النصيحة الغريبة ــ المقال رقم /142/

مجلة الاقتصادية   – دمشق – سورية

العدد:   457 تاريخ  8/2010/ 29

قدمت صحيفة الاقتصادية الأسبوعية في عددها الأخير بتاريخ 22/8/2010 نصيحة للحكومة بعدم زيادة الرواتب و الأجور . مبرر هذه النصيحة كما تقول الصحيفة  هو أن زيادة الرواتب ستزيد من نسبة التضخم و من أعباء الموازنة , لذلك  ” تناشد – الصحيفة –  الحكومة ألا تحرك الرواتب و الأجور وأن تشرع في الإصلاح الإداري قبل أي شيء   آخر  ” ؟ !

لم أجد ما أصف به هذه  النصيحة بأنسب من الغرابة و لهذه الغرابة أسباباً عديدة , منها :

من الناحية النظرية ( أو المدرسية ) ليس هنالك ضرورة لأن تؤدي كل زيادة في الرواتب  و الأجور إلى زيادة في التضخم . فالعلاقة بين المؤشرين ليست حتمية بل هي جوازية  فا لأجر هو الحافز الأهم للعامل و زيادته قد تؤدي إلى تحفيز العامل لتحسين أدائه و بالتالي خلق سلع و خدمات إضافية تمتص الأثر السلبي المحتمل لأي زيادة في الرواتب و الأجور    و لن يكون هنالك عبء إضافي على الموازنة لأن مواردها من الضرائب و الرسوم قد تزداد بالتداعي نتيجة لتحسين الأداء الاقتصادي .

أكثر من ذلك إن زيادة الرواتب و الأجور ستؤدي إلى زيادة في القدرة الشرائية للمواطن مما يعني زيادة في الطلب على السلع و الخدمات في السوق ويعني أيضاً تنشيطاً إضافياً موازياً للدورة الاقتصادية ككل .

بالإضافة إلى ماسبق لنا أن نُذكر بأن معدلات التضخم في سورية تزداد بصرف النظر عن زيادة الرواتب و الأجور فآخر زيادة للرواتب و الأجور لدينا كانت  في الشهر الخامس من عام 2008 مع ذلك فمعدلات التضخم المعلنة لم تظهر حساسية تذكر تجاه هذه الزيادة بل أظهرت أحياناً حساسية عكسية , فقد بلغ وسطي معدل التضخم نحو 7 % (خلال  عامي 2006-2007 ) و انخفض إلى 4 %  عام 2009 حسب البيانات الرسمية , فللتضخم  كما هو معروف أسباباً عديدة ربما كانت زيادة الرواتب و الأجور من أقلها تأثيراً .الأهم من ذلك كله هو المستوى  المتدني للرواتب و الأجور في سورية مقارنة ليس بالدول الغنية كأمريكا و دول أوروبا ودول الخليج النفطية  إنما بالمقارنة مع دول الجوار ذات الظروف المشابهة . يبلغ الحد الأدنى للأجور في لبنان نحو 350 دولاراً أمريكياً في الشهر و في الأردن نحو 250 دولاراً بينما لايزال في سورية بحدود 6010 ل . س ( نحو 128 دولار ) . إن تدني الأجور و الرواتب أحد أهم موانع و عوائق الإصلاح لدينا سواء أكان اقتصادي أو اجتماعي أو إداري وهو الإصلاح الذي تطالب به نصيحة الاقتصادية , فالإصلاح الأول المطلوب إذا ً هو إصلاح الرواتب و الأجور .

جملة القول إني وجدت نصيحة الاقتصادية غريبة و أغرب مافيها أنها تُقدم بدعوى  الإصلاح ؟ ! .

                                                                            

                                                                 الدكتور محمد توفيق سماق