وثائق ويكيليكس و العجز الأمريكي ـــ المقال رقم / 145/

صحيفة الثورة   – دمشق – سورية

العدد:   14399 تاريخ  12/2010/ 14

أثارت الوثائق التي بدأ بنشرها موقع ويكيليكس الالكتروني عاصفة من التحليلات  و التعليقات الإعلامية بالإضافة إلى ردود فعل متنوعة وعديدة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية . مؤسس الموقع الاسترالي الجنسية جوليان أسانغ يتحدث عن نحو ربع مليون وثيقة رسمية و سرية موجودة بحوزته يهدد بنشرها تباعاً , يقول بأنها وثائق متبادلة بين وزارة الخارجية الأمريكية و بعثاتها الدبلوماسية في الخارج . قضية وثائق ويكيليكس استدعت العديد من الأسئلة , منها :

  • هل الوثائق التي يتحدث عنها أسانغ صحيحة أم مزورة ؟
  • وإذا كانت صحيحة كيف وصلت إلى ويكيليكس ؟
  • هل كان الأمر تسريب مقصود من بعض الجهات الرسمية الأمريكية أم اختراق أمني و تكنولوجي ؟
  • ثم من المستفيد ومن المتضرر من نشر تلك الوثائق ؟

ليس هنالك معلومات مؤكدة عن كيفية حصول ويكيليكس على تلك الوثائق أو عن مدى صحتها , إلا أن ردود الفعل الأمريكية الرسمية الغاضبة توحي بصحتها و أهميتها .

فسارة بيلين المرشحة لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة مع جورج ماكين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة طالبت بتصفية مؤسس الموقع أسانغ لما ألحقه من ضرر بالأمن القومي الأمريكي , كذلك أصدرت الجهات المختصة في الولايات المتحدة مذكرة اعتقال دولية بحق أسانغ لإلقاء القبض عليه و ترحيله لمحاكمته أمام القضاء الأمريكي ؟ ! .

وبصرف النظر عن دقة الوثائق و الكيفية التي وصلت بها إلى ويكيليكس فإن المتضرر الأكبر من نشرها – وفق ما أرى – هو الولايات المتحدة , لان الأمر في جوهره رسالة تحد لإرادتها الرسمية , خاصة إرادة مؤسساتها الأمنية . فهو يعكس عجز هذه المؤسسات عن حماية تلك الوثائق من التسريب وعجزها عن منع نشرها بعد تسريبها , مما يعني بالمحصلة العجز عن حماية أمريكا في قضية تمس أمنها القومي كما وصفها بعض المسؤولين الأمريكيين أنفسهم .

إن مسلسل العجز الأمريكي بدأ بشكل واضح مع أحداث 11 أيلول عام 2001 , يوم فشلت وكالات الأمن القومي الأمريكي على تعددها وسطوتها ( أكثر من 20 وكالة )   و إمكانياتها الهائلة بمنع وقوع تلك الأحداث . كذلك بعد احتلال العراق عام 2003 عجزت القوات العسكرية الأمريكية عن توفير الأمن بالرغم من وجود نحو 140000 جندي أمريكي في العراق في بعض المراحل و احتلال دام لأكثر من سبع سنوات مما أدى إلى اهتزاز هيبة العسكرية الأمريكية ككل .  وفي أفغانستان تشير معظم التوقعات بما فيها توقعات المسؤوليين الغربيين إلى فشل قريب وهزيمة قد لا تكون بعيدة لقوات النيتو هناك  مما أرغم أمريكا على القبول بمبدأ التفاوض بين حكومة كرازاي و طالبان . تلك الشواهد وغيرها تستدعي تساؤلاً مشروعاً هو : هل اقترب عصر التفرد  الأمريكي بزعامة العالم و التربع على قمته من نهايته ؟

قد تتعدد الاجتهادات في الإجابة على السؤال السابق لكنه يبقى سؤالاً مشروعاً . حقائق الحياة و تجارب التاريخ تعطي للتساؤل مشروعيته فهي تعلم لمن يريد أن يتعلم أن العاجز عن تأمين مصالحه و حماية أمنه أعجز من أن يتزعم الآخرين ويدير شؤونهم .

مع ذلك نترك الإجابة القاطعة للمستقبل و مستجداته و الزمن و متغيراته .

 

                                                                   الدكتور محمد توفيق سماق