صحيفة الثورة – دمشق – سورية
العدد: 13669 تاريخ 7/2008/ 22
|
أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم الأحد في 13/7/2008 عن قيام الاتحاد من أجل المتوسط في مؤتمر احتفالي كبير شارك فيه زعماء 43 دولة ( 27دولة أعضاء في الاتحاد الأوروبي و16 دولة أخرى من جنوب وشرق المتوسط ) . فكيف نشأت فكرة هذا الاتحاد وما علاقته بعملية برشلونة ؟
طرح فكرة الاتحاد في البداية الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي خلال حملته الانتخابية كمرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية . بعد وصول ساركوزي الى الرئاسة تحولت الفكرة الى مشروع فرنسي طرحه الرئيس في مؤتمر ثلاثي عقد في روما (20/12/2007) ضم كلاً من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا حيث صدر عن المؤتمر نداء للدول المطلة على المتوسط للمشاركة في مؤتمر يعقد في باريس في 13/7/2008 لتدارس المشروع والإعلان عن قيام الاتحاد .وفق إعلان روما كان من المقرر أن يطلق على الاتحاد اسم “الاتحاد المتوسطي” ، على أن يضم 19 دولة هي الـ16 المطلة على البحر المتوسط : إسبانيا _فرنسا _ ايطاليا_ اليونان _ قبرص _ مالطا _ تركيا _ لبنان _ سورية _ السلطة الفلسطينية _ إسرائيل _ مصر _ ليبيا _ تونس _ الجزائر _ المغرب ، بالإضافة الى ثلاث دول أخرى غير متوسطية هي : البرتغال العضو في الاتحاد الأوروبي ، الأردن التي تربطها اتفاقية شراكة مع الاتحاد وموريتانيا التي تربطها بالاتحاد علاقات تعاون عديدة. أتاح إعلان روما كذلك لجميع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى غير المطلة على البحر المتوسط الانضمام الى الاتحاد المتوسطي إن رغبت هي بذلك .
بعد ذلك قام الرئيس الفرنسي بجولة شملت العديد من الدول المتوسطية ( الجزائر _ تونس_ المغرب _ مصر ….) لشرح الفكرة والحصول على تأييد تلك الدول لقيام الاتحاد.
كما قام الرئيس ساركوزي بعرض مشروعه على شركائه في الاتحاد الأوروبي . قوبل المشروع بتحفظ عدد من الدول الأوروبية أهمها ألمانيا التي رأت ازدواجية في عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي وفي الوقت نفسه تزعمها لاتحاد آخر يضم أعضاء من الاتحاد الأوروبي ودول متوسطية تربط معظمها اتفاقيات شراكة مع الاتحاد . كما رأت ألمانيا أن هذه الازدواجية ستخلق تنافساً بين دول الاتحاد الأوروبي وربما تعارضاً في المصالح يهز تماسك الاتحاد ويضعف من دوره على الساحة الدولية . يعتقد بعض المحللين بأن خلفية الموقف الألماني هي عرقلة مساعي فرنسا واحتواء طموحاتها للقيادة والتميز في منطقة المتوسط خاصةً وعلى المستوى العالمي بشكل عام . كان المخرج الأوروبي من ذلك هو انضمام جميع دول الاتحاد الأوروبي الى الاتحاد الجديد مع تغيير في تسميته بحيث تصبح “الاتحاد من أجل المتوسط “بدلاً من “الاتحاد المتوسطي” . وبصرف النظر عن السجالات الأوروبية وخلفياتها والتسمية الرسمية للاتحاد تطرح مناسبة الإعلان عن ميلاده جملة من التساؤلات ، أبرزها :
_ ما هي أهداف هذا الاتحاد ؟
_ ما علاقته بعملية برشلونة التي صدر إعلانها في ( 11/1995) ؟
_ ماهي الفرص التي يتيحها والتحديات التي يواجهها ؟
الأهداف المعلنة للاتحاد لا تختلف كثيراً عن أهداف عملية برشلونة : السلام _ الأمن _ الحد من الهجرة غير الشرعية _ مشاريع اقتصادية مشتركة لتطوير منطقة المتوسط . يضاف الى ما سبق برأي الكثير من المحللين والمهتمين النزوع الفرنسي للعب دور قيادي في منطقة المتوسط يعزز حضور فرنسا ويقوي موقعها على الساحة الدولية عامة والأوروبية على وجه الخصوص ، هذا الدور الذي تنازعها فيه تقليدياً بريطانيا من الناحية السياسية وألمانيا من الناحية الاقتصادية . ربما كان التوقيت الذي اختير لعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد والذي تزامن مع ذكرى الثورة الفرنسية (14 تموز 1789) مؤشراً واضحاً على ذلك . فكأن الرئيس ساركوزي قد أراد من التوقيت تذكير العالم بدور فرنسا التاريخي وفضلها الأخلاقي في إطلاق نداء “الحرية والإخاء والمساواة ” شعارات الثورة الفرنسية ، كما أراد أن يقول بأن فرنسا اليوم تطالب بدور عالمي يتناسب والمشروع الحضاري الإنساني الذي زرعت بذوره الأولى الثورة الفرنسية باعتبارها الوريث والمؤتمن على الثورة وقضيتها .
أما عن علاقة الاتحاد بعملية برشلونة فيمكن القول بوجود أوجه تشابه واختلاف . أوجه التشابه تكمن جوهرياً في الأهداف التي أشرنا إليها آنفاً أما أوجه الاختلاف فهي عديدة ، منها :
البنية المؤسساتية : عملية برشلونة تقوم على إعلان صدر في 28/11/1995 نتج عنه اتفاقيات سميت اتفاقيات شراكة بين دول جنوب وشرق المتوسط المنضمة الى الإعلان والاتحاد الأوروبي ، أي أن عملية برشلونة ليس لها كيان مؤسساتي . بينما يراد للاتحاد الجديد أن يكون له كيان مؤسساتي مستقل برئاسة مشتركة بين دولة من شمال المتوسط هي فرنسا وأخرى من جنوبه هي مصر ، وأن يكون له أمانة عامة لم يحسم مقرها بعد فالبعض يرشح دولة من جنوب المتوسط ( على الأرجح إحدى دول المغرب العربي ) وآخرون يرون مدينة برشلونة ( إسبانيا ) كمقر محتمل . على أية حال فإن هذه البنية المؤسساتية تجعل من الاتحاد كيان مستقل بأجهزة وكوادر وموارد قادرة على الفعل والحركة ، بينما بقي إعلان برشلونة مجرد التزام نتج عنه جملة من اتفاقيات الشراكة لم يدخل عدد كبير منها حيز النفاذ حتى الآن بالرغم من مرور سنوات عديدة على توقيعها كما أن اتفاقية الشراكة مع سورية لم توقع بشكل نهائي حتى تاريخه مما يجعل من مسار برشلونة ناقصاً غير مكتملاً بعد مضي نحو 13 عاماً على صدور الإعلان المتعلق به .
المشاريع المشتركة : يتم الحديث حالياً عن جملة من المشاريع المشتركة في إطار الاتحاد الجديد ، أبرزها : مكافحة التلوث في منطقة المتوسط _ جامعة متوسطية_ طرق برية تربط دول شمال أفريقيا _ طريق بري يربط جنوب المتوسط بشماله عن طريق مضيق جبل طارق _ التوسع في استخدام الطاقة الشمسية … هذه المشاريع في حال تنفيذها ستساهم في تطوير منطقة المتوسط وتنعكس بشكل مباشر على شعوبها ، بينما كانت معظم المشاريع التي نفذت في إطار عملية برشلونة عبارة عن دراسات صرف عليها مبالغ طائلة تقدر بمليارات اليورو وتقدم تحليلاً مكرراً ومعروفاً لأوضاع دول المتوسط وقد وُضع معظمها جانباً بعد الانتهاء منها وحسبت مساعدات لدول الجنوب .
آلية اتخاذ القرار : الأهم من كل ما سبق هي آلية اتخاذ القرار ، فالاتحاد _كما هو مقدر له_ سيعني كيان بمؤسسات تمثل فيها دول شمال المتوسط وجنوبه بالتالي فالقرارات ستدرس بشكل مشترك ، مما يعطي لدول الجنوب دوراً في صناعة قرارات الاتحاد . في اتفاقيات الشراكة كان الأمر أقرب الى الإملاء من جانب موظفي المفوضية الأوروبية في بروكسل ، فلك أن تجادل كما تشاء لكن عليك أن تقبل في النهاية بما يعرض عليك . ربما كان هذا النمط من التعامل سبباً رئيسياً لما واجه مسار برشلونة من عقبات ولما وصل إليه من طريق مسدود باعتراف الجميع بما فيه الكثير من الزعماء الأوروبيين . فإعلان برشلونة أكد التزام المنضمين إليه ” بتحويل حوض المتوسط الى منطقة حوار وتبادل وتعاون يؤمن السلام والاستقرار والازدهار ” فأين الواقع من تلك الالتزامات ؟ أين السلام والاستقرار في منطقة سلامها هدنة بين حربين واستقرارها فرصة تهيئة لصراع أو إعداد لحرب ؟
وأين الازدهار في بحر تحولت مياهه الى مقابر للمحرومين من المهاجرين غير الشرعيين في قوارب الموت من جنوبه والحالمين بفرصة عيش كريم في شماله ؟
أغلب الظن أن الحال لن يكون كذلك في اتحاد بمؤسسات يتشارك فيها الطرفان المتعاقدان شمال المتوسط وجنوبه لأن هذا التصميم يوحي بأن قرارات الاتحاد ستعكس توازن المصالح أكثر مما تعكس توازن القوى السائد حالياً في إطار عملية برشلونة ؟ !
أما بالنسبة للفرص التي يتيحها الاتحاد الجديد فمن الصعب منذ الآن الحديث بشكل دقيق ومفصل عنها ، فالأمر بمجمله لازال قيد التصميم والتكوين . لكن إذا سارت الأمور بالسلاسة التي يتحدث عنها المصممون فالمتوقع أن يتيح المولود الجديد فرصاً عديدة وهامة خاصة لدول جنوب المتوسط وشرقه (سياسية _ اقتصادية _ ثقافية …) . أما التحديات الكبرى التي سيواجهها نجاح الاتحاد فستكون في مقدمتها قضية الصراع العربي الإسرائيلي ومشتقاته ، فكيف سيتحد من احتلت أرضه مع المحتل ؟! تحد آخر سيواجه الاتحاد هو حالة الفقر المادي والقهر المعنوي الذي تعيشه بعض دول جنوب المتوسط والتي تساهم الى حد كبير في إنتاج ظاهرتي الهجرة غير الشرعية والإرهاب اللتان تشكو منهما ومن تداعياتهما دول شمال المتوسط . فهل سيساهم الاتحاد الجديد في تحسين ظروف دول جنوب المتوسط بالتقليل من الفقر والتخفيف من القهر …. سؤال يبقى برسم الزمن ؟
جملة القول إن الاتحاد الجديد ربما كان فرصة فلنغتنم تلك الفرصة …. نقول ربما لأن الوقت لازال مبكراً للإجابة بيقين … لنعمل ولنأمل لأن يكون الاتحاد من أجل المتوسط فرصة للجميع …. لنا ولشركائنا الأوروبيين .
الدكتور محمد توفيق سماق