صحيفة الثورة ( الملحق اقتصادي ) – دمشق – سورية
العدد :8850 – تاريخ: 5/6/1992 هذا المقال بمناسبة انعقاد قمة الارض في ريودي جانيرو في البرازيل تاريخ 3- 14 /1992/6 |
يعقد في مدينة ريودي جانيرو في البرازيل خلال الفترة من ٣ إلى ١٤ حزيران ١٩٩٢ مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة و التنمية و الذي اصطلح على تسميته في العديد من وسائل الإعلام العالمية بقمة الأرض . ينعقد هذا المؤتمر تنفيذاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 44/228 و المتخذ في شهر كانون الأول من عام ١٩٨٩ مؤتمر ريودي جانيرو وهو المؤتمر العالمي الثاني الذي تدعو إليه الأمم المتحدة لمعالجة القضايا المتعلقة بشؤون البيئة ، حيث عقد المؤتمر الأول منذ عشرين عاماً ” ١٩٧٢ ” في مدينة ستوكهولم ” السويد ” و سنتناول هنا و بشكل مختصر بعضاً من القضايا التي يطرحها انعقاد مؤتمر على هذا المستوى شارك في التحضير له عدد من المنظمات الدولية و الإقليمية حكومية و غير حكومية وعلى مدى نحو ثلاث سنوات متواصلة . و سنتحدث مبدئياً عن دواعي انعقاد القمة و أبرز القضايا التي ستعالجها ؟ ثم وفي حلقة ثانية نتحدث عن أهم النتائج المتوقع أن تنتهي إليها ؟
ماذا يمكن لدول الجنوب أن تنتظر منها ؟ أصحاب فكرة القمة و منظموها يجيبون على هذا التساؤل بالتالي:إنّ الحياة على هذه الأرض أصبحت مهددة ! مصادر التهديد متعددة إلا أنّ أبرزها ثلاثة أنواع من المشاكل:
- مشاكل البيئة .
- مشاكل الانفجار السكاني .
- مشاكل الطاقة .
مشاكل البيئة لها أوجه عديدة ، فالغلاف الجوي بحاجة إلى حمايته وما انثقاب طبقة الأوزون إلّا أحد وجوه هذه المعضلة ، فالتقديرات تشير إلى أنّ مجموع سكان الأرض يطلقون يومياً نحو ٦٠ مليون طن غاز ثاني أكسيد الكربون “CO2″ أي ١ , ٢٠ بليون طن سنوياً إلى الغلاف الجوي . الأرض كذلك بحاجة إلى حماية، فالأراضي القابلة للزراعة أو الرعي مهددة بالتصحر و التملح و الزحف العمراني وهنالك بعض الدراسات تؤكد على أن الأراضي القابلة للزراعة أو الرعي تتناقص بسبب هذه العوامل بحوالي ١٦٥ كم٢ يومياً ، أي بحوالي ٦٠٢٢٥ كم٢ سنوياً وهذا يعني تقريباً ضعف مساحة دولة كبلجيكا .
وبالإضافة إلى الخطر الذي يهدد الكائنات الحية غير البشرية في الطبيعة و انقراض العديد من أنواعها كذلك تلوث مياه البحار و المحيطات وضرورة الحفاظ على مياه الشرب نظيفة غير ملوثة ، ذلك كله يدفع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات العالمية إلى التقرير بأنّ خطراً جديّاً يهدد البيئة وفي المحصلة فإنّ تهديد البيئة يعني تهديد الحياة على الأرض. ويتضّح من الوثائق المعدّة للعرض على القمة بأن مشاكل البيئة تلك و غيرها ستكون موضوعاً مركزياً في مناقشات قمة الأرض . مشاكل الانفجار السكاني، وهنا تكثر الدراسات و تتنوع الإحصائيات إلّا أنّ قاسماً مشتركاً يجمع بينها وهو: منذ بداية عصر الثورة الصناعية الأولى ” عصر الفحم و البخار ” حوالي مطلع القرن الثامن عشر بدأ عدد سكان الأرض بالتزايد بمعدلات مرتفعة بالمقارنة بجميع العصور الأخرى السّابقة منذ فجر التاريخ” أي حوالي ٥٠٠٠ سنة قبل الميلاد”. ومع أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين أو ما يمكن أن نسميه بعصر الثورة الصناعية الثانية ” البترول و الكهرباء ” فإنّ نمو عدد سكان الأرض بدأ بأخذ شكلاً انفجارياً يهدد رفاه البشرية ومستقبل التنمية على هذا الكوكب . وبهدف التوضيح سنسوق بعض التقديرات و الإحصائيات العالمية المتعلقة بالنمو السكاني في العالم :
أ – منذ نحو عام / ٥٠٠٠ / ق.م وحتى عام ١٧٠٠ م ( بداية عصر الثورة الصناعية الأولى) ازداد عدد سكان الأرض من ٢٠٠ مليون إلى ٨٥٠ مليون نسمة أي أنّ عدد سكان الأرض قد ازداد بنسبة ٤,٢٥ مرة خلال فترة ستة آلاف و سبعمائة عام .
ب – منذ عام ١٧٠٠ م وحتى عام ١٩٠٠ م ازداد عدد سكان الأرض من ٨٥٠ إلى ١٦٥٠ مليون نسمة، أي نسبة ١,٩٤ مرة خلال مائتي عام ” تقريباً زمن الثورة الصناعية الأولى ” .
ﺟ – منذ عام ١٩٠٠ م وحتى عام ١٩٨٨ م ازداد هذا العدد من ١٦٥٠ إلى ٥١٢٠ مليون نسمة أي بنسبة ٣,١ مرة خلال ٨٨ عاماً الماضية من هذا القرن. و إذا قارنا بالأرقام المطلقة فإنّنا نجد أنّ عدد سكان الأرض قد ازداد خلال تسعة عقود من القرن العشرين ب / ٣٤٢٠ مليون نسمة / بينما ازدادت البشرية منذ فجر التاريخ وحتى بداية القرن العشرين ب ١٤٥٠ مليون نسمة . إن الفارق الهائل بين الرقمين دفع بعض الباحثين إلى تسمية نمو سكان الأرض خلال القرن العشرين بالنمو الانفجاري ، وتدل بعض الدراسات التي نشرت في شهر نيسان من هذا العام إلى أن عدد سكان الأرض يزداد حالياً بمقدار ٣ نسمة كل ثانية. الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية تعتبر أنّ لهذه المشكلة منعكسات سلبية على البيئة و التنمية :
فمن ناحية البيئة سيكون هذا الانفجار السكاني أحد العوامل الهامة في تقليص المساحات الزراعية وزيادة التلوث الذي يفرضه نمو القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية لتلبية الحاجات المتنامية لسكان الأرض وعلى مستوى التنمية فإنّ التناقض القائم بين المعدلات الانفجارية لزيادة السكان ومحدودية الموارد المتاحة للتنمية سيؤدي إلى ازدياد الفقر و تباطؤ معدلات النمو خاصة في بلدان الجنوب ، ويشير تقرير عن التنمية في العالم ” ١٩٩٠ ” بعنوان ” الفقر ” صادر عن البنك الدولي للإنشاء و التعمير ، إلى أنّه في عام ١٩٨٥ كان ما يزيد على بليون نسمة أو نحو ثلث إجمالي سكان العالم النامي يعيشون بأقل من – ٣٧٠ – دولاراً للفرد سنوياً أي أنهم كانوا يعيشون في حالة فقر ، مشكلة الانفجار السكاني هذه ستكون أيضاً بلا شك على جدول أعمال القمة بهدف الدراسة و المعالجة . مشاكل الطاقة : وهي عديدة إلا أنه لسهولة العرض يمكن تصنيفها تحت عنوانين:
- التلوث .
- النضوب .
أ – التلوث : قدر في عام ١٩٩٠ إجمالي الطاقة المستهلكة في العالم من كافة المصادر معدله حسابياً على أساس النفط ” بما يعادل ٨ بليون طن نفط . ومن المتوقع أن يزداد هذا الرقم ليصل في عام ١٩٩٥ حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى ٩,٣ بليون طن نفط . أما مصادر الطاقة المختلفة فقد ساهمت بالنسب التالية في إجمالي الطاقة المستهلكة عالمياً في عام ١٩٩٠: نفط ٣٩ ٪ ماء ٦ ٪ فحم ٢٧ ٪ طاقة نووية ٥ ٪ غاز ٢٢ ٪ مصادر طاقة أخرى ١ ٪ . و بفعل الاستخدامات المختلفة للطاقة ينتج مايعادل ٢٠,١ بليون طن غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً ” مستوى عام ١٩٩٠ ” . و هذا الغاز ملوث للبيئة . وتساهم المجموعات الإقليمية في هذا التلوث وفق النسب التالية :
المجموعة | الكمية ” بليون طن “ | النسبة |
دول منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية ” منها الولايات المتحدة الأمريكية ، اليابان ، المجموعة الأوروبية “ | 10,9 | 54 % |
الدول النامية ” بما فيها الصين الشعبية ”
|
3,8 | حوالي 19%
|
دول الكوميكون سابقاً ” بما فيها الاتحاد السوفييتي السابق “ | 5,4 | حوالي 27% |
ب – النضوب : بشكل عام يمكننا تقسيم مصادر الطاقة إلى نوعين ، نوع متجدد ” الماء – الطاقة الشمسية – الرياح ” و نوع قابل للنضوب و أهمها النفط و الغاز .
تشير بعض الدراسات العالمية إلى أنه منذ البدء باستخراج النفط في عام ١٨٥٩ و حتى عام ١٨٨٩ فإنّه تم اكتشاف ٢٢٥ بليون طن نفط على مستوى العالم و قد تم حتى الآن استهلاك نحو / ٨٩ / بليون طن / ٤٠ ٪ / من النفط المكتشف و بذلك يبلغ حالياً الاحتياطي النفطي المؤكد عالمياً نحو ١٣٦ بليون طن ” مستوى ١٩٨٩ . ”
الاحتياطي الأمريكي يكفي لمدة ثماني سنوات من الآن ، و احتياطي دول الاتحاد السوفييتي السابق لمدة ١٣ سنة و احتياطي منطقة الشرق الأوسط لحوالي ١١٢ سنة قادمة ، وفق معدلات الإنتاج الحالية ووفق معدلات الاستهلاك العالمية ” مستوى ١٩٨٩ ” فإن الاحتياطي النفطي العالمي يكفي لمدة ٤٤ سنة قادمة فقط.من هذه المؤشرات يبرز الوجه الآخر لمشكلة الطاقة وهو احتمال نضوب أهم مصادرها ” النفط ” خلال فترة لا تزيد وفق الاحتياطي العالمي المؤكد حالياً عن نصف قرن قادم ربما خفض الأمل باكتشافات نفطية جديدة من هذه المخاوف إلا أنه لن يبددها فالمستقبل دائماً يرتبط بعنصر الاحتمال و يحمل في طياته مفاجآت غير متوقعة. باعتبار الطاقة هي الشرط الضروري الذي لا يمكن الاستغناء عنه للتنمية و بالنظر إلى أثر بعض أنواعها الملوث للبيئة ، فإن منظمي المؤتمر يرون بأن مشاكل الطاقة من العوامل الدافعة باتجاه قمة الأرض ، لعلّ قادة العالم ومنظماته يتدارسون فيما بينهم جوانب هذه المشكلة ” التلوث – النضوب ” و يجدون السبل الكفيلة بالتخفيف من آثاره الضارة على البيئة و التنمية.باختصار فإن مواضيع القمة قابلة للتصنيف تحت العناوين الثلاثة التالية :
- البيئة باعتبارها مجال التنمية.
- الطاقة باعتبارها شرط التنمية.
- الإنسان باعتباره غاية التنمية.
فهل هنالك للإنسان و الحياة ما هو أهم ؟
الدكتورمحمد توفيق سماق