة حول ظاهرة الفقر، لكن من الملاحظ أنّ هذه الظاهرة في ازديادٍ مستمرٍ ومعظم التقديرات تقول بأن نحو 20 % من سكان سورية يعيشون حول خط الفقر.
- تفاقم العجز في الميزان التجاري، حيث بلغ حوالي /500 مليون/ دولار أمريكي في عام /2006/ ومن المتوقع أن يزداد في عام /2007/ بتأثير التحرير السريع للتجارة الخارجية.
- الارتفـاع الكبيـر في الأسعار، فوفق البيانات الرسمية بلغ معدّل ارتفاع أسعار المنازل 40 % والإيجارات 50 % إضافةً إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبٍ متفاوتة.
- الإلحاح الحكومي المتواتر على إعادة النظر في دعم المحروقات تحت مُسميات مختلفة (إعادة توزيع الدعم أو توجيه الدعم لمستحقيه …)، وبذرائع متعددة أبرزها تراجع موارد الدولة وعجز الموازنة.
- استشراء ظاهرة الفساد والعجز عن مواجهتها أو الحد منها.
تلك المؤشرات وغيرها مما يمكن إيراده في السياق نفسه تدلّ على مفارقة تحتاج إلى تفسير، مفارقة بين مقولات النمو وحقائق الأزمة؟
التفسير السريع والأقرب هو عدم دقة البيانات المتعلقة بالنمو، ولا أظنّ بأن ذلك وحده قادر على تفسير تلك المفارقة. قد يكون هنالك بعضاً من عدم الدقة في البيانات وهذا شيء طبيعي وسائد في دول الجنوب وحتى في الدول المتقدمة أحياناً. لو كان الأمر عدم دقة بيانات لكان من السهل الطلب إلى الجهات المعنية تدقيقها وتصحيحها، إلا أنّ الإصرار الحكومي المتواتر على أننا نسير اقتصادياً بالاتجاه الصحيح وأننا على أبواب مرحلة واعدة من الرخاء والازدهار يُضعِف من احتمال عدم الدقة من وجهة النظر الحكومية على الأقل. ربما كان التفسير الأبعد والأكثر إقناعاً هو القبول فعلاً بمقولات النمو (بالمعدلات المعلنة أو قريبٍ منها)، لكنه النمو الذي يخدم مصالح الأقلية على حساب الأكثرية … النمو الذي يعمّق الواقع ولا يغيره … النمو الذي يزيد من غنى الأغنياء دون أن يُنقِص من فقر الفقراء …
جملةٌ من الشواهد تدعم هذا الاستنتاج وتؤيّد أرجحيته، منها:
- الدور المتنامي لرجال المال ومندوبي المؤسسات المالية الدولية في صناعة القرار الاقتصادي للبلاد، وهؤلاء لابد أن يعملوا على دفع حركة الاقتصاد بما يخدم مصالحهم المالية وينسجم مع مذاهبهم الاقتصادية. ذلك ليس نقداً أو تشهيراً هو توصيفٌ لواقع لا يمكن أن يكون بخلاف ذلك، فلا أظنّ أنّ فينا مَن يقبل العمل لمصالح الآخرين على حساب مصالحه أو خدمة مذاهب الآخرين على حساب مذهبه وقناعاته، ذلك هو منطق الحياة وتلك هي طبائع الأشياء.
- التوزيع غير العادل للعبء والمنفعة بين طبقات المجتمع وشرائحه، فمساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي تقدّر حالياً بنحو 62 % بينما لا تتجاوز مساهمتـه في ضرائب الدخل على الأرباح 23 %، علماً بأن القطاع الخاص هو الرابح الأكبر من نمو الناتج لأن القطاع العام سجينٌ في قيوده يختنق ببطء بمشاكله.
- التوجهات المعلنة لحل مشكلة عجز الموازنة عن طريق الرفع الجزئي لدعم المحروقات، ومن جملة ما سيعني ذلك في حال إقراره ارتفاع معدلات التضخّم وزيادة أعباء الطبقات والشرائح الأضعف في المجتمع التي تعاني بالأصل من كثرة أعبائها وثقل التزاماتها. في هذا المجال ربما كان من الضروري التوضيح بأنّ المواطن ليس سبباً لعجز الموازنة وبالتالي ليس مسؤولاً عن سدّ هذا العجز، هنالك وسائل أخرى كسندات الخزينة أو الاقتراض الداخلي … أو غير ذلك قد يتم التفصيل فيها في مناسبة أخرى.
شواهد أخرى عديدة يمكن إيرادها في السياق نفسه، لكن الأهم هو التنبيه لمخاطر النمو المشوّه وأبرزها تهديد توازن المجتمع واستقراره.
الإمام علي بن أبي طالب يقول: ” ما مُتِعَ غنيٌ إلاّ بما حُرِمَ منه فقيرٌ ” … الحرمان يولّد النقمة ويُنضج العداء … فلنحزر كليهما .
الدكتــور محمـد توفيـق سمـاق