قضايا ملحّة أمام قمة الأرض النتائج المتوقعة و دول الجنوب المترقبة “2 من 2 ” ـــــ مقال رقم /5/

الثورة الاقتصادي – دمشق  – سورية

العدد :8851   –   تاريخ: 6/6/1992

هذا المقال بمناسبة انعقاد قمة الأرض في ريودي جانيرو في البرازيل تاريخ  3- 12 / 6 / 1992

 

يتضح من استعراض الوثائق التي أعدتها الامانة العامة واللجنة التحضيرية للمؤتمر بأن نتائج القمه ستكون عديدة ومتنوعة .. و اذا كنا لا نريد استباق الزمن لتقييم هذه النتائج من خلال مشاريع الاتفاقات والقرارات المعروضة على القمة فهي قابلة للإضافة أو الحذف او التعديل إلا أننا سنشير وبشكل سريع إلى بعض من اهم هذه الوثائق المتضمنة لمشاريع واتفاقيات وقرارات بهدف تسليط   بعض الضوء على الاطار العام الذي سيحدد عمل القمه خلال دورة انعقادها ، ويسهل توقع بعض من أبرز نتائجها:

أ-  برنامج القرن (21) : سيقدم للمؤتمر من قبل أمانته العامة ولجنته التحضيرية مشروع برنامج اصطلح على تسميته برنامج القرن الواحد والعشرين وهو يتناول بشكل خاص قضايا التنمية الداعمة للبيئة خلال ما تبقى من القرن العشرين وتوجهات تتعلق بهذه القضايا للقرن الواحد والعشرين .   وتتوقع امانة المؤتمر أن تقوم الحكومات بعد إقرار البرنامج بصيغته النهائية بالعمل الحثيث لتنفيذ   ما يتم الاتفاق عليه من خلال البرنامج .

ب- اتفاقية قانونية دولية لحماية البيئة : وتتضمن هذه الاتفاقية عدداً من المواد تتعلق بالحفاظ   على الغلاف الجوي للأرض بهدف توفير شروط مناخية ملائمة بيئياً كذلك الحفاظ على الأنواع المختلفة للكائنات الحية في الطبيعة ، ويبدو أن هذه الاتفاقية في حال إقرارها ستكون ملزمة لكافة دول العالم .

ج- ميثاق الأرض : ويتضمن مشروع الميثاق المقترح نوعاً من التعهد الجماعي لشعوب العالم ودوله بالحفاظ ما أمكن على سلامة البيئة بهدف الحفاظ على شروط حياة سليمة على هذا الكوكب والنظر الى ذلك كمسؤولية جماعية لهذه الدول والشعوب مع اعتبار قضية المحافظة على الارض مسؤولية يتحملها الجيل الحالي من البشر أمام أجيال المستقبل . وهذا الميثاق سيكون ملزماً أخلاقياً كما تتضمن وثائق المؤتمر وليس له صفة الإلزام القانوني .

د- مشاريع قرارات متنوعة : هنالك العديد من مشاريع القرارات المعدة للعرض على القمة تتعلق بمختلف جوانب البيئة والتنمية على هذا الكوكب ، مثلاً :

  • ضرورة تسهيل نقل التكنولوجيا الداعمة للبيئة أمام الدول النامية .
  • ضريبة الطاقة ، أي فرض ضريبة على استخدام النفط أو الفحم وكذلك الطاقة النووية باعتبارها تسبب تلوثاً بيئياً يصعب إزالته .
  • النظر إلى الانفجار السكاني القائم حالياً في العالم باعتباره عاملاً مساهماً في التدهور البيئي  الذي تعيشه الأرض وبوصفه عائقاً أمام جهود التنمية .
  • الدعوة إلى تنشيط مساهمة المرأة في التنمية و اعتبار ذلك قضية رئيسية أمام حكومات العالم  و شعوبه .. وغير ذلك .

ذ- التمويل : تتضمن مشاريع الوثائق المعدة للعرض على القمة عدداً من الإجراءات التي تكفل مصادر تمويل البرامج التي تقرها القمة . و من الإجراءات المقترحة في هذا المجال :

  • بذل الجهود للتخفيف من مشكله الديون وخاصة ديون دول الجنوب .
  • ربط مساعدات الوكالات الدولية وخاصة مساعدات صندوق النقد الدولي بالتقدم الذي تحرزه الدول الطالبة للمساعدة في تنفيذ البرامج و الخطط التي ستقر في القمة.
  • إصدار طوابع بريدية.. وغير ذلك من الإجراءات .

ح- الرقابة على التنفيذ : هنالك عدد من الإجراءات المتعلقة بالرقابة على تنفيذ المقررات التي ستصدر عن القمة الا ان أهمها بلا شك الاقتراح المتضمن إحداث مجلس أمن اقتصادي دولي في اطار الامم المتحدة على غرار مجلس الامن الدولي الحالي ذي الطابع السياسي و تفويضه بصلاحيات عالمية لمراقبة حسن تنفيذ القرارات المتعلقة بالبيئة والتنمية التي ستتخذها القمة .

قمة الارض ودول الجنوب : لسنا هنا بصدد الحصر والتعداد ، الا اننا سنتعرض لبعض القضايا التي يمكن لوفود الجنوب أن تحملها معها الى قمة البرازيل طلباً لدعم المجموعة الدولية ومساندتها . إن معظم التلوث يصدر عن الدول المتقدمة صناعياً ، و على هذه الدول أن تتحمل مسؤولية إزالة أسباب تلوث البيئة . هذا الإقرار مأخوذ بالنص من مقررات مؤتمر التنمية الصناعية الداعمة للبيئة و الذي عقد في كوبنهاغن (الدانمارك) خلال الفترة من 14 الى 18 تشرين أول عام 1991 في سياق التحضير لقمة الأرض موضوع البحث ، حيث شارك في هذا المؤتمر /96/ دولة و /61/ منظمة عالمية حكومية و غير حكومية . اذاً فمسؤولية الدول الصناعية عن التلوث هي موضوع اتفاق عالمي لا جدال فيه تثبته الوقائع وتؤيده الارقام . تأسيساً على ذلك يمكن لدول الجنوب ان تتكاتف في قمة الأرض مطالبة الدول المتقدمة صناعياً بالتعاون الفعال معها لإزالة أسباب التلوث بهدف التخفيف    منه قدر الإمكان .

إن ذلك يستدعي بالضرورة أن تقوم الدول المصنعة بتسهيل نقل التكنولوجيا الملائمة بيئياً و بأسعار رخيصة الى دول الجنوب كذلك يحتم ذلك على هذه الدول تقديم المساعدة الفنية اللازمة لدول الجنوب مجاناً او بأسعار زهيده لمعالجة اسباب التلوث القائمة حالياً في هذه الدول .

إذا كانت معدلات الزيادة السكانية الحالية عاملاً مساهماً في التدهور البيئي وينظر اليه بشكل خاص من الدول المتقدمة صناعياً كعامل معيق للتنمية ، فان ذلك على أهميته أحد وجوه المشكلة أما الوجه الآخر الذي يمكن لدول الجنوب ان تعرضه وتوضحه في القمة هو أن الفقر في جنوب الكرة الأرضية ليس فقط بسبب المعدلات المرتفعة لزيادة السكان و إنما ايضاً  بسبب سوء توزيع الدخل العالمي ( سكان النصف الشمالي من الكرة الارضية يشكلون حوالي 20% من سكان الارض ويحصلون حالياً 80%من الدخل العالمي ) الناتج بشكل أساسي عن الخلل القائم في العلاقات الاقتصادية الدولية .   إن الفقر في الجنوب ليس فقط عاملاً مساهماً في التدهور البيئي ومعيقاً للتنمية فهو كذلك عامل يهدد استقرار العالم و أمنه ، فموجات الهجرة من الجنوب الى الشمال أو كما تسميها بعض الصحف الغربية « عاصفة الفقراء » التي تجتاح الشمال ماهي الا اول الغيث الذي قد يتبعه المطر .   ومطر الفقر هذا يمكن ان يكون عدم استقرار و توتر للعالم أجمع بما فيه الشمال الغني  الكثيف التصنيع . ولا يقل هذا الخطر عن الأخطار الأخرى التي تهدد البيئة والتنمية    في العالم . تأسيساً على ذلك يمكن لدول الجنوب ان تطالب في القمة بتصحيح العلاقات الاقتصادية الدولية القائمة حالياً في جوهرها على تبعية الجنوب الفقير إلى الشمال الغني و إحلال نوع جديد  من هذه العلاقات يقوم في جوهره على الاعتماد المتبادل بين الشمال والجنوب ، فكلاهما   بحاجة للآخر .

الجنوب بحاجة إلى تكنولوجيا الشمال و تقدمه العلمي ومهاراته الفنية و أحياناً بعض التدفقات المالية كموارد للتنمية . الشمال ايضاً لا يمكنه الاستغناء عن مواد الجنوب الاولية او النصف مصنعه احياناً كذلك أسواقه وقبل هذا او ذاك فهو بحاجة الى نفط الجنوب كمصدر رئيسي للطاقة التي يمكن اعتبارها شرط نمو الشمال و مصدر ازدهارها .

اذاً فمقومات الاعتماد المتبادل موجوده والامر لا يحتاج الى اكثر من اعادة صياغة واقعية للعلاقات الدولية . وربما يخفف ذلك من فقر الجنوب بمالا يضر بغنى الشمال ، فنخفف بذلك من اثر واحد  من اهم العوامل المهددة للبيئة والتنمية في العالم الا وهو الفقر .

مع انتهاء الحرب الباردة ، و التي كانت خلالها أجزاء من مناطق الجنوب مسرحاً للعديد من جولاتها الساخنة ، ودخول العالم مرحلة الحوار بدل المواجهة من خلال ما اصطلح على تسميته بالنظام الدولي الجديد يتوقع الكثيرون في العالم ان تخفض وبشكل جوهري النفقات ذات الطابع العسكري .

حسب تقديرات وكالة الولايات المتحدة الامريكية للحد من الاسلحة ونزع السلاح بلغت هذه النفقات  في عام 1988 ما مجموعه 983,9 بليون دولار أمريكي موزعة على الشكل التالي :

حلف الاطلسي 446,6 بليون دولار .

حلف وارسو ( سابقاً ) 364,8 بليون دولار .

البلدان النامية 172,8 بليون دولار .

أي أن حلفي الاطلسي و وارسو ( سابقاً ) ساهمت بما يزيد على  82% من اجمالي الانفاق العسكري في العام (1989 ) .

يمكن للدول النامية ان تطالب و بحق لشعوبها ان تتوقع بان يخصص جزء من الموارد المالية المحررة من مجال النفقات العسكرية لتقديم المساعدة لها . ذلك يمكنها من تمويل جزء من كلف نقل التكنولوجيا الملائمة بيئياً ويساعدها في جهودها التنموية بما يخفف من مشاكل شعوبها وبما يساهم  في خلق عالم جديد أوفر امناً وأغنى ازدهاراً . إن ذلك يزيد من التزام الجنوب بدوله       و شعوبه ببرامج ومقررات قمة البرازيل كما سيعطي لدعوى المصير الواحد لسكان هذا الكوكب مصداقية أكثر .

 

 

الدكتور محمد توفيق سماق